“طبق السلطة”.. من السودان لبائعي الطعمية وإفطار رمضان

لم يعرف أهالي دشنا طبق “السلطة” إلا في أربعينيات القرن الماضي، بحسب عدد من كبار السن، لافتين إلى أنه قبل ذلك التاريخ اعتاد الأهالي على تناول مكونات طبق السلطة – وهي الطماطم والخيار والخضرة والبصل – بشكل منفرد ومع وجبات معينة، مشيرين إلى أنه شاع بعد ذلك التوقيت دخول السلطة كشريك أساسي لوجبة الطعمية، ولاحقا أصبحت الطبق المشهي الذي يقدم في الولائم والمعزومات الهامة وأخيرا ارتبطت السلطة بشهر رمضان، إذ أصبحت القاسم المشترك بين جميع موائد الإفطار.

ثقافة وتراث” يرصد كيف عرف أهالي دشنا طبق السلطة؟، ولماذا ارتبط أولا بوجبة الطعمية ثم بشهر رمضان؟

خضر السوداني

يسرح الثمانيني عبدالمنعم محمد بذاكرته إلى فترة منتصف الأربعينيات، حين كان يساعد والده في دكانه بمنطقة الشيخ جلال بدشنا، وتصادف أن يكون جار والده المكوجي خضر السوداني، وفي أحد الأيام دخل عليه في دكانه فوجده بقوم بـ”تخريط” الخيار والطماطم والخضرة والبصل ويقوم بخلطهم في طبق واحد ثم يعصر عليه الليمون، فساله: “بتعمل إيه يا عم خضر؟”، فأجاب بلكنة سودانية محببة: “دي سلطة”.

يقول محمد: “تذوقتها فوجدت طعمها شهيا ومحببا، فأسرعت لوالدي وأخبرته”، فحضر والدي ليعرف قصة السلطة وبالفعل شرح العم خضر لوالدي طريقة عمل السلطة وأخبره أنها طبق فاتح للشهية، كما أخبره عن فوائدها الصحية كونها تحتوي على الخضروات الغنية بالفيتامينات والأملاح المعدنية.

سلطة وطعمية

يتابع محمد حديثه، كان أول انتشار للسلطة من خلال بائعي الطعمية، وأذكر أن أول من أدخل السلطة إلى سندوتش الطعمية كان (بعيو) وذاع صيته بشكل كبير بأنه يقدم أشهى سندوتش طعمية في مركز دشنا، وكان يتوافد عليه المئات يوميا من القرى ليتناولوا الوجبة الجديدة والتي أصبح اسمها (سلطة وطعمية)، ومع الوقت أصبحت السلطة المكون الأساسي لسندوتش الطعمية، والذي كان لا يزيد ثمنه وقتها عن القرش صاغ.

إكرام الضيف

يلفت صلاح غزالي، 82 سنة، عامل بالمعاش، إلى أنه قبل أن يعرف الأهالي طبق السلطة كان هناك نوع من المقبلات عبارة عن الطماطم المتبلة بالخضرة والثوم وشرائح الخيار وحزم الجرجير والخس والبصل الأخضر، وكلها كانت تقدم مع الأطعمة الشعبية مثل العدس والبصارة، ملمحا إلى أن دشنا كانت تشتهر في تلك الفترة بزراعة تلك الخضروات، ويلمح غزالي إلى أن شيوع طبق السلطة في المنازل ارتبط بالولائم والعزومات كنوع من إكرام الضيف الغريب، كما كان الحال عندما كان يكرم الضيف المهم بأن يقدم له زجاجة كوكاكولا ولا يقدم له الشاي أو الليمونادة مثل الضيف العادي.

سلّي صيامك

يشير إبراهيم جابر، 72 سنة، بالمعاش، إلى أنه بعد أن شاع تقديم السلطة في الولائم المهمة، وتزامن ذلك مع معرفة الأهالي لفوائدها وطعمها المشهي والفاتح للشهية، قرر الأهالي أن تكون الطبق اليومي الذي لا يتغير في إفطار رمضان، ويضحك جابر حين يتذكر أن والده الراحل كان يصر على أن يصنع هو طبق السلطة قبل آذان المغرب بنصف ساعة، وعندما كانت والدته تسأله عن ذلك كان يرد بأنه يسلي صيامه.

ومع الوقت أصبحت عادة لدى أغلب البيوت الدشناوية أن يسند تحضير السلطة لرب الأسرة، لافتا إلى أنه إلى يومنا هذا قد لا تجد طبق السلطة في الأيام العادية لكن في شهر رمضان يتواجد بشكل يومي على السفرة، كما أنه إلى يومنا هذا ما زال أغلب الرجال يتخذ من تحضير السلطة في شهر رمضان طريقة ليسلي بها صيامه.

الصلاطة

يورد معجم المعاني الجامع أن كلمة (سلطة)، هي الكلمة المعربة للكلمة الإنجليزية (salad) وتعني: طعام يصنع من الخضر المقطعة أو الطحينة مضافا إليه الليمون والملح والبهارات.

ويلفت الدكتور وائل سليمان، أستاذ التاريخ اليوناني، إلى أن أصل الكلمة لاتيني ويعني (المملحة) نسبة إلى مصدر الكلمة الأصلي (Sault)، والتي تعني الملح، مشيرا إلى أن طبق السلطة في الأساس اختراع يوناني وعرف في مصر في العصر العثماني، ولكنه كان قاصرا على السلطان والأمراء وكان يسمى (الصلاطه)، ملمحا إلى أن أهالي الإسكندرية ما زالوا يستخدمون نفس الاسم حتى وقتنا هذا.

ويوضح محمد رشيدي، طباخ فندقي، أن أطباق السلطات تنقسم إلى أطباق شرقية وأطباق غربية، ملمحا إلى أن فكرة السلطة تقوم على خلط عدة مكونات معا مع إضافة الليمون والملح والبهارات لإكسابها مذاقا حريفا.

ويتابع رشيدي: يعد طبق السلطة الخضراء العربي من أشهر السلطات ويتشابه مع السلطة اليوناني والتي تزيد عليه في إضافة الجينة البيضاء وقطع الزيتون، وحاليا يوجد مئات الأنواع من السلطات المختلفة.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر