صور| مجموعة السلطان قلاوون.. “ياقوتة” القاهرة الإسلامية في شارع المعز

تصوير: سمر شومان

“أنشأ هذه القبة الشريفة المعظمة مولانا وسيدنا السلطان الأعظم الملك المنصور سيف الدنيا والدين قلاوون الصالحي قسيم أمير المؤمنين أدام الله أيامه وحرس إنعامه ونشر في الخافقين ألويته وأعلامه وكان ابتداء عمارته في شوال سنة ثلاث وثمانين وستمائة للهجرة المحمدية النبوية” كان هذا نقش كتابي حفر علي مدخل القبة والتي تعتبر من ضمن مجموعة السلطان قلاوون ، التي عرفت بأنها ياقوتة القاهرة الإسلامية ولؤلوة شارع المعز، فضلًا عن تصنيفها كثاني أجمل مدفن فى العالم الإسلامي.

مجموعة السطان قلاوون ، هي مجموعة معمارية تحتل مكانة بارزة بين الآثار الإسلامية في القاهرة، حيث قام السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الألفي الصالحي، وهو أحد المماليك البحرية، ببناء مدرسة ومأذنة وبيمارستان، بعد أن هدم القلعة التي تربي فيها بالروضة، وهى خاصة بالملك الصالح نجم الدين أيوب، في سنة واحدة من عام 1283م إلى عام 1284م، فخرجت بهذا الجمال من الدقة والإتقان.

مجموعة السلطان قلاوون

تتقدم مجموعة قلاوون واجهة كبيرة ممتدة يتوسطها الباب الرئيسي، جانباه بالرخام الملون ومصاريعه مصفحة بالنحاس المخرم المكفت بالذهب والفضة من زخارف نباتية وحيوانية وهندسية، وعلى جانبي هذا الباب تقع مجموعتان من المباني الجنوبية تشغلها المدرسة والشمالية القبة وفي الوسط اليبمارستان.

لقب الصالح نجم الدين أيوب، بالصالحي النجمي، أما لقب الألفي فبعض المؤرخين يذكرون أنه تم شرائه بألف درهم، لذا لقب بهذا الاسم.

تدرج في التجنيد حتى أصبح قائدا لجيش المماليك أيام السلطان الظاهر بيبرس البندقدارى، وليأمن مكر أولاد السلطان بيبرس قام قلاوون بتزويج إحدى بناته لأحد أولاد السلطان بيبرس.

لكن بعد وفاة بيبرس تولى من بعده أولاده وكانوا سيئين السيرة ويشربون الخمر ولا يراعون شئون البلاد والعباد في ظل وجود تهديد بهجوم الصليبيين والمغول.

تولي السلطان قلاوون الحكم

في عام 1279 اجتمع قادة الجيش المملوكى ليتولى قلاوون الحكم سلطانا على مصر والشام، وعندما تولى الأخير الحكم قام ببناء مجموعته المعمارية التى تضم (مدرسة وقبة وبيمارستان) في الشارع الأعظم المسمى بشارع المعز حتى انتقل إلى رحمة الله تعالي في عام 1290.

ودفن في مقبرته التي شيدها في شارع بين القصرين “المعز لدين الله حاليًا”.

 

مدرسة السلطان قلاوون

“أمر بإنشاء هذه المدرسة المباركة السعيدة مولانا وسيدنا السلطان الأعظم الملك المنصور سيف الدنيا والدين قلاوون الصالحي قسيم أمير المؤمنين أدام الله أيامه وحرس إنعامه ونشر في الخافقين ألويته وأعلامه”

وجد هذا النقش علي محراب المدرسة وأعتاب نوافذ المدرسة، حيث دون التاريخ إنشاء المدرسة والانتهاء منها بهذا النص.

وقد أقيمت المدرسة على رقعة من أرض القصر الفاطمي الصغير الغربي وقد غلب اسم البيمارستان على هذه المجموعة البنائية لأنه السبب في إنشائها وكان البدء في الإنشاء عام 1283م، والانتهاء منها 1384م

وتتكون المدرسة من صحن مكشوف مستطيل الشكل تتوسطه “فسقية” تتعامد عليه، والإيوانات من جهاته الأربع.

وقد عنيت إدارة حفظ الآثار العربية بإصلاح الإيوان الشرقي منها، الذي يتقدمه عقد كبير ويتوسطه عمودان يقسمانه إلى ثلاثة أعمدة يقسمان الإيوان إلى ثلاثة أروقة عمودية على حائط القبلة، الأوسط منها أوسعها.

المدرسة الجامع

هذا الإيوان هو الفريد من نوعه ومن ثم نجد أنه يطلق على هذه المدرسة “المدرسة الجامع”، حيث تجمع بين طراز الجوامع والمدرسة.

ويكتنف الإيوان محراب طاقيته وتواشيحه من الفسيفساء المذهبة بجواره منبر بسيط عمله الأمير “أزبك من ططخ عام 1494م” أثناء عمارته للمدرسة.

وكان قد أقام قبة أعلى الفسقية التي كانت بالصحن، وقد ألحق الناصر محمد بن قلاوون بواجهة المدرسة سبيلًا وكتابًا عام 1326م، ويعلو السبيل قبة صغيرة كسيت رقبتها ببلاطات من القاشاني عليها كتابات قرآنية غاية في الإبداع.

تمتاز المدرسة بالمدخل القوطي المبني من الرخام والذي نقل من كنيسة سان جان بعكا.. وكان أحضره إلى مصر الأمير علم الدين سنجر الشجاعي.. لكن لم يتبق من المدرسة سوي الإيوان الغربي وبه شباك تغشية المفرغات الجصية.

البيمارستان

يصف المقريزي البيمارستان الذي قام بإنشائه الأمير علم الدين الشجاعي.. يقول إنه أبقي قاعة ست الملك علي حالها وعملها بيمارستانا.. وهي ذات أربعة إيوانات بكل إيوان شاذروان (سلسبيل).. ويدور قاعتها فسقية يصير الماء إليها من الشاذروان.

ويضيف: يؤدي الباب الرئيسي الواقع بالجهة الشرقية من هذه المنشأة المعمارية إلى ممر طويل.. وله شقف خشبي جميل يوجد به بابان إلى اليمين يؤديان إلى القبة.

ويتابع: يقابلها بابان يؤديان إلى المدرسة، وبنهاية الممر من الناحية الغربية باب معقود.. وعلى عقدة نقوش كان يؤدي إلى البيمارستان الذي أنشاه المنصور قلاوون وأوقفه على المرض.

البيمارستان كان محله دارًا للأميرة مؤنسة القبطية الأيوبية.. وكان من قبل دارًا للأميرة ست الملكة ابنة العزيز بالله الفاطمي ثاني الخلفاء الفاطميين.. أما القبة فقد شيدت هي والمدرسة على رقعة من أرض القصر الفاطمي الصغير الغربي.

لم يتبق من البيمارستان سوى قسم من الإيوان الشرقي به فسقية رخامية تنساب إليها الماء على سبيل صغير.. كما توجد نوافذ تحيطها أفاريز بها كتابات كوفية.. أيضا توجد بقايا من الإيوان الغربي وبه سلسبيل حليت حافته برسوم حيوانية تنحدر عليها الماء إلى فسقية فمجراه من الرخام.. في النهاية تتلاقى مع المجراه المقابلة لها.

يوضح محمد خليل، مدير إدارة الوعي الأثري بالجمالية، أن “البيمارستان” هي كلمه فارسية.. وهي مكونة من مقطعين “بيمار” تعني المريض و”ستان” وتعني المكان.. ومكان المريض هو المستشفى.

وأضاف أنه منشأة خدمية علاجيه لعلاج جميع الأمراض على نفقة السلطان لجميع طوائف الشعب دون تمييز ودون مقابل.. كما أن بالبيمارستان مكان لتصنيع العلاج وآخر كمدرسه للطب.. وتوجد أماكن مخصصة للمرضي الرجال وأخرى للسيدات.. ولكل مريض انيته وملابس خاصة به وسرير حتى لا تنتقل الأمراض بين المرضى.

كما أشار إلى أن المستشفى ظل يقدم خدماته إلى أن قلت الأموال الموقوفة عليه فعالج الأمراض النفسية فقط.

القبة

أما عن القبة فيؤدي إليها بابان أحدهما أغلقه عبدالرحمن كتخذا.. كذلك كان يؤدي إليها مباشرة، وفق خليل.

وتابع بأن الباب الثاني وهو من الدهليز أيضًا يوصل إلى مساحة مربعة تتقدم القبة.. يتوسطها صحن مكشوف يحيط به أربعة أروقة.. ويدخل إلى القبة من الضلع الشرقي، وهي تعلو التربة التي دفن فيها المنصور قلاوون وابنه الناصر محمد.

وواصل: بها أربعة أكتاف مربعة الشكل ويتوسط هذه الأكتاف أربعة أزواج من الأعمدة الجرانيت.. تيجانها مذهبة وتحمل ثمانية عقود تحمل رقبة القبة المنشأة حديثًا.. ويحيط بها السقف الخشبي المذهب أما الجدران فلقد كسيت بالرخام الخردة الدقيق.

مجموعة السلطان قلاوون
مجموعة السلطان قلاوون

 

ويشير خليل إلى أن القبة هي المدفن الذى أعده قلاوون ليكون مدفنا يليق بسلطان مصر والعالم الإسلامي.. فأصبح ثاني أجمل مدفن في العالم الإسلامي بعد تاج محل الهندي.. وروعة الزخارف وجمالها وتصميم القبه جذب لجنة حفظ الآثار العربية للحفاظ وترميم هذه القبة وإعادتها لجمالها إلى ما كانت عليه.. علاوة على إحاطة التركيبة بسياج من الخشب الخرط، كتب عليه أدعية للخديوى عباس حلمي الثاني.

كما يضيف أن آخر ترميم كان للمجموعة ضمن مشروع تطوير القاهرة التاريخية عام 2004م.. وتتم صيانته بمعرفة وزارة الآثار.

وتابع بأن المحراب يتكون من ثلاث حطات زينت بالفسيفياء.. وهذه القبة من أرضيها إلى قبتها لا تري إلا لونًا زاهي براقا وزجاجا بالشبابيك ملونًا بأصباغ متألقة.

المئذنة

تقع على الطرف البحري للواجهة الرئيسية لمجموعة قلاوون، واشتملت على عقود محمولة على أعمدة رخامية.

كما أن بداخلها شبابيك مفرغة بأشكال هندسية بها إفريز مكتوب به اسم المنشئ وألقابه وتاريخ الإنشاء.. وتتنهي في أعلاه بشرفة مسننة حلى وجهها بزخارف.

علاوة على ذلك، تتكون المئذنة من ثلاث طوابق؛ الأسفل والأوسط مربعان والثالث مستدير.. ينتهى بخوذة أنشاءها الناصر محمد بن قلاوون عام 1303م.

————————————————-

المصادر:

محمود أحمد: دليل موجز لأشهر الآثار العربية القاهرة 1938

المقريزي: المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر