«تحت القبة شيخ».. في جولة بـ«البريمستان»

بين جدران جامعي الرفاعي والسلطان حسن شاهقة الارتفاع، وسط ساحة كبيرة، انطلقت فعاليات جولة إدارة الوعي الأثري بالجمالية، والتي شملت زيارة لمنزل علي أفندي “بيت المعمار”، وتكية البسطامي وبوابة درب اللبان، في حضور عدد كبير من الشباب والأطفال والكبار أيضا، ممن لديهم شغف التعرف على هذه الأماكن.

بيت المعمار

سلالم تنحصر بين جدران عتيقة ودرابزين حجري يقودك إلى لافتة مكتوب عليها “بيت المعمار المصري”، لتمر من بوابة الأمن ومن بعدها بوابة المنزل، لتقف الجولة في صحن مكشوف “وسط البيت”، ينبهر كل منهم بالتفاصيل المعمارية واللوحات الجدارية.
هنا تشرح مفتشة الآثار بالمنزل وتقول: “منزل علي أفندي لبيب ليس ملك له، بل بناه اتنين أتراك اسمهم عمر وإبراهيم المنطيلي، وهو من تجار العصر التركي، بهدف مسكن للأسرة، في القرن  18 ميلاديًا عام 1800، مشيرة إلى أنه رغم أنه بني في العصر التركي إلا أنه مبني على طراز عمارة المماليك التقليدية؛ من حيث السقف خشبي بزخرف والجدار تضم رسوم شعبية”.
وعن سبب تسميته باسم “علي أفندي لبيب” توضح أنه هو حارس المنزل وليس صاحبه، ولكنه كان موجود فيه بصفة مستمرة.
ويشير محمد خليل إلى أنه من المعتاد في العمارة الإسلامية في البيوت خاصة أن يسمى المنزل على اسم آخر شخص كان به أو المسؤول أو ناظر الوقف.
ويكمل: في فترة الحملة الإسلامية ولأن المنزل قريب من مقر القيادة لهم في القلعة، فعلماء الحملة الفرنسية كانوا موجودين في المنزل والرسامين أصحاب كتاب وصف مصر، ولذا سمى البيت ببيت الفن، وبعدها سكنه الفنان حسن فتحي واستقر فيه، موضحًا أن المنزل يضم سطح يطل على معظم المآذن والقلعة في منطقة مصر القديمة.

حكاية العمارة

سلالم عريضة تشعر باتقان صانعها عند الصعود عليها؛ لما لها من ملمس خشن وثقيل على القدم، صعد الفريق، الذي قسم لمجموعات للتعرف على مكونات المنزل، المكون من 3 طوابق كل طابق يضم دور به قاعات تحتوي على أعمال معمارية مختلفة، فكل قاعة تحكي حكاية العمارة من أول بداية التاريخ وحتى العصر الحديث.
هنا تجد قاعة الفنان رمسيس ويصا واصف، أهم المعماريين في العصر الحديث؛ تحتوي على ماكيتات لمشاريع خاصة، مكيت للعمارة القبطية والإسلامية.
تجمع الفريق كاملًا على سطح المنزل، الذي يطل على أجمل لوحة فنية طبيعية، إذ يجمع بين جميع مآذن الجوامع التاريخية التي تضمها مصر القديمة بالإضافة إلى القلعة.
يحدثني طارق إبراهيم، بالمعاش، عن جولات إدارة الوعي الأثري قائًلا: “بروح معاهم ليا سنتين، وأنا عندي فوق 60 سنة تقريبا كل أسبوع لينا زيارة، الهدف منها حملة توعية بالآثار بالمجان”.
بحيوية وسعادة تقول الدكتورة صباح السيد، أستاذ الصحافة بالجامعة الكندية، إن الجولات تعتبر نشاط متعدد منها ثقافي ورياضي واجتماعي،  “ثقافي لأننا لم نكن على دراية بأن هناك أماكن أثرية بهذا الجمال غير مكلفة، ورياضية لأنها جولة تمشية، واجتماعية لأنها تسمح التعارف على الناس والثقافات المختلفة مع بعض، وتصنع انتماء، وتسمح باصطحاب الأطفال، ليعرف بلده ويكون ليه ولاء للبلد”.
أما المهندس عبدالمنعم حجازي، ضابط مهندس بالقوات المسلحة بالمعاش، والذي يصطحب حفيده ابن الـ6 أعوام، يوضح أنه سعيد وفخور بوجود مثل هذه الجولات المنظمة من إدارة الوعي الأثري، لما لها من أهمية في التوعية السياحية، بالإضافة إلى أنها تبث روح الانتماء في نفوس الشباب والأطفال، الذين يغيب عنهم آثار بلادهم، “أنا أسكن هنا منذ حوالي 10 سنوات، وأصلي في جامع السلطان حسن دون أن أعرف التفاصيل التاريخية للجامع أو الأماكن الأثرية الأخرى التي تحيط بالمنطقة”.
ويوصي حجازي وزارة الآثار بالتوسع في مثل هذه الجولات، سواء كانت مجانية أو بتكلفة في حدود المواطن البسيط، مشددًا على حرصه اصطحاب حفيده “لو عرف معلومة النهاردة بكرا هيعرف أكتر لغاية ما يكبر تغرس في ذهنه أن جده صمم يعرفه جمال بلده من صغره”.

درب اللبانة

نخرج من منزل علي أفندي لنجد أمامه بوابة خشبية متوسطة الحجم في وسط حائط حجري، ذات عقد نصف دائري من أعلى، إنها بوابة درب اللبانة.
يشرح إسلام، مفتش الآثار، أن اللبنانة كانت طائفة تبيع الألبان في القاهرة المحروسة، أول شيء في المنطقة البوابة، فالقاهرة المحروسة كانت تضم بوابات يتم الدخول منها إلى داخل المدينة، تفتح وتغلق ليلا في موعد محدد، مشيرا إلى أن غالبية البوابات تقريبا كان يوطرها عقد مدبب، ومجلستين، ويطر بزخارف إشعاعية وفي المنتصف فتحة نافذة للتهوية، والإضاءة والجفت على حرف الميم تكوين البوابة.


تكية تقي الدين البسطامي

بوابة خشبية تفتح على مصرعيها لتعبر من خلالها إلى ساحة كبيرة يحيط بها من أعلى شبابيك خشبية لغرف داخلية، إنها تكية تقي الدين البسطامي.
يوضح مفتش الآثار هناك أنها أنشئت في العصر المملوكي الشركسي، وبنيت في عهد السلطان حسام الدين البسطامي، وعن معنى التكية يقول إن هناك مشترك فرنسي تعني الجد هو جلد الخروف أو الماعز، لأن الطوائف الصوفية التي كانت تسكن العصور الإسلامية المختلفة كانت تستخدم هذا الجلد شعار لهم، ولكن يؤكد إسلام أن التكية جاءت من فعل اتكي أي اطمأن واستراح.
استخدمت التكية سكن الصوفية والفقراء وعابري السبيل، وفي عصر الدولة العثمانية استخدمت كملجأ للنازحين من البلاد من قبل المهاجرين من الدولة العثمانية في الولايات الأثرية مصر والشام للجلوس فيها.
مخطط التكية عبارة عن صحن أوسط مكشوف سماوي، يحيط به الخلاوي المخصصة لسكن الصوفية والزوايا المخصصة لهم، والسمع خانة هي غرفة أو قاعة لإلقاء الدروس الدينية والأحاديث والقرآن الكريم، وغرفة الرقص الدائري الصوفي، وكان هناك مكتبة وحمامات، وكان هناك خصوصية للنساء، كل أسرة لعائلة كانت النساء لهن غرف مخصصة.
الزاوية وهي الساحة التي يقف فيها الفريق ليستمع إلى الشرح، فهي كبيرة المساحة، ولذلك يوضح إسلام أن الزاوية تُصمم صغيرة المساحة في العادة، ولكن الناصر محمد بن قلاوون جدد الزاوية وأصبحت مساحتها كبيرة، لاستيعاب الأعداد الوافدة.
سميت التكية بأكثر من اسم، نظرًا للطوائف العديدة التي مرت عليها، ومنها طائفة العجمي وتنسب إلى العجب، وسميت بالتكية البخارية نسبة إلى ناس جاءت من بخاره.

القلب المنير

من أهم اكتشافات الشركة المتحدة في التكية هي غرفة عبارة عن جدار، بها لوحة مستطيلة الشكل يوطرها محراب في عقد بداخله جامة تحمل قلبًا، لذا سمى المكان بالقلب المنير والمحراب.
البريمستان يعني “بيمار” أي مريض، وكلمة “تان” أي مكان المريض، هكذا بدأ إسلام شرحه لبريمستان، والذي تصل إليه من داخل التكية بعد أن تعبر ممر اكتشف من قبل الشركة المتحدة، كان يصل قديمًا بين سكة الكومي وبوابة درب اللبان.
بني البريمستان على ربوة مرتفعة عليها مدرسة الأشرف شعبان المدرسة الإشرافية، كانت تستخدم الربوة المرتفعة في ضرب القلعة أثناء دخول أعداء مصر، والعكس صحيح، ومع كثرة الضرب على المدرسة انهارت، حتى بنى الشيخ المملوكي فوقها البريمستان المؤيدي، كان هناك مسجد السكري أيضًا بني بجوار واجهة المؤيد شيخ، إحدى أفضل الواجهات في العالم الإسلامي، فقامت لجنة حفظ الآثار العربية بهدم المسجد لإظهار الوجهة.
أنشأ البريمستان المؤيد شيخ المملوكي، عام 821 هجريًا حتى عام 823 أي أخذ عامين، وبعدها توفي المؤيد شيخ في العام الثالث، دخل ناس متطلفين كثير إلى أن جاءت لجنة حفظ الآثار، ووجد أن البريمستان هو ثاني بريمستان على العالم الإسلامي بعد بريمستان قلاوون في شارع المعز.

تحت القبة شيخ

الشيخ المؤيد  كان رجل ورع تقي محب للعلماء، جاء أحد الوزراء وأراد أن يوقع بينه وبين أبنه، فقال: “أبنك بقي يتقرب للناس وشعبيته كبيرة، وقاله نخلص منه ووافق، فوضع السم في الطعام وظل ينازع فترة إلى أن توفي”، وبعدها حزن ولده لما فعل بأبنه فقتل الوزير في ذلك اليوم وأصيب بالشلل، وبعد 6 أشهر توفي المؤيد شيخ فدفن تحت القبة، ومن هنا عرف المثل الدارج “تحت القبة شيخ”.
كان يهدف البريمستان للعلاج مجانًا، إذ تسكن في المسجد وتشفى، حتى خروجك آخر يوم تأخذ معك طعام ومال، إضافة إلى تدريس الطب وتصنيع الأدوية وعلاج الناس مجانًا، وكان مخصص للمسلمين، فخصصت داخله زاوية للصلاة تحتها خزان مياه، لتخزين مياه تخدم المكان والصلاة.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر