قبل 40 عاما.. حين تنبأ رواد الكتابة باستبدال اللغة العربية الفصحى بالعامية

«خرمان – مونون – سكالانس – أزق – عتاولة – خف تعوم – بصاصة»، هذه الكلمات وغيرها الكثير من الكلمات العامية التي أصبحت دارجة ومستخدمة في القاموس اليومي للمصريين، حتى أصبحت العامية هي اللغة المستخدمة أيضا في بعض المواقع الصحفية الإلكترونية التي اعتمدت على نشر الأخبار بالعامية، وكذلك تخصص الشعراء والكتاب ونشر مؤلفاتهم باللغة العامية.

لهجة بليغة

كانت اللهجة المستحدثة محل جدل قديما، ولكن الأدباء وأشهرالكتاب الصحفيين تنبؤا في السابق أنها ستصبح لغة العصر، وكان لدى الصحفي والكاتب مصطفى أمين مؤسس جريدة أخبار اليوم، حصيلة لغوية قوية من اللغة العربية والعامية المصرية وعامية بعض البلاد، وكان رأيه أنه ضد استخدام الكلمات الهابطة لكنه مؤيد لاستخدام أية كلمات جديددة للغة إذا كانت تدل على اختراعات وكان إتباع اللغة البسيطة منهجا له في جريدة أخبار اليوم، فبدلا من كتابة الليث يتم كتابة الأسد وهكذا، كان حذرا في استخدام الكلمات العامية المصرية في البلاد العربية.

وروى موقفا في حوار قديم له، عن كلمة من العامية المصرية كادت تطيح بنجم سينمائي مصري، بعدما كتب عنه التابعي مقالا وصفه فيه بـ”العكروت”، وخلال وجود أمين في لبنان تطرق الحديث عن هذا النجم ورفضا احترامه أو الحديث عنه، وعندما استفسر أمين عن السبب قالوا : “كيف نحترمه وهو عكروت !”، فسألهم ما معنى عكروت عندكم فاتضح أنها بمعنى “قوادا”.

كان قد كتب مقالا لم يفهمه إلا ثلاثة أفراد، تسائل: “هل هذه هي البلاغة؟”، موضحا رأيه في البلاغة هي إبلاغ أكبر عدد من الناس بالمضمون ويستطيعون فهمه حينها يوصف الشخص بأنه بليغ، بل وهناك كلمات فصحى عند استخدامها حاليا تعد إساءة أي أنها لا توافق العصر، وكان رأيه هو ضرورة لاحتفاظ بالعامية لأنها لغة بليغة مع عدم إدخال كلمات هابطة لعدم التقليل من شأنها.

مصطفى أمين
مصطفى أمين
العامية تكسب

كان رأي الأديب الراحل نجيب محفوظ مختلفا، فقد انصهر مع البيئات الشعبية في حياته، وقال نجيب محفوظ في حوار قديم له نشر في مجلة «آخر ساعة» في مايو عام 1981: “الواضح أولا أن هذه الكلمات تأتي من الشعب نفسه وواضح ثانيا أن الهدف منها التعبير وغالبا التعبير الساخر عن موقف ما، وواضح ثالثا أن التعبير ينبثق تلقائيا بغير تخطيط ولا تفكير علمي الذي يصاحب عادة اشتقاق كلمة جديدة في الفصحى، فإذا انتشرت بعد ذلك بين الناس فهذا دليل على أن التعبير قد أدى وظيفته وأنه نجح في إصابة الهدف”.

وتابع: “اللغة العامية تتطور بذلك مسايرة الظروف والأحوال وكنا نتمنى أن تغتني الفصحى بنفس السرعة في مواجهة الحياة اليومية والحياة الفكرية على السواء، أما بعض التعابير التي تعد منفرة لبعض الأذواق أو أنها خشنة فقد يتطلبها الموقف ذاته وقد تكون من ناحية أخرى مناسبة لطبيعة مبدعيها”.

وكان رأي صاحب ملحمة الحرافيش أن اللغة العامية ظهور هذه التعبيرات والكلمات تدل على السير على نهج سليم في الابتكار، ومعتبرا أن هذا التطور هو الخط الذي يجب أن تسير عليه أي لغة حتى تساير العصر وتحافظ على حيويتها الدائمة، حتى أنه اعتبر عدم اعتماد الكتاب في القرن الماضي على استخدام التعبيرات الجديدة في كتاباتهم، نقص لا يمكن الاعتذار عنه.

واستكمل: “هناك شئ آخر.. أننا يجب أن نضع في الاعتبار أن الإبداع الفني الحديث في الأعمال الكبيرة مثل المسرحيات أو الروايات يتجه إلى خلق الكل فتقل العناية في الجزئيات التي كانت تنعكس عادة في التعبير وقد يستنفد مجهود الخلق مجهود الكاتب في خلق التعبيرات الجديدة، والحضارة تنتج أشياء واللغة العربية في هذا المجال فقيرة حتى أننا حين نكتب ونريد إطلاق أسماء عربية على مخترعات العصر لا نجد إلى اللفظ الأجنبي ما دام المجمع اللغوي لا يلاحق آلاف الكلمات التي تنشأ كل يوم”.

وبحسب ما قال، إذا لم يوجد في الفصحى ما يقوم مقام تعبير أقنعني بكماله وكان هذا التعبير من العامية فإني أعتبر كلماته من الفصحى وتدخل اللغة واللغة في الأصل نشأتها ابتكار، إذا تجمدت عن الحياة ماتت، فهي إذ لم تعط الكلمات للمعلومات وإذ لم يجد الكاتب منها ألفاظا تسعفه فإن ما يستعمله من بدائل عامية في رأيي تصلح لأن تكون عربية فصحى فهي إضافة لها، معتبرا أن اللغة العربية بحاجة إلى إدخال العامية لأنها في حاجة إلى مزيد من العصرية، وإلا ما كانت العامية تتطور بهذا الشكل والسرعة فالناس لا تنتظر.

ابتكار بدون ابتذال

وكان رأي الكاتب الصحفي موسى صبري كاتب خُطب السادات، أنه من حق الأجيال القادمة الإضافة والابتكار في العامية بما يتناسب مع ظروف جيلهم، وبدأت هذه التعبيرات في الظهور أن الشعب المصري مرح يحب استخدام المصطلحات والكلمات الغريبة في قاموسه مثل “العملية في النملية” قديما، وهذه الكلمات تعبيرا عن السخرية.

وذكر موقف للرئيس الامريكي جون كييدي حيث نطق بكلمات منافية للآداب في مؤتمر صحفي، مدافعا عنها بأنها كلمات دارجة في المجتمع الأمريكي، والغريب أنه استخدمها اكثر من مرة في حوار سياسي وفي جلسات استماع مجلس الشيوخ، بل وروى موقف آخر للكاتب الإنجليزي ويليام شكسبير الذي ابتكر كلمات ومصطلحات في لغته وكان هذا قبل قرون من الزمن.

موسى صبري
موسى صبري
اقرأ أيضا

كيف انتصرت لغة الضاد على «الفرانكو»؟

مبادرات إلكترونية لإحياء اللغة العربية

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر