صور| “درب الجامع المعلق”.. ملامح صامدة من العصر العثماني
تصوير: منال محمود
بمجرد صعودك درجات السلم المؤدية إلى درب “الجامع المعلق” تشعر وكأنك انتقلت عبر “آلة الزمن” إلى عصر آخر وتحديدًا العصر المملوكي أو العثماني، فكل شيء يشعرك بذلك، درجات الدرج، ومسجد الأمير سليم “المسجد المعلق”، وبعض المنازل القديمة التي هجرها أصحابها ولا يزال البعض يسكنها، والتي اكتست بملامح وعبق الماضي وهي تحاول في صمت أن تخبرنا مدى عراقة هذا الشارع وكيف كان في السابق.
درب الجامع المعلق يعود تاريخه للعصر العثماني
يقول الدكتور عاطف عبدالدايم عبدالحي، الأستاذ بكلية الآثار جامعة الفيوم وصاحب دراسة “العمران والعمارة بمدينة الفيوم من القرن التاسع عشر إلى الربع الأول من القرن العشرين الميلادي.. دراسة جديدة في ضوء وثائق الوقف”، إن أقدم المعلومات التي توفرت حول درب الجامع المعلق يرجع تاريخها إلى عام 1251هـ/ 1835م، فهو من الدروب القديمة بالفيوم ويعود تاريخه للعصر العثماني وسمي بدرب الجامع المعلق نسبة إلى جامع الأمير سليم “الجامع المعلق”، وبحسب ما تم التحصل عليه من مصادر وثائقية كان يوجد به كوم يسمى “كوم النزها” أو النزهة وكان مأهولا بالسكان.
وبالفعل تتناسب هذه التسمية مع طبيعة درب الجامع المعلق، فهو يوجد بالفعل على منطقة مرتفعة تشعر بها وأنت في طريقك إلى المسجد حيث يجب أن تصعد درجات من السلم من ناحية بحر يوسف أو تصل إلى الدرب من خلال السير صعودا، وكما ذكر بعض أهالي المنطقة أنه كان يطلق عليه “تحت الكوم” قديما.
لن أهدم منزلي حتى الممات
يخرج عم أحمد من باب منزله القديم، وينظر إلي ويسألني “بتصوري إيه”، وعندما علم أنني أوثق لشارع درب الجامع المعلق، قال لي هذا منزلي ورثته عن جدودي، وأشار بيده إلى منزلين كانا خلفه ومنزل في مواجهته، وقال لم يتبق هنا من المنازل القديمة سوى منزلي وبعض المنازل الأخرى في بعض الأماكن متفرقة، ومن لديه أموال يقوم بهدم منزله القديم، لتحل محلها الأبراج والعمارات الشاهقة، ثم ذهب وأغلق باب منزله وأشار إلى أن أصور الباب وبفخر واعتزاز قال: “ما فيش منه” ولم أحاول تغييره بباب حديد، و”طول ما أنا عايش مش ههد بيتي”.
حول الجامع المعلق
يعود تاريخ الجامع المعلق إلى أوائل العصر العثماني، فهو مسجد الأمير سليمان بن حاتم بن جانم بن قصروه كاشف، والذي كان حاكم البهنساوية والفيوم، وتم إنشاء المسجد في رجب عام (966هجرية/ 1560م).
يتشابه تصميم المسجد وتخطيطه وزخارفه مع مساجد المماليك، حيث يحتوى سقف المسجد الخشبي على نقوش وكتابات وبالرغم من اختفاء وطمس أغلبها إلى أن الزخارف المتبقية والنقوش تتشابه وكتابات خانقاه الأشرف “برسباي” التي توجد بصحراء الغربية.
وجاء التخطيط الداخلي للمسجد وفقا لتخطيط المدارس المتعامدة، والتي كانت ذات إيوانات أربعة، وقد قام الأمير سليمان ببناء المسجد على ربوة عالية ومرتفعة تطل على بحر يوسف، لذا سمي بالمسجد المعلق كونه مرتفعًا عن سطح الأرض.
على خريطة عام 1933م
يعاود أستاذ الآثار الحديث قائلا: بحسب ما تشير إليه خريطة مصر عام 1933م، تم تحديد درب الجامع المعلق خلف جامع الأمير سليم “الجامع المعلق”، وقد تم وصفه بأنه كان متسعًا، وبحسب مصادر الوقف أيضًا فأنه كان يمتد من بحر يوسف جنوبًا إلى شارع الرملة شمالًا، ومن شارع النحاسين من الشرق إلى المطافي غربًا، وتشير وثائق الوقف إلى أن البنية السكان الاجتماعية لـ”درب الجامع المعلق” كانوا من أعيان الفيوم، فقد حمل بعضهم ألقاب مثل” أفندي وأغا”، كما سكن الدرب أيضًا طائفة من التجار المغاربة.
ويضيف، كان درب الجامع المعلق يمتاز بالنشاط التجاري، ويدل على ذلك وجود بعض الحوانيت بالطوابق السفلية للعديد من المنازل التي شيدت بالمنطقة، وهو المظهر الذي لم تخلو منه عمارة الجامع المعلق نفسه.
دروب وحارات متفرعة
تشير الحجج الشرعية للوقف في درب الجامع المعلق، إلى أن هناك بعض الحارات والدروب المرتبطة بـ”درب الجامع المعلق”، والتي يرجع تاريخها إلى عام 1835م، لكنها اختفت الآن حيث لا يوجد أي أثر يمكن أن يشير إليها مثل حارة البوسطجي، والتي يمكن أن تكون تسميتها جاءت نسبة لعمل أحد قاطنيها بوسطجيًا، حيث كانت بداية ظهور بشكل أكثر تطورا في تلك الفترة بالفيوم، أما في وثائق القرن التاسع عشر الميلادي، فقد سمي بـ”درب النجارين”، بسبب أن عددا من النجارين كان يعمل في ورش النجارة التي يزال البعض منها باقيا إلى الآن كشاهد على تلك الفترة.
ورش النجارين وحوانيت الأحذية والمراكيب
يقول ناصر عايش محمد، صاحب ورشة نجارة تقع أسفل بوابة المسجد المعلق من ناحية بحر يوسف، إنه كان بدرب الجامع المعلق العديد من ورش النجارة وكانت أهم ما يميزه، وورث الورشة التي يعمل بها عن والده، لكن معظم هذه الورش تم تغيير نشاطها وما تزال بضع ورش فقط تعمل حتى الآن.
ويضيف، كانت الحوانيت الصغيرة أسفل المسجد المعلق هي الأخرى تعمل في صناعة الأحذية “المركوب والبلغة”، وقد كانت تعمل لفترة ليست بعيدة، وكانت المنازل بالمنطقة أغلبها منازل خشبية، إلا أنه تم هدمها لبناء العمارات الحديثة، وما زال بعضها كما هو بسبب المستوى المادي لقاطنيها.