ورق “البردي” سر الصنعة ورمز الحياة المصرية

كان لاختراع صناعة ورق البردي في مصر القديمة الفضل الأكبر في ازدهار فن الكتابة والتدوين، بحسب ما ذكر الدكتور سليم حسن في كتابه “الأدب المصري القديم”.

ولفت سليم، إلى أن الحضارة المصرية لم تتوقف عند الكتابة على الألواح الحجرية والطينية مثل الحضارات الأخرى التي عاصرتها، بل انتقلت إلى مرحلة الكتابة على ورق البردي، والتي خلفت نتاجا أدبيا تمثل في برديات القصص المصري والرسائل الأدبية من التعايم والنصائح، ونتاجا علميا تمثل في البرديات الطبية الشهيرة، مشيرا إلى أن المصري القديم استطاع توثيق تاريخه وحضارته باستخدام أوراق البردي.

البردي يشبه الشمس المشرقة -ويكيبيديا
البردي يشبه الشمس المشرقة -ويكيبيديا
صالة الاعمدة بمعبد الكرنك - ويكيبيديا
صالة الأعمدة بمعبد الكرنك – ويكيبيديا

رمزية البردي

يقول أحمد فاروق، مرشد سياحي، إن المصري القديم لاحظ أن نبات البردي ينمو في مستنقعات الدلتا، كما لاحظ تشابها بين شكل النبات والشمس المشرقة بالإضافة إلى أن ساق البردي يشبه الهرم، موضحا أن المصري القديم اعتبر أن البردي هو رمز للإله رع اله الشمس ويمثل بزوغ الحياة من وحل المستنقعات، واعتبر رمزا لمصر السفلى، ملمحا إلى أن تلك الفلسفة انعكست على فن العمارة المصري فنجد أن طراز الأعمدة استوحى من شكل زهرة البردي المفتوحة والتي ترمز إلى شروق الشمس أو المقفلة والتي ترمز إلى الغروب، كما الحال في صالة الأعمدة الكبرى في معبد الكرنك والذي جمع الطرازين معا المفتوح والمقفول في رمزية لتعاقب الشروق والغروب.

بردية اني - ويكيبيديا
بردية اني – ويكيبيديا


با – بر-عا

وفي الكتاب البحثي الذي نشرته جامعه القاهرة عام 2001 تحت عنوان (البردي والمخطوطات العريبة في مصر وإفريقيا)، أشارت الدكتورة وفيقة صبحي، أستاذ الآثار، إلى أن المصري القديم عرف صناعة ورق البردي منذ الألف الثالثة قبل الميلاد، لافته إلى أن البردي أشير إليه من قبل المصريين بـ”محو”، والتي جاءت منها كلمة “تا-محو” وتعني أرض البردي أو الدلتا.

أما عن أصل كلمة بردي فتوضح الباحثة أنه جاءت من التعبير المصري القديم “با- بر-عا” والتي تعني روح الفرعون في دلالة على أن ورق البردي كان من الاحتكارات الملكية الخالصة، وكان استخدامه قاصرا في العصور الأولى على الدواوين الملكية والكتابات الكهنوتية ولاحقا استخدم بشكل شعبي في المدونات الشخصية، وتتابع الباحثة، وحرفت الكلمة لتصبح في اليونانية “بابي روس”، وهى الاسم الأكثر شيوعا بين الدارسين والمهتمين بالبردي حاليا.

استخدامات

يلفت محمد سعيد، مرشد سياحي آخر، إلى أن المصري القديم استخدم البردي في استخدامات متعددة منها صناعة زوارق الصيد الصغيرة من الغشاء الخارجي لساق النبات لتميزه بالقوة والمتانة التي تمنع تسرب المياه وفي صناعة السلال والنعال، كما استخدم لب الساق كعلف حيواني لاحتوائه على المواد السكرية.

ويوضح سعيد، أن الطبيب المصري القديم استخدم رحيق نبات البردي في بعض الوصفات الطبية المعالجة الجروح لاحتوائه على مواد قابضة للأوعية الدموية ومضادة للتقرحات وفي حالات التهابات الأسنان واللثة، كما دلت نقوش معبد مدينة هابو على أن العصيان المستخدمة في التحطيب كانت تصنع من لفافات البردي المضغوط حتى لا تسبب الأذى للمتبارزين.

نبات البردي وبرديتي ادوين سميث وايبرس الطبيتين - ويكيبيديا
نبات البردي وبرديتي ادوين سميث وايبرس الطبيتين – ويكيبيديا

أسرار الصناعة

تورد الدكتورة وفيقة صبحي، أن المصري القديم لم يفصح عن أسرار صناعة أوراق البردي والتي كانت قاصرة على الدواوين الملكية، مشيرة إلى ندرة مناظر صناعة البردي في المعابد والمقابر المصرية باستثناء ذلك المنظر الوحيد الغير مكتمل بمقبرة (بو-ايم –رع) بالبر الغربي بالأقصر والتي تعود إلى عصر الأسرة الثامنة عشر (1550-1299ق.م)، ويظهر فيها ثلاثة أشخاص في مستنقعات الدلتا واقفون في زورق من البردي، يقوم أحدهم بحصد نبات البردي ويقوم الثاني بحزم ما تم حصاده ويقوم الثالث بنقله إلى شخص يجلس على مقعد منخفض وهو يقوم بتقشير الساق، مشيرة إلى أن المنظر ينقطع عند تلك المرحلة،وهو ما أوقع الدارسين في حيرة حول طريقة تصنيع البردي، فخرجت العديد من النظريات حول هذا الأمر كان أشهرها نظرية العالم بلليني، الذي قامت نظريته على تقطيع الساق إلى شرائح ووضعها بشكل أفقي وعامودي ويتم تبليلها بماء النيل ثم تترك حتى تجف وبعدها يتم ضغطها بواسطة حجرين ثقلين فيتم الالتصاق من خلال المادة الصمغية الموجودة في شرائح البردي.

وفي عام 1927 حاول جيمس بروس استخدام نظرية بليني في تصنيع الورق، ولكنه فشل في التطبيق بسبب تدهور وجفاف البردي الذي جلبه من إثيوبيا والسودان، وتتابع الباحثة أن المحاولات استمرت حتى 1980  إلى أن نجح المهندس المصري الدكتور حسن رجب في تسجيل براءة اختراع تصنيع ورق البردي باستخدام تقنية الشرائح.

هوامش

  • كتاب الأدب المصري القديم (ب دي إف) – سليم حسن – الهيئة العامة للكتاب 2000- ص 27 و28.
  • كتاب البردي والمخطوطات العربية في مصر وأفريقيا (بي دي إف) – مادة علمية نخبة من أساتذة جامعة القاهرة – تحرير د.سيد فليفل – جامعة القاهرة 2005 – من ص 1 إلى ص 20.
  • جميع الصور الواردة بالموضوع من موقع ويكيبيديا برخصة المشاع الإبداعي.
مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر