يونس شلبي.. ذكرى رحيل آخر العنقود

كتب – شريف حسن
كان تجربة كوميدية جديدة وسط نجوم جيله عادل إمام وسمير غانم وسعيد صالح، لعب في مساحة وحيدًا منفردًا بـ”إفيهاته”، ولزماته التلقائية، ما جعله يدخل البهجة إلى قلوب المشاهدين بكل بساطة، الفنان الراحل يونس شلبي.
بدأ يونس مشواره الفني في “مدرسة المشاغبين” 1973، ثم “العيال كبرت” 1979، دور “منصور” في مدرسة المشاغبين، أوضح إننا أمام نجم كوميدي من طراز كبير، هذا الدور الذي لم يكتب له سيناريو واضح، مساحة من الارتجال تخيف أي فنان، مهما كان موهبته وخبرته، فما بالك بنجم في بداية مشواره، وأمام نجمان لا يرحمان أحد، عادل إمام وسعيد صالح، يتعاملان مع المسرحية إنها نكون أو لا نكون، لذلك كل الإفيهات كانت من نصيبهم، كل المشاهد هم الأبطال فيها.
لكن كان ليونس شلبي رأي آخر، فأخذ مكان رغما عن الجميع، وقدم فيه كوميديا أجبرت عادل إمام وسعيد صالح، على السكوت أمام هذه الكوميديا الفياضة وغير المتوقعة بالمرة، المشكلة كانت عدم وجود سيناريو واضح ليونس شلبي، فكل أفيهات سعيد صالح وعادل إمام تتكسر أمام عفوية يونس، واستمر يونس في استخدام هذه المساحة بكل قوة وتلقائية.
كانت كوميديا يونس قائمة على التقمص، وهو الجديد في عالم الكوميديا، دائما النظر للكوميديا إنها مكانة أقل من الدراما والتراجيديا، دائما الكوميديان يمثل شخصيته الحقيقية، فكانت فكرة التقمص في الأدوار الكوميدية، وكان لهذه المدرسة أساتذة على رأسهم علي الكسار، ومن التلاميذ الذين أصبحوا أساتذة فيما بعد، إسماعيل يس وعبدالفتاح القصري، ربما كان القصري أكثر، لأنه استخدم كل ما يمكنه من أجل فكرة التقمص، وجعلها مدرسته وأضاف عليها الكثير، فالكل يتعامل مع القصري إنه شخص غير متعلم كما كان يمثل، لكن القصري كان خريج مدرسة فرنسية، ويتحدث الفرنسية بكل طلاقة وإجادة.
هذا ما فعله يونس شلبي، تقمص شخصية منصور، وكانت أفيهاته كلها نابعة من الشخصية وليس من يونس نفسه، هذه الطريقة جعلته يتفوق على عادل إمام وسعيد صالح، حتى لو لم يظهر ذلك فعليا، لكن كان دائما منصور الأقرب للقلب عند جمهور المسرحية، لدرجة أن الإعلام والصحف والأسطورة الشعبية، كانت تتعامل مع يونس شلبي إنه شخص لا يجمع الكلام في الحقيقة، كان علاء ولي الدين من أحد تلاميذ هذه المدرسة، ويتضح ذلك في فيلم “الناظر” 2000.
بعد مدرسة المشاغبين، قدم يونس أدوار مهمة، بعيدة عن الكوميديا إلى حد ما، تأكيدا إنه ممثل أكثر منه كوميديان، فشارك في الظلال في الجانب الآخر، والكرنك وحتى آخر العمر، وشفيقة ومتولي، وعشاق تحت العشرين وإحنا بتوع الأتوبيس.
 

كانت هذه الأدوار مهمة في تأكيد موهبة يونس شلبي، وتأكيد أنه فنان من طراز نادر، لا توجد به السينما كثيرا، فكان دور “عاطف” في العيال كبرت، مع نهاية السبعينيات، كان يونس شلبي أكثر شهرة ونضجا، وأصبح مهم في الكوميديا، وبدأ تفرد له مساحة كبيرة في المسرحية، وبالنص واضح ومتماسك، وبدأ عاطف في الانطلاق، وتشعر أنك أمام مباراة بينه وبين سعيد صالح، في أغلب الوقت ينتصر يونس بعفويته البسيطة وتقمصه للشخصية.
أضاف يونس للشخصية الكثير، منها منطقة الغناء، عندما قدم طلعت يا محلا نورها” وبدأ في الغناء منفردا في شكل موال، لا يخلو من الإفيه أيضا، لكن الملفت أكثر أن يونس يتمتع بصوت جميل جدا، قد استغل ذلك وقدم عدة أغاني في أعمال تلفزيونية وإذاعية.

فقدم ألبوم غنائي للأطفال، مع كمال الطائر وحسن أبو السعود ومحمد هلال، كما غنى تتر مسلسل أطفال كان قدمه في الخليج، كان اسمه “هلا”، وكانت أغنية جميلة وبسيطة جدا، وكما كان يونس بارع في تقمص أدوار الأطفال كما في العيال كبرت، فكان أقرب لقلوب الأطفال، فقدم شخصية بوجي، بصحبة صفاء أبو السعود طمطم، لعدة سنوات متتالية.
 

واضح أن يونس يحب الغناء، كما يحب التمثيل، ويحمل في الذاكرة جزء كبير من التراث، فنسمع في جلسة في برنامج “عندما يأتي المساء”، في جلسة فيها العديد من المطربين والفنانين، ويغني آدم والتفاحة، بشكل عفوي وشعبي جميل، غناء يوضح أنه مؤدي جيد جدا، ولديه قدرة على الغناء بشكل صحيح.
 

نحن أضعف مكان في الأرض، يوجد فيه صناع نجوم، أن تصنع نجما، خارج الإطارات القديمة والتقليدية، أن تخرج عن المألوف، كان يونس شلبي ضحية لهذه المنظومة، فلم تصنع له أفلام تؤكد موهبته الفنية، كما لم يصنع لعبد الفتاح القصري أفلام، كانت أغلب أفلام يونس تنتمي لنوع أفلام المقاولات، والتي للأسف لم يعيش منها إلا القليل، وتاهت هذه الأفلام وتاه معها يونس، لكن استمر يونس في البحث عن طريق بعيدا عن احتكار الكوميديا في السينما على نمط معين، فكان التلفزيون مساحة مهمة لتقديم ما يتمناه يونس شلبي، فقدم عدة مسلسلات مهمة، مثل عيون وشخصية حريم، ومسلسل سبع صنايع، ومسلسل البحث عن فرصة الأشهر في بداية التسعينات.
كان ليونس نصيب قليل من البطولة، فقدم 4-2-4، وريا وسكينة وسفاح كرموز، ولكنها أفلام كانت تجارية أكثر من أي شيء آخر، كانت الانطلاقة والبداية هي أهم مسيرة في تاريخ الكوميديان العظيم يونس شلبي.
حتى أن حياة يونس الفنية، يمكن تلخيصها في دور وشخصية منصور وعاطف، في مدرسة المشاغبين والعيال كبرت، كان يونس أبسط من كل هذه الأجواء التي تحكم فكرة صناعة نجم شباك، ولم يكترث لها، وقدم ما يحب واكتفى بحب الناس الحقيقي، غير المشروط بشيء إلا إنه حقا فنان كوميدي من الطراز الأول.
في الصغر كنت مقتنع إن شخصية عاطف ما هي إلا امتداد لشخصية منصور، لدرجة أني كنت لا أفرق بين المسرحيتين، فالأب هنا هو الأب هنا، كنت أتعامل على أنهم مسرحية واحدة، في النهاية هم بالفعل أهم أدوار ليونس شلبي، وأكثر الأدوار تقمصا منه، وتحمل جمال وانطلاق البدايات، لموهبة للأسف لم تجد من يستطيع أن يخرج كل ما فيها، ويضيع علينا الاستمتاع أكثر وأكثر بموهبة مثل موهبة يونس شلبي.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر