من السهل أن تكون صحفيا ولكن من الصعب أن تكون هاني شكر الله

كنت صغيرا متعلقا بكل ما يكتب في الصحف، أقرأ قدر استطاعتي مما يوفره أبي “رحمه الله”، إلى أن تراقصت أمامي كلمات مكتوبة، وكأنها تعبر عن فرحتها لكاتبها، كانت كلمات رشيقة وحادة في آن واحد للكاتب المتألق هاني شكر الله، المعلم والصديق، ابن البلد المتسم بكل صفات “الجدعنة”، هكذا عرفته فيما بعد.

يمر العمر سريعا وأتعلق بالعمل الصحفي، أتابع أساتذة الصحافة وأحاول أن أستخدم تعبيراتهم ومفرداتهم المتفردة. إلى أن جاءتني إشادة على عمل أنجزته لأحداث وقعت عام 2008 في مدينة المحلة، سألت زميلي عما قال وبماذا أشاد الأستاذ هاني شكر الله. فقال: أن تكون صحفيا فهو أمر أصبح يسيرا ولكن أن تكون إنسانا صحفيا فهي تركيبة يصعب الوصول إليها.

**

كانت كلمات الأستاذ وسام وضعته على صدري وفوق رأسي وظللت أردد كلماته لكل من يقابلني. إلى أن شاءت الأقدار بأن أقابل الأستاذ وجها لوجه، رسمت في مخيلتي أن أستاذا مثله لن يضيع وقته في تعليم من يعملون معه ووقته ملك لشريحة كبيرة من القراء. كما تخيلت أن فيلسوف القلم مثله لن يشارك في تجارب محلية وليدة. وكانت المفاجأة بأنه يعشق التجارب الصحفية الجديدة ومطلع على أحدث ما وصلت إليه الصحافة بل ويهوى الصحافة شديدة المحلية. إيمانا منه بأن الصحافة ملك للقراء وملك للمجتمعات المهمشة، فهي صوت حقيقي ينبع من القرى والنجوع في كل أقاليم مصر.

حفل توزيع جوائز مسابقة هاني درويش التى نظمتها مؤسسة ولاد البلد
حفل توزيع جوائز مسابقة هاني درويش التى نظمتها مؤسسة ولاد البلد

نعم، جلست أمامه لأتعلم أنا ومن معي، رغم أننا أبناء الصحافة المحلية وعملنا جميعا في محافظات لا تملك صحفا خاصة بها. إلا أن الأستاذ فاجأ الجميع بأنه يكتب للمجتمع المحلي وقراءه غارقين في المحلية وصحافتنا هي الأمل والمستقبل للوطن كله. كنا نظن أننا تدربنا وتعلمنا الكثير من تكنولوجيا الصحافة والتطبيقات ونختلف عن أساتذتنا الذين غرقوا في العمل الصحفي الروتيني باستخدام ورق “الدشت” ولا يعرفون عن الكومبيوتر إلا القدر اليسير. فاكتشفنا أن الأستاذ أكثر دراية منا جميعا، فهو الأستاذ والمتدرب الطامح لكل جديد عشقا في الصحافة. علمنا أيضا أن كل ما هو جديد ليس لخدمتنا بل لخدمة المجتمع، وأننا نعمل لدى كل مواطن يقرأ ما نكتب.

**

عملت مع الكثير من المديرين، ولم أقابل أستاذ مثله يجمع صفات المدير والقائد والإنسان. كنت أنتظر بشغف الاجتماعات لإيماني التام بأن هناك شيئا سأتعلمه ومن ثم أطبقه لأنجح في عملي. كنت أنتظر أيضا البريد الإليكتروني الدوري الذي يرسله الأستاذ ليشيد بإصدارنا غير الدوري الذي كان يوزع في مدينتي بالمنصورة. ورغم أن الأستاذ كان يكتب العديد من الملاحظات، إلا أنه يكتبها برؤية قائد إنسان، ويكفي أنه يبدأ بريده الإليكتروني بجملة: عدد رائع جدا وأشكر كل زملائي الذين شاركوا في الإصدار، وهل تقبلون ملاحظاتي؟! ما رأيكم إن وضعنا كذا أو كتبنا كذا…. كان يرشدنا بطريقته الرائعة لكي ننجح أكثر وأكثر.

حاولت مرة أن أختلف مع الأستاذ حول فيديو تم تصويره عن أشهر بائع حلوى في محافظة الدقهلية، وقلت أليس هذا إعلان صريح وقد يتهمنا البعض بأننا حصلنا على أموال لمثل هذا الفيديو؟!

هاني شكر الله في تدريبات مؤسسة ولاد البلد
هاني شكر الله في تدريبات مؤسسة ولاد البلد

كان رده بنفس هدوءه المعتاد ورؤيته الثاقبة، هل محتوى الفيديو كاذب؟! أليس هذا المحتوى لخدمة المجتمع المحلي؟! لقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مصدر للأخبار والشائعات أيضا ورغم ذلك منتشرة. فكر في طريقة لتقديم محتوى جيد ونافع وتستطيع أن تدخل به وسائل التواصل الاجتماعي لتنتج محتوى صحفي يحترم القراء ويقرأه رواد السوشيال ميديا ولا تسير خارج الركب، وثقتك في نفسك أهم من كل الشائعات.

**

نعم، الأستاذ هاني شكر الله، من أهم الكتاب وأهم المديرين، يتمتع بموهبة كتابية فذة وبقدرة فائقة على إثارة المشاعر والأحاسيس لدى القراء. له أسلوب سلس في الكتابة، وكانت لديه القدرة على التنوع والابتكار في موضوعاته الاجتماعية. وصنع لنفسه اسمًا من خلال تقاريره الجريئة والثاقبة حول القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية. كان أيضا مدافعًا قويًا عن حرية الصحافة وعن الصحافة المستقلة.

اقرأ أيضا:

ملف| أن تكون هاني شكر الله

هالة شكر الله تكتب: أخي العنيد، الصامت، المتأمل

باسل رمسيس يكتب: هاني شكر الله بين لحظتين

أميرة هويدي تكتب: مديري هاني شكر الله

رندا شعث تكتب: كانت فلسطين دائما في قلبه

خالد جويلى يكتب: طرف من خبر بدايات «هاني»

نادر أندراوس يكتب: «النقد اللاذع لكل ما هو موجود».. الماركسية الممتعة لدى هاني شكر الله

عزة كامل تكتب: 7 مشاهد من حياة هاني شكر الله

لينا الورداني تكتب: هاني شكر الله الحاضر دائما

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر