«محمود سالم» نحات بالفطرة يجسد أعماله من الأحجار والأخشاب

عندما تعبر البر الغربي بالأقصر، وبالتحديد خلف مدينة هابو الفرعونية القديمة، تجد جاليري «محمود محمد سالم»، نحات بالفطرة، نشأ وسط الطبيعة الخلابة واستلهم من البيئة المحيطة أشكالا فنية ساعدت في تنمية موهبته منذ الصغر. سالم تخرج في المعهد الفني التجاري. والتحق بعدها للدراسة بكلية الآثار من أجل تطوير هوايته وتنميتها في النحت.. «باب مصر» يتعرف على النحات.

شغف بالأحجار

أطلال المعبد الذي يقع على الطريق بالقرب من منزله، جعلته شغوفا بالأحجار، منذ أن كان عمره 6 سنوات، وهو يحفر في الرمل ويستخرج الشقف والأحجار الصغيرة وينظفها من الأتربة. ثم يحتفظ بها ويعود بها لمنزله محاولا تقليدها باستخدام الطين. كما أن وجوده وسط الحقول الزراعية بالقرب من الضفة الغربية للنيل، ألهمه كيفية تشكيل الطين. محاولا استكشاف ذاته وتطوير موهبته في كل ما يصنعه بيديه ويراه في البازارات المختلفة.

يقول سالم: “نشأت في بيئة غنية من حيث وجود النيل والزراعة والجبل والمعابد. كل هذا كان حافزا لي منذ صغري في تشكيل موهبتي البصرية، فكانت الفكرة لدي تنشأ من الواقع أختصرها في شيء ما. لأن العين لا تحب التعقيدات والتفاصيل الكثيرة”.

وتابع: منذ الصغر ولوحاتي تنال إعجاب الأجانب ويشجعونني ببعض الهدايا عليها في أثناء الحصص التي تخصصها لنا المدرسة في المعبد من أجل تنمية مهارات التلاميذ، كل هذا حفزني وجعلني أحب الرسم.

يضيف، أحببت الفن بكل أشكاله، فبعد رسم اللوحات الصغيرة بالمدرسة، انتقلت إلى نحت الحيوانات الصغيرة من الطين، التي وجدت فيها نفسي بشكل لا إرادي. وفي مرحلة الثانوية جربت النحت من الجبس والخشب. قمت بنحت مدفع رمضان من خشب الدوم، وتم تكريمي على هذا العمل. ونحت القرد البابوني وأهديته لأحد الأجانب خلال زيارته للأقصر. كما قمت بتشكيل العديد من المنحوتات مثل الفلاح والعربة “الكارو” وعروسة البحر، وغيرها وبعضها قمت ببيعه للأجانب والبعض الآخر للمصريين.

ويقول: “استخدم أدواتي من البيئة مثل خشب السنط والكافور. والأحجار مثل حجر الجرانيت بألوانه المختلفة الوردي والأبيض والأسود، فأنا أعبر عن الواقع المجتمعي الثقافي، وجسدت من خلال منحوتاتي الحيوانات والبشر وعلاقتهم بعضهم البعض. وأيضا جسدت الحياة الشعبية والريفية القديمة والمرأة”.

أدوات من البيئة

يقول سالم: “أتذكر في عام 2008 قمت بأول تجربة نحت عميقة من خشب الأثل. وكانت نتيجتها أفضل من نتيجة خشب الفيكس والدوم والكايا والجميز أيضا، وهذه الأخشاب جميعها استخدمها في النحت واستخرج منها منحوتات جميلة”.

أما عن خطوات نحت مجسم ما، فيقول: “أعمل على تحديد نوع الخشب الذي سأستخدمه في البداية على حسب الفكرة التي أريد تجسيدها. وفي الغالب اعتمد على حجر الجرانيت الأسود والبازلت والروز والأحمر، لتشكيل منحوتات بخامة جديدة وأيضا أضمن جودتها دون هدر”.

وتابع: استلهمت من ثورة يناير النحت برؤية فنية عميقة. فنفذت أعمال نحتية من خشب “الأثل” منها العائلة الصعيدية والرجل البدوي والفيلسوف وعدد من المنحوتات الأخرى. وفي عام 2014 كانت النقلة الكبرى لدي، حيث شاركت بمنحوتة فزت بها بالمركز الأول في مسابقة كانت في قصر ثقافة الإسماعيلية. وهذا كان بمثابة دافع معنوي كبير لدي دفعني للأمام.

ويضيف، انطلقت بعدها في النحت بشكل عميق. حيث جسدت العديد من المنحوتات منها الوجه الإفريقي وعروس البحر، وعمال حفر قناة السويس، وفيها جسدت منحوتة عبارة عن عامل يحفر في القناة وآخر يحمل قفة مليئة بالرمل ويصرخ من شدة الألم وثقل ما يحمله. وهي تعبر عن الهموم والأوجاع التي مر بها الشعب المصري في السابق.

تفرغ للنحت

منذ عام 2019 وحتى الآن تفرغ “سالم” للعمل في النحت بشكل كامل وبالتحديد النحت من الأحجار والأخشاب بأنواعها المختلفة، فأنشئ الجاليري الخاص به في منزله خلف معبد هابو، وأصبح معروفا لدي الجميع الآن يأتونه من مختلف أنحاء البلاد.

يختتم سالم حديثه ويقول: “لم اعتمد على الجاليري فقط في عرض منحوتاتي. ولكني أشارك في المعارض المخصصة للنحت في القاهرة مثل صالون الشباب في الأوبرا كل عام، والمعرض العام، والمعارض الأخرى التابعة لمؤسسات فنية بالقاهرة. كما شاركت في عدد من المتاحف المفتوحة والمهرجانات بقنا وأسوان والأقصر. وأقوم بتصدير منحوتاتي إلى دول عربية وأجنبية وتسويقها عبر الانستجرام”.

اقرأ أيضا:

«يحيي الدسوقي» آخر صانع حُصر بلدي بنقادة: «المهنة لا تسر ولا تغني»

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر