المؤتمر الإقليمي للحفاظ على التراث| نبش أضرحة وهدم قصور.. والمسلماني يحذر من "المغول الجدد"

بدأت مساء أمس فعاليات الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الإقليمي الأول حول دور “وسائل الإعلام في الحفاظ على التراث”، الذي أقيم تحت رعاية مؤسسة ولاد البلد للخدمات الإعلامية، في المعهد السويدي، بمشاركة قيادات صحفية وإعلامية ومتخصصون في مجال الحفاظ على التراث من مصر وبعض الدول العربية.
ويهدف المؤتمر إلى تفعيل دور الإعلام حول الأهمية التاريخية للتراث والهوية الحضارية للمدن، في ظل التغيرات العالمية ومعليات النتهاك الممنهج ضد التراث الحضاري والثقافي والمباني التراثية والأثرية.
وحضر الجلسة الافتتاحية للمؤتمر كلٍ من، الدكتورة فرانس دي ماري، وهي مديرة البرامج والعلاقات الدولية بالمجلس العالمي للمتاحف، وألبرت شفيق، مدير عام قنوات CBC مصر، وعلي تشيخاموس عن التراث الثقافي السوري: التدمير وتوظيف التراث كسلاح للحرب، والإعلامي أحمد المسلماني، والإعلامية دينا عبد الكريم.

فاطمة فرج: الموروث الثقافي جزء من الهوية

وقالت فاطمة فرج، مؤسس ومدير “مؤسسة ولاد البلد للخدمات الإعلامية”، إنه إيمانًا من “ولاد البلد” بأهمية الحفاظ على التراث بمختلف أشكاله، فإنه تم خلال الفترة الماضية رصد العديد من الموضوعات التي توثق التراث المصري في عدة محافظات مختلفة.

فاطمة فرج - مؤسس ولاد البلد - مؤتمر الحفاظ على التراث
فاطمة فرج – مؤسس ولاد البلد

وأضافت فاطمة أن الموروث الثقافي جزء من الهوية، مشيرة إلى أن مؤسسة “ولاد البلد” خاضت تجربة جديدة بتقديم صحافة متخصصة تخدم الرأي العام، وذلك بمبادرة “عمارة البلد.. هوية لا تستحق الهدم”، والتي نشر خلالها حتى الآن أكثر من 30 موضوعًا جميعها تخص التراث في محافظات مختلفة، كما شارك بالاطلاع عليها قرابة مليون ونصف المليون مواطن.
وأشارت فاطمة إلى أن مؤسسة ولاد البلد تحاول من خلال هذا المؤتمر، إبراز أهمية التراث وهويته والحفاظ على قضيته، باعتبار أن الإعلام طرف أساسي في الحفاظ على التراث، لافتة إلى أنه يجب أن يقدم بشكل مستدام مادة تعرف الجمهور بأهمية التراث وتاريخه، كما يجب أن يقدم أيضًا على أنه مهم؛ ليس فقط للهوية، لكن للتنمية الاقتصادية، وربط الماضي بالحاضر والمستقبل.
واختتمت فاطمة كلمتها بالقول: “نتمني أن يكون هذا المؤتمر بداية خارطة طريق للمناقشة في التراث والإخفاقات، التي تم التعامل بها معه، وكيف يمكن أن نلعب كإعلاميين دور بارز وهام في الحفاظ على التراث الذي نفتخر به؟”.

بيتر ويدرود

و عبر بيتر ويدرود – مدير المعهد السويدي، إن التراث هو الهوية التي تهدد حين يتم المساس به، مضيفًا: “حين نفقد تراثنا الثقافي نهدد في المقام الأول هويتنا وتاريخنا”، مضيفا أننا أصبحنا في أشد الحاجة إلي الإعلام كنوع من أنواع الإعلان والدعاية للتراث الذي لا يعرفه الكثير من الناس، حتى يدركون أهميته ونتائج الحفاظ عليه.
وتابع: “يجب أن نعيد التفكير في وسائل الحفاظ علي التراث، حيث أنه أصبح في أمس الحاجه إلي إحترام قواعد تأسيسه وتاريخه حتى تحافظ عليه الأجيال القادمة”.، لافتا إلى أن المعهد السويدي يقدم كافة الوسائل، التي يمكن أن تساعد في الحفاظ علي التراث، وذلك بتنظبم مؤتمرات وفتح أبوابه لاستضافة إعلاميين ومتخصصين في التراث.
وأضاف بيتر أن الاستقطاب الذي نعيشه الآن وسياسة الثقافة الواحدة، التي تفرض نفسها علي مجتمعاتنا، وتضع نفسها علي رأس القائمة وترفض التعددية، جميعها أمور تجعلنا نحتاج إلي التعددية والعيش في إطارها بسلام، مشيرًا إلى أن سبب تقدم الولايات المتحدة الأمريكية هو التعددية واحترام الثقافات والإيمان بالتراث.
واختتم بيتر حديثه قائلا: “نتطلع أن يكون لهذا المؤتمر سبب في التعريف ولفت الانتباه تجاه أهمية احترام التراث الثقافي، ودعم دور الإعلام في تقديم حقائق عن التراث الثقافي حتى يساعد في رفض هدمه”.
مؤتمر الحفاظ على التراث

فرانس ديمراي

فيما قالت فرانس ديمراي – مديرة البرامج والعلاقات في مجلس المتاحف العالمي، وهى القائمة علي العمل المؤسسي في مجال حماية التراث الثقافي، إن فترة الربيع العربي شهدت تدهورًا سريعًا للتراث الثقافي في المدن العربية، مضيفة: “كان لنا من إتباع منهج مختلف في حماية التراث ونحن نقوم منذ عام 2000 بمبادرات لحماية التراث، خاصة بعد الكوارث الطبيعية التي تؤثر كثيرًا على التراث”.
وأضافت دميراي أن الأمم المتحدة أصدرت قرارًا ذكرت فيه ضرورة حماية التراث الثقافي؛ بل كان لها قرارات ملزمة من خلال الدعم المادي، للمساهمة في حماية التراث، مؤكدة أن هناك صندوقين تم إنشاؤهما لحماية التراث الثقافي بمبادرة من دولة الإمارات ودول أخرى، ويقدر قيمة الصندوق بمبلغ 100 مليون دولار.
وأكدت دميراي، علي أهمية دور المجتمعات المدنية لحماية التراث الثقافي خاصة في وقت المخاطر ولابد من وجود إطار قانوني ملزم يضمن الحفاظ علي التراث ومتع التعدي عليت،  قائلة “أننا نقوم حاليا بوضع آليات مختلفة لحماية التراث خاصة بعد نكبة الحرب السورية وما حدث بها من تدمير للتراث والآثار وكان أيضا لمبادرتنا في حرب جورجيا دور بعد الصراعات التي شهدتها”.
 
أحمد المسلماني - مؤتمر الحفاظ على التراث

المسلماني يحذر من المغول الجدد:

و من جانبه أكد الإعلامي أحمد المسلماني، مقدم برنامج ”الطبعة الأولى” على قناة دريم الفضائية، إنه من الضروري ترسيخ أهمية التراث للأجيال القادمة، بإعتباره ماضٍ عظيم يقود إلى مستقبل أكثر إبهارًا، ويمنح الثقة للشعوب حول ماضيهم وأهميته وعراقته.
وأضاف المسلماني أن الوطن العربي يملك تاريخًا يونانيًا، رومانيًا، فرعونيًا، وآشوريًا، فضلًا عن حضارات الهند، أما في السياحة والثقافة والاقتصاد السياحي، فهي تشكل أهمية عملاقة قائمة على زيارة هذه المؤسسات، ومكونة لبنية اقتصاية ضخمة، مشيرا إلى أن هناك تحديات قديمة متعلقة بالموارد الحضارية.
وحذر المسلماني ممن أطلق عليهم ”المغول الجدد” ممن لا يقدرون الحضارة ويعدون خطرًا جسيمًا عليها، وهم موجودين في سوريا، والتي تمتعت بحضارة مفتوحة، أضحت الآن نتيجة لتواجدهم ”مقابر مفتوحة” وكذلك اليمن، التي كانت تضم أكبر كم من الآثار تم تدميرها، فضلًا عن الحضارة الآشورية في العراق، التي تميزت بمكانة عالية، فمدن مثر نمرود التي ترجع إلى 13 قبل الميلاد تم تدميرها أيضًا، وفي ليبيا ومصر بعد ثورة 25 يناير قام البعض بهدم القصور والمباني التراثية، والتي تقدر بأكثر من 25 مليون دولار.
وأشار المسلماني إلى أن الحل الأمثل للحفاظ على التراث، هو دعم البرامج الوثائقية من قبل الدولة، والتي لا تحقق نسبة مشاهدة مرتفعة، وكذلك يجب أن يكون هناك إنتاج مستمر من الأفلام السينمائية التي تخلد التراث، مقترحًا أيضًا تشكيل مدارس تربي الأجيال القادمة على احترام التراث الأدمي بكل طبقاته، تكون حامية للدولة في المستقبل من السقوط، من خلال التربية المدرسية، والرد على تلك الأفكار المتطرفة والمتخلفة التي تصف التراث الإسلامي بالهمجية، والتي يجب ألا يكون لها أثر في تدمير التراث الثقافي.
وشدد المسلماني على ضرورة ألا يعتبر التراث تاريخًا هامشي، فخسارة الروح العامة للمجتمع والجماليات، والعمارة الآن هي تراث المستقبل، والجمال اليوم هو تاريخ المستقبل، فالنظر لجمال الماضي على أنه قبح سيقضي على الجمال في المستقبل.
وأكد المسلماني على ضرورة خلق طلب على الثقافة، لأن العرض يخلق الطلب، وطالما هناك من يتحدثون عن عروض جادة، فإن الطلب سيزيد عليها، كما أن هناك قوة ناعمة لا تقل أهمية عن الجيش، وهي أيضًا كالقوى الصلبة لا يجب أن تأتي بعائد اقتصادي، وإنما الأشياء الراقية ستكون سائدة، والقوى الناعمة ليست مجال للربح، ومن يتعامل معها على هذا الأساس فهو يساهم في تدميرها.
ألبرت شفيق - مؤتمر الحفاظ على التراث

ألبرت شفيق يوجه رسالة للإعلاميين من أجل الحفاظ على التراث:

فيما قال ألبرت شفيق؛ مدير عام قنوات CBC، إن التراث ليس فقط حجر أو مبنى معماري، لكن تلك الأشياء هي روح وفن قدمه بني الإنسان لتسجيل تاريخ، ولكنه هو كل حرفة وإنسان وحجر، مضيفا “الآن نعيش في بلد الآثار الذي لا نعرف قيمته بسبب عدم وجود تعليم وثقافة وإعلام جيد، للتعريف بهذا الكنز الكبير، الذي تزخر به بلادنا العربية وليس فقط أرضنا المصرية”.
ولفت شفيق إلى أن الإعلام الثقافي غير موجود الآن، وحتى إن وجدت برامج ثقافية، فإنها تواجه الفشل، بسبب أنها تقدم بشكل غير جذاب، ولأن المواطنين اهتمامهم الأول لقمة العيش والأمور المعيشية والاقتصادية والسياسية، فضلا عن أن الوضع الحالي للإعلام يركز على ما يحصد الأموال في المقام الأول.
وأوضح أن المؤسسات التي تهتم بالحفاظ علي التراث يجب أن تكون هي الممولة لهذا النوع من البرامج، لأنها هي التي ستخرجه كما يجب أن يكون.
وقال علي تشيخاموس، متحدث عن أزمة التراث في سوريا، إن ما حدث في لبنان وسوريا واليمن وليبيا، أكبر دليل عن وجود أزمة في التراث في الدول العربية، ويرجع ذلك إلى أخطاء الحكومات في عدم وضع خطة لحماية تراث الوطن، مضيفا أن الحكومات لا تهتم بنظافة الأماكن التراثية على عكس ما يحدث في الدول الغربية.
وأوضح أن في سوريا عدد من الحروب، وعدد كبير من الأطراف التي تلعب لمصلحتها بغض النظر عن الحفاظ على التراث في سوريا.
من جانبه، أوضحت خديجة رمضان، متحدثة عن منصة السيدات الليبيات للسلام، أن الحرب في ليبيا لم تنته بعد، ولذلك لم نستطع حصر الخسائر التراثية في ليبيا حتى الآن، مبينة “تتعرض الكثير من الأضرحة في ليبيا إلى النبش من قبل الجماعات الإرهابية”.
وأكدت أن الهوية الثقافية والاجتماعية تغيرت في ليبيا، فما حدث هو تغير للهوية اليبيبة من جميع النواحي، الثقافية والاجتماعية والتاريخية، وحتى الآن لا نستطيع وقف هذه الهجمة على ليبيا.
يذكر أن فعاليات المؤتمر الإقليمي حول دور وسائل الإعلام في الحفاظ على التراث، تشمل عدة ندوات مختلفة، تصب جميعها في كيفية تعامل وسائل الإعلام مع مسألة الحفاظ على التراث، وما يجب تطويره داخل الهياكل الإعلامية من أجل تعزيز هذا الدور، بالإضافة إلى إعلان للمبادئ التي تضع فيه وسائل الإعلام الرئيسية معايير لقياس دورها في هذه المعركة ضد قوى الدمار، بالإضافة إلى ورش عمل حول الأدوات الصحفية، التي من شأنها الدفع بجدول الأعمال للأمام، إضافة إلى مشاركة الخبرات في المنطقة، وجلب الخبرة الدولية وأبعادها إلى الداخل لإثراء المناقشات والتوصل إلى أفضل الأطروحات.

مؤتمر الحفاظ على التراث
عرض فيلم “المغول الجدد” ضمن فعاليات مؤتمر التراث بالإسكندري تصوير: أحمد دريم0

وخلال اللقاء تم عرض الفيلم الوثاقي تحت عنوان “المغول الجدد.. تدمير المعالم التاريخية والدينية في ليبيا”، الذي يحكي عن التدمير الذي حدث في ليبيا، بعد أحداث الثورة الليبية، خصوصًا في بني غازي، حيث تم تدمير المؤسسات التاريخية، ولم تسلم المساجد والمؤسسات الدينية من الهدم، وتحويلهم إلى برك دمام، كما تحولت المؤسسات التي كانت مراكز للفن في ليبيا إلى مراكز مهدمة على يد الجماعة الإرهابية “داعش”.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر