«المداح 3».. الرعب على طريقة «سبونج بوب»!

أريد أن اكتب عن مسلسل “تحت الوصاية”، باعتباره أفضل عمل شهده موسم رمضان 2023. رغم أنه لم ينته بعد، وأضع يدي على قلبي متمنيا أن “يكمل على خير”. وحتى لا أتسرع مضطر إلى تأجيل الكتابة عنه. لأكتب اليوم عن واحدة من ظواهر رمضان اسمها حمادة هلال ومسلسل «المداح 3» الذي يواصل هذا العام موسمه الثالث تحت عنوان “المداح.. أسطورة العشق”.

ليس لـ”المداح” شهرة على صفحات التواصل الاجتماعي مثل أعمال أخرى. ولكن استمرار هذا المسلسل للعام الثالث على التوالي يبرهن على نجاحه. وتؤكد هذا النجاح نسب المشاهدة للمقاطع الكثيرة المتوفرة على YouTube (بما أننا ليس لدينا وسيلة قياس دقيقة لنسب المشاهدة الفعلية للعمل ككل على الفضائيات والمنصات وأجهزة الريسيفر غير الشرعية ومواقع القرصنة).

مغن وطارد أشباح

حمادة هلال مغن ناجح، من أشهر وأنجح أغانيه على YouTube “أنا سبونج بوب”. وهو يتمتع بـ”كاريزما” خاصة لدى الأطفال، كما جرب حظه في السينما والبرامج قبل أن يجد نفسه في شخصية الشيخ صابر بطل مسلسل “المداح”، والذي يقدم فيه دورا مختلفا عن بقية المغنيين الممثلين. إذ يلعب دور فلاح، مداح، يطرد الجن والأشباح، حتى باتت الشخصية بمرور السنوات “أنا أخرى” alter ego لصورته كفنان، في عيون المشاهدين وربما عينيه هو أيضا. (ظاهرة إعادة تقديم المغنيين لأنفسهم كمتدينين متشددين تستحق التأمل أيضا، وتامر حسني يفعل ذلك منذ عامين أيضا).

وليس معنى الكلام السابق أن حمادة أو تامر يدعيان التدين، أو أن الصورة التي يصدرانها عن نفسيهما صادقة أو كاذبة. ما يعنينيا هنا هو “قناع الشخصية” وهو مصطلح صكه عالم النفس كارل يونج ليشير إلى الشخصية التي يظهر بها المرء أمام الناس. وانتقل المصطلح إلى عالم السينما ليشير إلى “قناع النجم” أو الصورة التي يظهر بها نجم ما في عيون جمهوره. (فريد شوقي وحش الشاشة، ومحمود المليجي شريرها، مثلا).

عثر حمادة هلال على ضالته (قناعه، تميزه، صورته التي يحبها عن نفسه) في شخصية صابر المداح، طارد الجن والأشباح. وواضح أيضا أن هناك جمهور للعمل وجد في شخصية حمادة هلال صورة بطل شعبي يتمناه: شاب وسيم خلوق، خارق القدرات، عذب الصوت، لكنه يكرس صوته لمديح الله والأنبياء، وقدراته لمكافحة الشر والأشرار. ويكمن سر المسلسل في أنه يدمج هذا البطل الشعبي في قالب أفلام الرعب المحبب لدى الشباب. داخل قصص الجن الذي يركب الانسان الرائجة في الثقافتين الاسلامية والمسيحية بشكل خاص. والتي تحفل بها “ألف ليلة وليلة” والحكايات الشعبية. ويركز المسلسل على أشهر وأحب قصة نمطية منها، وهي الجن الذي يضاجع الإنسان، والتي جددت حضورها في نفوس وعقول الأجيال الجديدة من خلال موجة روايات الرعب المصرية!

حمادة هلال في مشهد من «المداح»
حمادة هلال في مشهد من «المداح»
الحبل.. دون تلامس!

في “المداح 3” ينشغل الشيخ صابر بفتاة ريفية عذراء (سلمى أبو ضيف). تحبل “بدون تلامس” (على حد تعبير بعض الفنانين الجدد، الذين يستبدلون كلمة جنس بالتلامس!). والأكثر من ذلك أن الجن يصل إلى رحم زوجة صابر نفسها (هبة مجدي). فيزرع، أو يوهمه، بزرع جنين من الجان، ما يقلب كيان الشيخ الشاب، ويجعله يشك في زوجته وطفله. أما عصابة الجني التي تتآمر على صابر وأسرته فتتزعمها ملكة الجان هند بنت الأحمر (لوسي بجلالة قدرها) ورجل الأعمال هايم (محمد رياض). وكلاهما يجندان عددا من البشر على رأسهم هبة (هلا السعيد) أخت المداح نفسه، والأمير (عبدالعزيز مخيون) ناصحه الأمين. أما صابر نفسه فيقع في حب امرأة أخرى اسمها تاج (يسرا اللوزي) لا نعلم إلى الآن هل هي إنس أم جن.

صراع أشقاء ومقابر فرعونية

ولا يخلو “المداح 3” من خطوط فرعية مثل مواصلة قصة الشقاق بين الأخين داخل بيت صابر نفسه. إذ لديه أخ طماع هو حسن (خالد سرحان)، وزوجته الأكثر طمعا هي منال (دنيا عبدالعزيز)، وزوجته الجديدة، المريبة، أحلام (رانيا فريد شوقي) التي تأتي من الخارج لشراء بيوت القرية لتحفر بحثا عن الآثار الفرعونية، أو العفاريت الموجودة في مقابرها.

ومفهوم مؤلفوا “المداح” (الثلاثي أمين جمال، وليد أبو المجد وشريف يسري) عن “تلامس الجن والإنس” لا يختلف كثيرا عن فيلم “الإنس والجن” أو رواية وفيلمي “الفيل الأزرق”. أو عن قصص “العراب” (أو “المعرب”) أحمد خالد توفيق المقتبسة عن الروايات والأفلام الأمريكية.

يخلو “المداح” من بديهيات العلم والمنطق وحتى المصداقية الفنية، وذلك بحكم نوعه الفني الخيالي الذي يعتمد على تجسيد أعراض الشيزوفرينيا والهلاوس الجنسية. ومن أسرار نجاحه بساطة إخراجه. حيث يعتمد مخرجه أحمد سمير فرج على الأنماط الجاهزة في اختيار الممثلين والأداء التمثيلي والديكور والموسيقى المصاحبة، الصاخبة، والترميز على طريقة المسرح (ترتدي لوسي فوق رأسها تاجا غريب الشكل وملابس سوداء وتضع ماكياجا ثقيلا. أما محمد رياض فتتلون عيناه بلون أحمر ينتقل إلى عيون من يسيطر عليهم).

يخاطب “المداح” البسطاء من المعتقدين بوجود الجن وإمكانية التزاوج بين الإنس والجان. والذين تلبي هذه القصص مكبوتاتهم من أحلام ومخاوف جنسية، أو حتى مجرد الذين نشأوا على هذا الميراث من معتقدات وحكايات. منهم من يصدق ويتأثر، ومنهم من يضحك ويتسلى. وبساطة “المداح” تجعله مناسبا للكبار والصغار، وربما الصغار أكثر، من الذين أحبوا حمادة هلال وأغنية “أنا سبونج بوب”!

اقرا أيضا:

كوميديا رمضان: «نكت» منتهية الصلاحية!

«رسالة الإمام» و«الهرشة السابعة».. رائعتان إلا قليلا!

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر