«رسالة الإمام» و«الهرشة السابعة».. رائعتان إلا قليلا!

الإتقان هو كل شيء في الفن، أهم من الفكرة، أو الموضوع، أو الموهبة. هناك ملايين من الأواني الفخارية صنعها البشر ليستخدمونها في الحياة اليومية، ولكن القطعة الفخارية الفنية تتميز بين هذه الملايين باكتمالها وجمالها الخالص، بعيدا عن الوظيفة اليومية التي تؤديها الأواني.

والكثير من أعمال الدراما الرمضانية، وغير الرمضانية، أشبه بالأواني البلاستيكية التي تصنع بالجملة في مصانع قد تكون كبيرة ومتطورة. وقد تكون ورشا تحت بير السلم.. لا هدف لها سوى تأدية الغرض، وتلبية احتياجات الزبون.

البحث عن العشرة بالمائة

هذه حقيقة يجب أن نعترف بها، وحتى لا نظلم أعمالنا يجب أن نقر أيضا بحقيقة أن معظم ما ينتج في العالم من مسلسلات وأفلام يندرج تحت فئة الأواني البلاستيكية. وأن نسبة الأعمال الفنية الأصيلة والعظيمة لا تتجاوز عشرة بالمائة في أفضل الأحوال.

ولكن أين هي العشرة بالمائة في أعمال رمضان الحالي؟

لقد وصلنا إلى منتصف الشهر ولم نزل نبحث!

ربما نجدها في “رسالة الإمام” للمخرج الليث حجو، بالرغم من أن الإتقان يخون أصحابه في بعض العناصر.

هذا عمل مختلف في تاريخ الدراما الدينية التاريخية المصرية، مزيج من “عمر بن عبدالعزيز” ببطله المثالي و”الزيني بركات” برصده لمظالم الحكام ومؤامرات السياسيين. كما يتمتع بمزج سلس بين التاريخي والدرامي. مع ذلك، ورغم عشرات المراجع التاريخية المشار إليها في “تترات” المسلسل. أشار البعض إلى بعض الأخطاء التاريخية المتعلقة ببعض الأحداث والشخصيات، ولا أفهم كيف حدث ذلك.

الإتقان يغيب أيضا في بعض التفاصيل، خاصة في عنصر الملابس. فهي تلعب دورا “زخرفيا” أكثر منه دراميا أو واقعيا، وخاصة فيما يتعلق بملابس المصريين العاديين. وبالأخص الفلاحين، الذين كانوا يرتدون على مر تاريخهم ملابس بسيطة ومتقشفة جدا. ولا يضعون على رؤوسهم عمائم أو أغطية رأس كما نرى في المسلسل.

حتى العناصر الجيدة

ومن عجائب قلة الإتقان أنه يفسد أحيانا حتى العناصر الجيدة بالعمل. فعلى سبيل المثال قام تامر كروان بتأليف موسيقى تصويرية رائعة لـ”رسالة الإمام”. ولكن الاستخدام المفرط لها من قبل المخرج يفقدها تأثيرها أحيانا. ويظهر ذلك بشكل أوضح عندما تطغى الموسيقى على الحوار المنطوق بالعربية الفصحى، الصعبة على الأذن بطبيعتها، فيحول دون سماع الكلمات أو فهمها أحيانا. ولو أن هذه الموسيقى رشدت وأحسن توظيفها قليلا، لكان لدورها وللعمل شأن آخر.

رائحة الشواء والفلفل

مع هذا فإن “رسالة الإمام” أفضل حالا بكثير من “سره الباتع” لخالد يوسف، الحافل بعدم الإتقان “التاريخي” وبالإفراط التعبيري في الحوار التمثيل والموسيقى. وهذا الإفراط البصري السمعي أصبح من ظواهر مسلسلات رمضان المزمنة. تقريبا يشعر صناع هذه الأعمال بأنهم مثل محلات وعربات الأطعمة المنتشرة في وسط البلد. فيحاولون اختطاف انتباه المارة برائحة الشواء وجذب ذائقتهم بالتوابل، وتقريبا يستخدم صناع المسلسلات الكاميرا بمنطق رائحة الشواء وشريط الصوت بمنطق الفلفل والشطة. بهدف اختراق عينيك وأذنيك دون استئذان.

مسلسل الهرشة السابعة
مسلسل الهرشة السابعة
كثير من التكامل.. قليل من الاستسهال

أين نجد العشرة بالمائة الممتازة إذن؟

ربما نجدها في عمل مثل “الهرشة السابعة” للمخرج كريم الشناوي. حيث يصل الإتقان إلى أعلى درجاته في الكتابة والتمثيل وبقية العناصر التي تتكامل مع الفكرة والموضوع وتساهم في خلق التأثير الشعوري والجمالي الكلي للعمل.

ولكن حتى هنا فإن الكتابة، رغم براعتها، تفتقد للاستدامة (بمفردات التنمية البشرية، التي كتبت تحت تأثيرها بعض المواقف). معظم الحلقات رائعة، وقليل منها مثل الحلقة الخامسة (عاصفة التنين) تعاني من استسهال مدهش. إذ يتم اختزال عام الكورونا، بما حمله من مآس صحية واقتصادية ونفسية، في مشهدين أو ثلاثة، بالرغم من أن هذه الحلقة تحديدا تحمل دراما إنسانية قوية. على عكس المشاجرات والهموم الحياتية التافهة التي تضيع فيها الشخصيات وقتها وحياتها!

ويمكن أن تقارن بين نهاية الحلقة الرابعة التي تصاب فيها نادين (أمينة خليل) بالهلع عندما تتصور أن طفلها تاه في منتزه عام، وبين الحلقة الخامسة التي تكتشف فيها إصابتها وزوجها بالكورونا، ويفترض أن الاثنين يفزعان خوفا على الأطفال. المدهش أن الموقف الأول، الذي يخلو من دراما حقيقية، جيد التمثيل والإخراج، فيما الموقف الثاني، المخيف حقيقة، والذي تعرض له الكثيرون بالفعل وقت الكورونا، يمر بلا إحساس، وأداء كل من أمينة خليل ومحمد شاهين فيه، هو الأضعف على مر الحلقات!!

ظروف قاسية

لا أفهم أيضا كيف حدث ذلك، وكيف مرت حلقة زمن الكورونا بمرحلة الكتابة والمراجعة والتنفيذ بهذا القدر من الخفة، مع أنها كان يمكن أن تصبح الـMaster Episode أو “الحلقة المفصلية” دراميا وفنيا في الأحداث. ربما يكون السبب أن صناع العمل يعيشون في عوالمهم النفسية العاطفية المغلقة، التي عبروا عنها ببراعة كبيرة. ولكن فيما يتعلق بالكوارث والمصائب الحقيقية الكبيرة، مثل فقدان مصدر الرزق والمرض والموت، ليس لديهم القدر نفسه من المبالاة!

أعلم أن ظروف العمل القاسية للغاية في الدراما المصرية، وبالأخص دراما رمضان، تجعل من المستحيل تقريبا أن يصل عمل ما إلى قمة الإتقان، ولكن هذا لا يجب أن يمنعنا من رؤية الملاحظات وذكرها، ولا يجب أن يمنعنا أيضا من الإشادة بهذه الأعمال التي كادت أن تقترب من الإتقان.

اقرأ أيضا

البحث عن الأرشيف الضائع (3): هل قاموا بتشويه النيجاتيف؟

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر