«القرنة».. ملوك صناعة الألباستر

على درب الأجداد يسير أبناء قرية القرنة الواقعة في البر الغربي من محافظة الأقصر. حيث يعيشون بالقرب من وادي الملوك والملكات الذي يعج بمقابر ملكية لا مثيل لها. يعمل أغلب أبناء القرية في صناعة الألباستر ويتوارثونها جيلا بعد جيل، هنا الفن بالفطرة تتراص الورش جوار بعضها البعض كأنها معارض فنية.

ملوك الصناعة

يقول محمود سيد إبراهيم، صاحب ورشة بالقرنة: “أعمل في وزارة السياحة والآثار مرمم مقابر فرعونية، فضلا عن العمل في هذه الورشة، ورثت المهنة أبا عن جد. تركت دراستي ولم أحصل على أي مؤهلات دراسية، ولكن مهارتي وحرفتي جعلت المسؤولين بوزارة الآثار يوافقون على عملي مرمما للآثار الفرعونية بعد اجتيازي الاختبارات المطلوبة”.

وتابع: وجدت جميع أفراد عائلتي يعملون في هذه الحرفة منذ نعومة أظافري وجعلوني أمسك بالقلم الرصاص للرسم قبل الكتابة. فقد كنت أضع ورق شفاف على الرسومات وأنقلها إلى القطع الحجرية.

واستطرد: عملية النقش على الحجر الجيري الذي يشبه جدران المعابد لها العديد من الخطوات. فبعد أن نقوم بنقل التمثال على سطح الحجر بالقلم الرصاص، نستخدم الأزميل الصغير لتخطيط التمثال أو الشكل المراد رسمه. وتكون الرسمة على السطح على 3 أشكال بارزة أو محفورة أو مفرغة.

يتحدث إبراهيم عن عملية حفر التمثال أو الشكل على السطح وتشكيل ملامحه، ويقول: “هذه الخطوة تحتاج إلى دقة وتركيز كبيرين. لأنه أي خطأ بسيط يؤثر على الشكل، وقد نكتب رموز أو كلمات فرعونية بجانب الرسومات. ولكي نضمن تجنب الأتربة المتصاعدة أثناء الحفر على الحجر الجيري، نستخدم فرشاة مبللة لتغطية السطح قبل الحفر حتى لا تتطاير ذرات الجير أثناء الحفر”.

وادي الألوان

يستخدم أهالي القرنة الألوان الطبيعية التي كان يستخدمها المصريين القدماء في تلوين الحجر الجيري، ويجلبون هذه الألوان من الجبال، خاصة ما يسمونه بـ”جبل الألوان” المجاور لورش الألباستر.

يقول إبراهيم: “نأتي بالألوان التي نستخدمها من وادي الألوان، وتلك الألوان الطبيعية هي التي كانت تستخدم في تلوين المقابر قديمًا. ويوجد جبل الألوان في المنطقة الواقعة ما بين وادي الملوك ومعبد حتشبسوت، وكان القدماء يأتون منه بالألوان، التي تكون عبارة عن أحجار ملونة سواء الأحمر أو الأخضر أو الأصفر والأبيض وغيرها، ثم نقوم بطحنه بـ”الهون”.

وتابع: بعد طحن الحجر وجعله بودرة، نقوم بإضافة بعض من الشراب المخصص لعلاج الكحة، ويتم تركه لمدة ثلاثة أيام. ثم استخدامه بعد ذلك في التلوين، وأتمنى أن تفتح منطقة جبل الألوان للزيارة أمام للجمهور كي يعرفون كيف كان يأتي الأجداد بتلك الألوان التي ظلت آلاف السنين كما هي. لكن تلك المنطقة محظور الدخول إليها بدون تصريح من قبل وزارة الآثار.

الصناعة اليدوية

جميع الورش أو مصانع الألباستر بالقرنة ملحق بها معارض كبيرة لعرض إنتاج هذه الورش من التحف والتماثيل وغيرها. لذلك عند الدخول لأحد هذه المعارض تكون أشبه بكنوز مقبرة فرعونية. إنهم يقلدون ما صنعه الأجداد بمهارة وإتقان.

يقول إبراهيم: “يوجد لدينا ثلاثة أنواع من الأحجار نستخدمها في التشكيل (الحجر الأبيض أو المرمر وهو لون الكريستال، والحجر الأصفر لون الشمس، والحجر الأخضر لون القمر). بالإضافة لحجر الجرانيت الأصلي الذي يستخدم في صناعة التماثيل، نأتي بتلك الأحجار من منطقة تبعد عن وادي الملوك بحوالي 150 كيلومترا. ووسيلة النقل الوحيدة هي الجمال والحمير، وذلك نظرا لصعوبة الطريق داخل الجبل ومدقاته”.

وتابع: بعد أن نأتي بالأحجار من الجبل والتي تكون عبارة عن كتل كبيرة، نبدأ في تكسيرها وتحضيرها للعمل بحسب القطع التي نريد تشكيلها سواء كانت “فازة” أو شمعدان أو تمثال أو لوحة جرانيتية. وهناك فرق بين حجر المرمر أو الرخام الذي يصنع منه الألباستر، وحجر الأولكس الذي يأتي من سيناء ويكون به الكثير من الخطوط والتجازيع والعروق والألوان. أما حجر المرمر يكون شفاف نوعًا ما.

رطوبة الأحجار

ويضيف، تأتي الأحجار من الجبل وبها رطوبة عالية. وقبل البدء في التشكيل يجب سحب هذه الرطوبة من الأحجار حتى لا تنكسر أثناء التشكيل أو خلال تفريغها من الداخل. لذلك نقوم بلفها بالقطن أو القماش مع وضع الغراء وبودرة الألباستر وتركها أربعة أيام في الشمس. حتى نتخلص من الرطوبة والمياه الموجودة داخل الأحجار. ثم بعد ذلك نبدأ في تنعيم الحجر من الخارج وصنفرته بالمبرد ثم بحجر الرمي.

تتم عملية تشكيل الأحجار بطريقة يدوية، وتستخدم فيها بعض العدد البسيطة من الحديد المعكوف والمدبب والحاد والمبارد للتنعيم. وبعد عملية تشكيل القطع الحجرية حسب ما يريد الصانع. سواء فازات أو تماثيل يتم وضعها في الفرن البلدي المخصص لذلك، وتغطى بالشمع حتى يكون لونها طبيعيًا.

ويختتم إبراهيم حديثه: “هناك فرق بين القطعة المصنعة يدويا من المرمر أو الألباستر، حيث تكون نقية ويمكن استخدامها في الإضاءة، إذا وضع بداخلها لمبة أو شمعة تنير وتعطي إضاءة خافتة جميلة، أما الألباستر المصنع آليا يستخدم في عمل الفازات فقط فهو لا يضيء لأنه لا يكون شفاف ويستخدم فيه حجر الأونكس وليس المرمر”.

اقرأ أيضا

صورة| أقدم صانع لـ”الألباستر” بجبال القرنة

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر