الظل والضوء في حياة “كفافيس”.. القصة الكاملة لـ”شاعر الإسكندرية الأول”

 

على بعد خطوات  من أوبرا سيد درويش لافتة إرشادية “شارع كفافيس”، وإذا سرت خطوات قليلة تجد نفسك أمام مبنى سكني بنفس الاسم لشاعر الإسكندرية الأول.. كفافيس.

نور محمد تصعد درجات المبنى إلى الدور الثاني حيث منزل الشاعر الذي تحول إلى متحف، تقول إنها لم تكن تعلم شيئًا عغن الشاعر قبل ثورة 25 يناير، رغم أنه رحل في أوائل القرن الماضي.

نور ترى أن كفافيس لم ينل حظا من الشهرة في الإسكندرية كما نالها في العالم، فهو شاعر عالمي ترجمت أعماله لعدة لغات، لكن الاهتمام بكتاباته في مصر ظهر بعد ثورة يناير.

بعد أن تدفع ثمن تذكرة المتحف، الذي تشرف عليه الجالية اليونانية بالإسكندرية، يستقبلك محمد السيد محمد، أمين المتحف، الذي يؤدي دورًا إرشاديًا، في المتحف الذي عمل فيه منذ افتتاحه عام 1992.

عن نشأة كفافيس

يقول محمد السيد إن منزل قسطانتين كفافي القديم، الذي شهد مولده في17 أبريل عام 1863كان في شارع شريف، الذ يعرف حاليا باسم شارع صلاح سالم.

كان ترتيب كفافيس بين إخوته التاسع والأخير، كان والديه اليونانيان الأصل يعيشان في تركيا قبل أن يهاجرا إلى الإسكندرية عام 1850.

عمل والده تاجرا، وكان من أوائل الذين أسسوا المدارس وأول من أدخل صناعة حلج القطن في مصر، إذ كان يمتلك مصنعًا ولديه محلًا للحصلات الزراعية، وكان ممن دعاهم الخديو إسماعيل لحفل افتتاح قناة السويس 1869، لكن نتيجة تبذيره فقد كل أمواله عندما كان كفافيس في الخامسة من عمره، وبعد عامين توفى.

عندما بلغ كفافيس التاسعة من عمره هاجر مع إخوته ووالدته إلى ليفربول بإنجلترا حيث عمه، وظل هناك سبع سنوات ثم عادوا مرة أخرى إلى الإسكندرية، وأقاموا في منزل بشارع سعد زغلول.

بعد ثلاث سنوات من إقامتهم طرق الاحتلال الإنجليزي أبواب مصر عام 1882، لم تكن الأمور مستقرة في الإسكندرية فرحل مع والدته واثنين من إخوته إلى إسطانبول عند جده، وهناك واصل دراسته للتاريخ والحضارة البيزنطية.

تعلم كفافيس أن يقرأ لدانتي بالإيطالية، كما اهتم باليونانية الديموطيقية، وكتب أولي قصائده بالإنجليزية والفرنسية واليوناني.

بعد هدوء الأوضاع في الإسكندرية عاد إلى منزله بشارع بوليفار وهناك عمل مترجمًا للغة الإنجليزية إضافه إلى عمله في بورصة القطن.

إبداعه الشعري

“كفافي كان راجل موهوب، فهو يقول عن نفسه أنه قادر على كتابة أي شيء” هكذا يستكمل محمد السيد أمين المتحف حديثه عن شاعر الإسكندرية الأول، فهو رغم عمله فقد كان ينشر أشعارًا وقصائد في دوريات ومجالات مختلفة.

كان كفافي ينظم الشعر والقصائد للنفسه، حتى قال النقاد عن إنتاجه الغزير إنه يكتب 70 قصيدة في العام، إلا أنه قد يختار منهم أجود  5 فقط للنشر، فهو كان يعشق الشعر دون الطمع في المال أو الشهرة، وفي آخر أيامه اختار من قصائده  154 منهم واحدة بالإيطالية فقط.

أصيب كفافي بسرطان الحنجرة، وبسبب ذلك سافر إلى اليونان لإجراء جراحة أفقدته صوته، وبعد أن عاد إلى الإسكندرية أصيب بصدمة عصبية وهزال شديد، نقل على إثر ذلك إلى مستشفى يوناني مقابل لمنزله يسمى “كوتسيكا”، وظل هناك شهرين حتى توفى 29 أبريل 1933 عن عمر يناهز 70 عامًا، ودفن في مقابر الجالية اليونانية بالشاطبي، بعد أن عاش في الإسكندرية 59 عامًا وخارجها 11.

تحويل منزله إلى متحف

عاش كفافي في المنزل، الذي أصبح متحفًا، في الفترة من عام 1908 حتى وفاته عام 1933، وقبل وفاته كتب وصيته عام 1929، ليترك كل شيء لصديقه ومدير أعماله سان جوبلوا، لكن بعد رحيله وزعت تركته أما متعلقاته فأكثرها انتقلت إلى اليونان.

بعد أن أصبح منزل كفافي فارغ تماما من متعلقاته استأجره أحد الأشخاص وحوله إلى فندق أطلق عليه “بنسيون الأمير” وظل هكذا من 1933 حنى 1991، وخلال هذه الفترة كان أحد أصدقاء كفافي كتب لوحة إرشادية سوداء تقول إنه قضى حياته في هذا المكان.

في 1992 حضر أورسيس ميسكوف، المستشار الثقافي للجالية اليونانية وشمال شرق أفريقيا آنذاك، في زيارة إلى مصر، ثم أنشأ جمعية لمحبي كفافي، كما تبرع أحد أعضاء هذه الجمعية من الأثرياء اليونانين، يدعى استراتي جاكس بمبلغ كبير لتخليد ذكرى كفافيس وشراء المنزل “بنسيون الأمير”، وتحويله إلى متحف يضم مقتنياته وأهم أعماله في 21 أكتوبر عام 1992.

مقتنيات المتحف

يضم المتحف أكثر من تمثال رخامي نصفي له، ومجموعة من كتبه، وأول نسخة مطبوعة من ديوانه الشعري به بعض الكتابات بخط كفافيس، ومجموعة من الكتب العالمية، التي ألفت عنه بلغات العالم المختلفة، وتبلغ نحو 70 لغة.

إلى جانب ذلك أيضًا مجموعة من الصور الشخصية المتنوعة للشاعر ولأسرته، وأشياء مهداة من الكنيسة اليونانية إلى المتحف، وبعض أثاثه ومتعلقاته الشخصية ومرآة له، ومجموعة من الأيقونات والأشياء الأثرية التي تعود للعصر اليوناني، كان اقتناها من بعض الصيادين في منطقة أبوقير، وطوابع بريدية صدرت عنه، وشهادات التقدير التي حصل عليها.

كفافي بعد الثورة 

يذكر أن هناك جائزة  دولية  تحمل اسم  شاعر الإسكندرية العالمي كفافيس بدأت منذ عام 1990، وتمنح هذه الجائزة  للمبدعين من مصر واليونان.

كانت قصة حياة وأشعار كفافيس مادة ثرية للمحبي السينما والأفلام الوثائقية، فنتيجة انتشار كتاباته بعدة لغات وترجمتها للعديد من لغات العالم صدرت العديد من الأفلام العالمية التي توثق حياة هذا الشاعر العالمي.

و هذه عدة روابط لبعض الأفلام و محبي قصائد كفافي

Thus Spake the City – Ep 5 – Alexandria – Cavafy

CONSTANTINE CAVAFY – ΚΩΝΣΤΑΝΤΙΝΟΣ ΚΑΒΑΦΗΣ

 

Kavafis 1 of 8

 

قسطنطين كفافيس ConstantinCavafy

 

قصيدة إيثاكا لكفافيس – مترجمة للعربية

ومما يشار إليه أيضًا أنه في عام 1983 أقيم احتفالا ثقافيا كبيرًا في القاهرة والإسكندرية  بمناسبة مرور 50 عامًا على وفاة الشاعر قسطننتين كفافيس، بينما صدر في عام 1995 كتاب يضم مجموعة من قصائد كفافيس مترجمة من اليونانية إلى العربية، ترجمة نعيم عطية- صادر من المجلس الأعلى للثقافة.

و هذا نموذج لأحد قصائده ترجمة نعيم عطية
النوافذ
في هذه الغرف المظلمة التي أمضي فيها أياما ثقالا،
أروح و أغدو باحثا عن النوافذ .
عندما تنفتح نافذة سيكون عزاء .
لكن النوافذ لا أثر لها،
أو أني غير قادر على أن أعثر عليها .
وربما كان من الأفضل ألا أجدها .
ربما كان النور عذبا جميلا .
من يدري كم من أشياء جديدة ستظهر.

زاد الاهتمام بالأعمال الكاملة  لشاعر الإسكندرية الأول، بعد ثورة 25 يناير، فصدر كتاب يضم الأعمال الكاملة – صادر عن المجلس الأعلى للثقافة، ترجمة رفعت سلام، وهو أحد الشعراء الحاصلين على جائز كفافيس العالميه في الشعر.

ويضم كتاب الأعمال الكاملة  بعض قصائده وعدد من المقدمات والقراءات، التي كتبها مشاهير من كتاب العالم لأشعار “كفافيس” وهم : إ . م . فورستر، و . هـ . أودن، ج . بورسوك، بالإضافة إلى مقدمة الشاعر المترجم نفسه التي تناول فيها حياة وأعمال “قسطنطين كفافيس” بالعرض والتحليل.

كما أقيم معرض في مكتبة الإسكندرية عام 2011 يضم أهم إصدارات وترجمات قصائده، إضافة إلى الاحتفالية التي أقيمت في نفس العام بدار الأوبرا بالإسكندرية والقاهرة في نفس العام.

وكما يوضح محمد السيد، أمين متحف كفافيس، أن كثير من الشخصيات المشهورة جاءت لزيارة المتحف منذ افتتاحه، منهم شعراء عرب أمثال الشاعر محمود درويش وإدوارد سعيد ورفعت سلام، وأقرب من زاره من المشاهير كان الفنان حسين فهمي.

و يختتم حديثه قائلا إن الإهتمام أصبح أكثر بهذا الشاعر بعد الثورة، فقد ذكرت وزارة التربية والتعليم اسم كفافيس في منهاجها، إضافة إلى أن هناك رحلات تنظم للتعرف على المتحف.

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر