استمع| عقار اليوناني جون خلاط.. تحفة معمارية تكمل سلسلة هدم التراث في الإسكندرية

في أحد أعرق الشوارع المتفرعة من شارع النبي دانيال بمحطة الرمل بالإسكندرية، يسمى شارع طلعت حرب ويتفرع منه عدة شوارع أخرى، وعلى جانبي هذا الشارع تجذب نظرك الطرز المعمارية التي ترجع كثيرا منها إلى نهاية القرن 19 وبداية القرن 20، ومنها عقار اليوناني جون خلاط.

داخل هذا الشارع ومع تقاطع شارعي طلعت حرب ومحمود عزمي. يوجد عقار تراثي يشغل مساحة كبيرة على ناصية يحمل رقم 10 ويقابله البنك المركزي. يلفت النظر إلى جمال طرازه المعماري الذي يعود إلى عام1880م. ولكن هذا المشهد قبل أن تطول هذا المبنى بلدوزرات الهدم التي بدأت أعمالها في هدمه بالفعل. وما تراه واضحا أمامك على العقار لافتة كتب عليها “ترخيص هدم وترميم “وبها رقم ترخيص الهدم لـ عقار اليوناني جون خلاط.

استغاثة بشأن هدم عقار اليوناني جون خلاط

منذ عدة أيام نشرت هبة عصام الدين، مرشدة سياحية وحاصلة على ماجستير في الدراسات “الهيلينستية”، تخصص آثار وعمارة –استغاثة على صفحتها عبر “فيسبوك”، واضعة صور أرشيفية لـ عقار اليوناني جون خلاط من تصويرها، مشيرة إلى البدء في هدم العقار التراثي وإخراجه من مجلد التراث. وعبرت عن مدى حزنها على هذا العقار الذي يعد تحفة معمارية لا تتكرر واصفة قرار الهدم “بالمهزلة”.

تقول هبة عصام لـ “ولاد البلد”، إن هذا العقار يعتبر من أوائل العقارات التي كانت مدرجة في سجل التراث، ورغم أنه ملكية خاصة إلا أنه عقار تراثي ذو طابع مميز. وهو عقار ليس عرضة للسقوط، وقد ظل جاثما في مكانه لسنوات عديدة منذ العام 1880. حيث كان ملك لليوناني السويسري چون خلاط، حتى وافته المنية عام 1971 ودفن بمدافن اللاتين بالشاطبي.

وبصوت متأثر معبرة عن مدى حزنها تضيف: “فعلاً حاجة تحزن فقد تم إخراج السكان من فترة من العقار ومن بينهم هيئات حكومية لهدمه، ولم يتبق سوى محل أسفله يرفض الخروج حتى الآن، بالرغم من قرار الهدم ورغم الضغوط التي يتعرض لها، إلا أنه لازال على موقفه. أما سكان المنطقة المجاورة للعقار فيشعرون بالحزن الشديد لهدم هذه التحفة المعمارية.

 

آراء السكان المجاورين للعقار اليوناني

ورصدت “ولاد البلد” أراء بعض السكان المجاورين للمبنى التراثي الذي ارتسمت على وجوههم علامات الحزن والتأثر. وأعرب بعضهم عن استيائهم من هدم العقار الذي يمثل ذكريات من القرن الماضي.

يقول محمد علي، صاحب أعمال حرة ومن سكان عقار مجاور للعقار التراثي، “أنا أصلا عايش في إيطاليا وباجي هنا إجازات. وساكن في المنطقة هنا من زمان وجدودي كانوا ساكنين هنا حاجة تزعل. العقار ده تحفة معمارية ومش حيتعوض، كان ممكن يدهن ويترمم بدل ما يتهد. برا بيحافظوا على العمارات التراثية ويعيدوا ترميمها، إحنا متضررين كسكان مجاورين للعقار الذي يهدم”.
مطلاً من شرفة منزله المجاورة للمنزل رقم 10، ينادي عليه صديقه لينزل من منزله متحمسا ويتحدث عن قصة المنزل بتأثر. يقول محمد عتمان، موظف في شركة كهرباء، معبرا عن أهمية المنزل التراثي “أنا مولود هنا في المنطقة. البيت ده كان ملك خواجة جريجي، وسافر من غير ما يبيع البيت. الخواجة توفى عام 1971 وزوجته توفيت 1979، أما أولاده سافروا وعاشوا في جينيف.

إخراج 65 ساكنا من العقار اليوناني

ويتابع عتمان، أحد أصحاب المحلات أسفل العقار قام بشرائه بتوكيل من ابنه في جينيف، بمبلغ زهيد جدا. وقام بتسجيله وإخراج السكان منه حوالي 65 ساكنا. من ضمنهم هيئات حكومية شباب ورياضة وبحرية ونقابة مهن، ثم استصدر بعد ذلك حكما من القضاء الإداري بفك الحفاظ وحكما بإخلاء الأدوار العليا للهدم، “والبيت ده تالت نمرة وفي نقوشات يوناني وكان صعب جدا عليا وهو بيهده”.
يعود عتمان بذاكرته عندما كان طفل ليقول: “أنا فاكر زمان الشارع ده كان هادي وكان في يونانين كنا كلنا عايشين مع بعض جنسيات وديانات مختلفه وكنا بنحب بعض، أنا فاكر كان ساكن في عمارتنا سيدتين يونايتين واحدة على السطح والتانية في الدور الأول اسمها أم باصو، اللي في الدور الأول اتوفت صاحب البيت أخد شقتها بعد وفاتها، أما التانية بعد سفر أولادها اليونان سافرت لهم”.

ويكمل “زمان كنا كلنا في المنطقة عارفين بعض وجميع العمارات هنا أغلبها تراثي وبها بنوك ولم تتغير. ويعتبر هذا أول عقار تراثي يهدم في هذا الشارع. لأن كثير من العقارات التراثية هنا تم ترميمها وتجديدها على شكلها الذي شيدت عليه، لذلك نشعر بالحزن الشديد على هذا العقار لأنه لن يعوض”.

يونانيون عاشوا في العقار

أما عم “بلبل” كما يلقبونه سكان المنطقة، فهو من أقدم من عاشوا بالشارع ويعرفون تاريخ هذه المنطقة. يقترب من جاره محمد عتمان الذي وصفه أنه تاريخ ويعرف الكثير ليعرف عن نفسه. قائلاً “أنا عادل خليل وشهرتي هنا بلبل وكنت أعمل مديرا للبنك الأهلي”، ساردا خلال حديثه معلومات عن المنطقة والمنزل التراثي الذي يهدم “المنطقة هنا كان كلها يونانين وكنا عايشين مع بعض أقولك أحسن من دلوقتي، بالنسبة للعمارة جون خلاط كانت ماسكة من أول طلعت حرب لحد هنا عمر طوسن.

وللأسف مالك العقار من 10 سنوات أخرج السكان ومفيش غير تحت محلين هما لسه مش عايزين يمشوا، واحد رافض تماما مغادرة مكانه وبيتعرض للكثير من الضغوط لتركه”.

ويشير عم بلبل إلى العقار المجاور للرقم 10 ويقول: إذا أردتي أن تعرفي جمال العقار الذي يهدم انظري إلى العقار الذي بجواره فهو شبيه له، فقد تم دهانه، وعاد إلى وضعه الذي بني عليه. ويتسائل: لماذا لم يتم نفس الإجراء في عقار جون خلاط؟

حزن على عقارات المنشية

ويتابع، بالفعل أشعر بالحزن عندما أشاهد منطقة المنشية اليوم وأشاهد صورها في فترة الخمسينات والستنيات. لكن للأسف الطمع والرغبة في جمع المال طغى على الحفاظ على هذا التراث.

ويختم حديثه متعجبا “إزاي وصلنا لكده إحنا إيه اللي جرالنا”.

وعن أعمال هدم العقار وفي تصريح سابق له. قال الدكتور محمد بغدادي، معاون رئيس حي وسط، إن عمارة “جون خلاط” غير مدرجة ضمن المباني التراثية. وصدرت لها قرارات بالترميم والهدم بموجب أحكام قضائية. ووجهت رئيس الحي بهية عبدالفتاح بتشكيل لجنة هندسة تابعة للحي لمباشرة أعمال الهدم.

وعن عملية إدراج العقارات التراثية في مجلد التراث في المحافظة وقوائم حصر المباني ذات الطرز المميزة في جهاز التنظيم الحضاري. توضح دكتورة هايدي شلبي، المشرف على الإدارة العامة للحفاظ على المباني والمناطق التراثية، أن الأرشيف القومي للمباني التراثيه في مصر يأتي إلينا هنا في التنظيم الحضاري بعد قرار تسجيل المبنى الموقع من رئيس الوزراء.

بينما مجلد الحصر في المحافظة لو لم يأخذ قرار تسجيل من رئيس الوزراء، يكون غير مسجل كمبنى تراثي وفقا لقانون 144. وقد يكون هذا السبب عدم العثور على المبنى السابق ذكره في القوائم. وتابعت، “وأيضا طالما أخذ حكم محكمة بيخرج من قوائم التسجيل في الأرشيف القومي”.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر