صور| “سانت تريز”.. كنيسة صممت على الطراز القوطي وزارها ملك إيطاليا

تصوير: أحمد دريم

في شارع التحرير بمنطقة “قلتة” التابعة لحي غرب أسيوط، يلفت انتباهك مبنى معماري ضخم، تزينه أقدم شجرة كريسماس، وتعلوه ساعة كبيرة ذات أجراس وصلبان مختلفة الأحجام، لتجد لوحة رخامية مدون عليها “كنيسة جروحات القديس فرنسيس” والمعروفة بـ”سانت تريز”.

والكنيسة تأسست في عام 1924 على يد الإرسالية الفرنسيسكانية التي تعد من أقدم الكنائس، وشيدت على الطراز القوطي الإيطالي.

خلال التقرير التالي يعرض “ثقافة وتراث” معلومات لا يعرفها الكثير عن نشأة وتأسيس الكنيسة، ولما سميت بهذا الاسم، والزيارة التاريخية لملك إيطاليا وزوجته.

الكنيسة من الخارج

أول كنيسة

بني الرهبان الفرنسيسكان أول كنيسة ودير لهم بعد شراء قطعة أرض في حي المجاهدين بمنطقة غرب أسيوط، على نفقة إمبراطور النمسا ودشنت هذه الكنيسة باسم القديس فرديناند في عام 1844، وفي عام 1880 عين الأب سيرافينو راعيا ومكث فيها 13 عاما وتمت إزالة الكنيسة لتهدمها عام  1899، فقام الأب فنشنسو ديلا بإعادة بنائها علي الطراز البازيليكي بثلاثة أروقة وثلاثة مذابح، ثم دشنت عام 1900 علي يد القاصد الرسولي المطران غودنسيو وظلت إقامة الطقوس الدينية حتي عام 1945، وتعرضت بعد ذلك جدرانها للتصدع.

تدشين الكنيسة

ترك الرهبان الفرنسيسكان الكنيسة الأولي بغرب البلد بعدما أعطى المرسلون الفرنسيسكان كنيستهم لطائفة الأقباط الكاثوليك بمقابل 1200 جنيه، لأنهم في حاجة إلي المال لبناء كنيسة جديدة بمنطقة “قلتة”، وكانوا يقيمون الصلوات في كنيسة مدرسة الراهبات الفرنسيسكانيات لحين بناء كنيستهم الجديدة، ثم قاموا بشراء قطعة أرض أخرى في تقسيم شركة قلتلة “التحرير حاليًا” عام 1922 بهمة الأب فنشنسو فراكاسني، رئيس الإرسالية في ذلك الوقت، ثم تولي من بعده الأب ماريانو ليبري، رئيس الإرسالية الفرنسيسكانية الذي قام ببناء الدير والكنيسة عام 1924.

لوحة رخامية مدون عليها اسم الكنيسة

وضع حجر الأساس للكنيسة في 19 يونيو عام 1923 علي يد الأب ماريانو ليبري رئيس الإرسالية، ولم تكن هناك سوى بعض البيوت المتناثرة حولها مع مدرسة الراهبات الفرنسيسكانيات ودشنت باسم كنيسة “جروحات القديس فرنسيس” في 20 يناير 1925 في ذكر ي مرور 700 سنة على جروحات القديس فرنسيس، وأقام القداس الاحتفالي القاصد الرسولي المطران أندريا كاسولو باشتراك المطران إيجينو نوتي النائب الرسولي بالإسكندرية، والمطران جاشنتو تونيتسا النائب الرسولي بليبيا والآباء الكهنة، وكرس المطران إيجينو المذابح والكنيسة بالزيت المقدس.

واجهة كنيسة “سانت تريز” 

 الطراز القوطي

الرسومات الهندسية للكنيسة من تصميم المهندس “دي إميكو”، ونفذتها شركة ريكالدوني سانتو الإيطالية بالقاهرة، بإشراف المهندس الراهب جوليلمو برنابيني، وبنيت الكنيسة على الطراز القوطي الإيطالي، فوق “بدروم” يبلغ ارتفاعه 5 أمتار قبل ردم أكثر من متر منه لمنع تسرب المياه الجوفية إليه ويبلغ طولها 31 مترا من الداخل، وعرضها 11 مترا، وارتفاعها 17 مترا، وبها 3 مذابح مزينة بزخارف جميلة.

كنيسة ” سانت تريز” من الداخل

في أعلي المذبح الرئيسي للكنيسة توجد 3 صور بالزجاج الملون المعشق، الأولي في الوسط للقديس فرنسيس الأسيزي مؤسس الرهبنة الفرنسيسكانية، والثانية على يمينه للقديسة كلارا مؤسسة الرهبنة الثانية للسيدات التائباتلا”الكلاريس”، والصورة الثالثة للقديسة اليصابات المجرية شفيعة الرهبنة الثالثة العلمانية، والمذبحان الجانبيان الأول مكرس لقلب يسوع الأقدس، والثاني لمريم العذراء سيدة القربان المقدس، والصورتان من إهداء “دون كارميني فاسولو من ترني” مؤسس جمعية قلب يسوع.

وبنيت في الجهة الشرقية للكنيسة منارة عالية يبلغ ارتفاعها 37 مترا، تحمل 4 أجراس برناتهم الجميلة المتناغمة التي تدعو للصلاة، وتحمل ساعة كبيرة بـ4 أوجه كانت تدق ساعتها بانتظام ولكنها توقفت مع مرور الزمن، وفي واجهة الكنيسة توجد لوحة من الفسيفساء تصور لحظة نوال القديس فرنسيس جروحات السيد المسيح في جسده وتعد من أجمل كنائس الوجه القبلي.

مباني كنيسة سانت تريز

 مزار القديسة تريز

في عام 1950، أقيمت على يمين مدخل الكنيسة مقصورة جميلة تحوي تمثال القديسة تريزا للطفل يسوع مضجعة على فراش الموت إكراما لشفيعة الإرساليات، وقام بنحته بطريقة فنية الفنان الراهب “الكمبونياني لينو كريمونا بحلون”، وتصميم المهندس “فكتور فانوس”، وتم افتتاحها في عيدها 3 أكتوبر فأصبحت قبلة الزوار الذين يتوافدون عليها بلا انقطاع للصلاة والتبرك بها وإضاءة الشموع، ثم نقلت من مكانها لعمل بعض التجديدات بالكنيسة.

 مغارة سيدة لورد

بنى الأخ أنجلو باشتراك الرهبان بالدير مغارة سيدة “لورد” في مدخل الدير، وذلك بمناسبة العيد المئوي لظهور مريم العذراء في مدينة لورد بفرنسا وأمامها نافورة مياه، وتم تكريس تمثال السيدة العذراء عشية عيد الصعود يوم 13 مايو 1953 بيد صاحب النيافة الأنبا الكسندروس إسكندر مطران أسيوط للأقباط الكاثوليك، وتم تجديدها فيما بعد وتزيينها بالأحجار وهي ملاذا لزوار كثيرين للصلاة والارتواء من مياهها المباركة حتى الآن.

دورة القربان

في مايو عام 1933، كان الأخ أنجلو ينسق موكب القربان المقدس الذي كان يخرج للطواف في الشوارع المحيطة بالدير، فكان عيدا شعبيا لأهل أسيوط يجمع أطياف الشعب الكاثوليك، والأرثوذكس، والبروتستانت، والمسلمين، مما يعبر عن الحرية الدينية التي كانت تنعم بها مصر في ذلك الوقت، وتوقفت دورة القربان في الشوارع في عام 1956 بعد قيام العدوان الثلاثي علي مصر في عهد الرئيس جمال عبدالناصر، واقتصر الاحتفال داخل أسوار الكنيسة والدير حتى اليوم.

لقطة من دورة القربان المقدس في أسيوط

زيارة ملك إيطاليا

شرفت مدينة أسيوط بزيارة الملك “فكتور عمانوئيل الثالث” ملك إيطاليا وزوجته الملكة “إيلين” في 3 إبريل عام 1933، وكان في استقبالهم الرهبان والراهبات وطلبة الإكليريكية الصغري وطلبة مدرسة الفرنسيسكان وطالبات مدرسة الراهبات الفرنسيسكانيات وذلك في مرسي شاطئ النيل.

وبعدها شرفت الكنيسة بعدة زيارات تاريخية لشخصيات كنسية وسياسية وغيرها نذكر منها، زيارة النائب الرسولي “إيجينو نوتي” الذي قام بتكريس الكنيسة عام 1925، وزيارة النائب الرسولي المطران “يوحنا كاييه” عام 1953، وزيارة غبطة البطريرك الأنبا “مرقس خزام” بطريك الأقباط الكاثوليك عام 1954 ،والأب “جاشنتو فاتشو”، رئيس حراسة الأراضي المقدسة عام 1955، وزيارة المطران “برناردين كولين” النائب الرسولي لمدن القنال عام 1955.

الساعة والصلبان تزين كنيسة “سانت تريز”

الاعتداء علي الكنيسة

تعرضت الكنيسة عقب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في شهر أغسطس عام 2013 للتعدي من قبل جماعة من المتطرفين، وتم تدمير وإشعال النيران في محتوياتها التي تضمنت ملابس، وكتب وأواني، وتماثيل، ومقاعد، وإحراق المكتبة الملحقة بالكنيسة، وعدة غرف، وسكن الطلبة الجامعيين، ولكن بعد تولي الرئيس السيسيى الحكم وعد بترميم الكنائس المتضررة على نفقة الدولة، وبالفعل في عام 2015 كلف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وقامت بترميم الكنيسة، وتم إعادة افتتاحها في 25 نوفمبر عام 2016.

 الهوامش

  • كتاب “تدشين كنيسة جروحات القديس فرنسيس” الصادر في عام 2016 عن كنيسة سانت تريز.
مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر