خطاط الفيوم.. الفن من أعواد القمح
أعمال فنية مميزة، لوحات لا تستخدم فيها الألوان أو فرشاة الرسم، فقط أعواد القمح، ذات اللون الذهبي المتدرج، كل هذا يصنعه الفنان محمود عبدالرحيم، ابن الفيوم، الذي كان يعمل مدرسا للتربية الفنية قبل بلوغه المعاش، والآن يعمل مدرسا للخط العربي بمدرسة تحسين الخطوط، بجانب شغفه الذي لا ينقطع في تنفيذ وإبداع لوحاته.. «باب مصر» يتعرف على قصته.
خطاط الفيوم
يقول محمود لـ«باب مصر»: عشقت الرسم منذ أن كنت طفلا، وفي مرحلتي الدراسة الابتدائية والإعدادية كراسة الرسم الخاصة بي كانت شبه فارغة، إذ كان مدرسو الرسم يحتفظون بأي شئ ارسمه للمشاركة في معرض المدرسة الذي كانت أغلب رسوماته لي.
وتابع: بعد أن التحقت بمدرسة المعلمين، قررت التخصص في مجال التربية الفنية، التي عمل مدرسًا لها فور تخرجي عام 1977 حتى بلوغي المعاش، لم يكن الرسم فقط ما أجيده، بل موهبة الخط الجميل من والدي وبرعت فيه، وهو ما أهلني للعمل مدرسا للخط العربي منذ 1992 بمدرسة تحسين الخطوط.
ويضيف عبدالرحيم، الفن موهبة في الأساس، وكان الفن شغلي الشاغل وإلى الآن، كنت أنظر لأي خطاط يكتب لوحة بإعجاب، وأقلد الرسومات الموجودة في الكتب المدرسية، في وقت لم يكن هناك فيديوهات أو إنترنت، فقط الراديو والتلفزيون والجرائد، لذا لجأت للبحث عن المعرفة بنفسي وكنت أعتمد على المجلات المصورة والكتب التي علمتني الكثير.
أعواد القمح
“لم أشاهد أي شخص من قبل يستخدم عيدان القمح في اللوحات لأقلده أو أتعلم منه، فأنا منفردًا به، هو شغل صعب ويحتاج إلى صبر وإتقان ويحتاج لموهبة في الرسم وخلفية في استخدام النسب، وجميع لوحاتي من خطوط وزخرفة خاصة بي وليست مقلدة”، هكذا يصف عبدالرحيم ما يعمله، فهو يجلس في ورشته الصغيرة منهمكا لساعات متواصلة لتنفيذ إحدى اللوحات.
يستخدم عبدالرحيم أعواد القمح في لوحاته منذ السبعينيات، إلى جانب مواهبه المتعددة من رسم وحفر على المعادن والرخام والطباعة والرسم على الزجاج والخط العربي، فهو الوحيد في محافظة الفيوم الذي يستخدم أعواد القمح، فيقول: بدأت معرفتي بإمكانية استخدام أعواد القمح في تنفيذ عمل فني، عندما كنت صغيرًا لكن بشكل بسيط عندما رأيت العرائس التي كانت تنفذ من عيدان القمح أيام الحصاد في الريف، فقررت أن استخدمها في عمل لوحات فنية.
وعن خطوات تنفيذ تلك اللوحات وإعداد عيدان القمح لاستخدامها يقول عبدالرحيم:” في البداية يجب الحصول على عيدان القمح وقت الحصاد، فأقوم بشراء كمية من أعواد القمح، ولأنها تكون طويلة أقوم بتسويتها وتنظيفها وتقطيعها لأطوال مختلفة، بحسب اختلاف اللوحات التي أقوم بتنفيذها، حيث إن الآيات القرآنية تحتاج أطوال مختلفة، وأيضًا اللوحات الزخرفية التي تحتوي على رسومات بسيطة، بجانب التابلوهات الكبيرة، أما عن خطوات العمل، فتبدأ باختيار موضوع الرسم أو الفكرة المراد تنفيذها، ثم أقوم برسمها بالقلم الرصاص على ورقة بيضاء، وتحديدها من الخلف، ثم أشق عيدان القمح إلى نصفين، وأفردها بقطعة معدنية، ولصقها باستخدام مادة لاصقة على الورقة من الخلف، وبمقص صغير أقص الزيادات، أما تفاصيل الرسمة الداخلية كالعيون أو الشعر وغيرها، يتم استخدام الحرق بواسطة “الهوت إير” أو من خلال القلم الأسود، وبعد الانتهاء من تنفيذ جميع عناصر اللوحة بهذه الطريقة، أثبت الرسمة على خلفية من الخشب أو الكرتون، بعد تبطينها بطبقة رقيقة من الإسفنج، ثم تغطي بقطعة من القماش الأسود، فهو يساعد في إظهار الرسمة، وفي النهاية توضع داخل الإطار.
أمنية وحيدة
يتقن عبدالرحيم لوحاته جيدًا، يستخدم خامته بدقة متناهية، وبالرغم أن العيدان مستقيمة إلا أنه يطوعها بسلاسة عند عمل أشكال دائرية ومنحنيات وغيرها من زخارف، ولا يصل شريحة من عود قمح بغيره، أما الآيات القرآنية فجميع الخطوط داخل لوحاته من خط يده، بالإضافة للزخارف التي تحيط بها.
يختتم محمود حديثة ويقول: “أتمنى أن يتعلم غيري استخدام هذه التقنية وألا تنتهي بعد رحيلي، حيث أنا الوحيد الذي أقوم باستخدام هذه الطريقة منذ سنوات طويلة”.
تعليق واحد