على كل صنف ولون

لاشك أن منظومة التثاقف لدينا لابد وأن تستلفت انتباهنا لسقف تعاطينا لظاهرة الأزياء لدينا كصنف ثقافي ومقوم أساسي من مقومات ثقافتنا. وعلى وجه التحديد الزي الشعبي في مصر.. كأحد مظاهر فنوننا وثقافتنا الشعبية.. لذا، فإن تأملنا لحال الأزياء لدينا الآن لابد وأن يدفعنا لمحاولة فهم ومعرفة ما الذي يجري الآن في ساحة الأزياء كملمح من ملامح ثقافتنا. ولابد أن يدفعنا لاستبصار الحالة الثقافية لأزياء الشعوب الأخرى. حيث نجد أن هناك سمات وقسمات أساسية ودينية لأزياء الشعوب تعكس هويتها الثقافية.. وتمثل مرآة لتفردها الثقافي والفني. فضلا عن أنها تظل مكونا ضروريا من المكونات الثقافية والتراثية والفنية.. ولابد أن يدفعنا ذلك للتساؤل لماذا لم تعد الأزياء تشكل أحد همومنا الثقافية والفنية. ولم يعد لدينا عمود فقري لزينا الشعبي والقومي على سبيل المثال.

***

والأمر الذي يزيد من أطروحتنا تعقيدا شيوع القطيعة التاريخية والفنية والتراثية في تماسنا وتعاملنا مع الأزياء في مصر. فغابت السمات الجوهرية لشكل وصورة الأزياء لدينا كأحد التعابير الثقافية في حياتنا المعاصرة. ولم تعد الأزياء تمثل مؤشرا أساسيا لتحديد وتعيين طبقة ما لديها زيها الذي يميزها ويسمها!

حيث ظلت الأزياء أحد المؤشرات التي تبرز التناقض الطبقي والتمايز الثقافي لعموم البشر. فيختلط الآن، الحابل بالنابل.. ونشهد فوضى الأزياء في مصر.. ونفقد أحد أنساقنا الثقافية والفنية لدينا. فلم يعد الزي الريفي، زيا يمثل شخصية الفلاح والنموذج القروي.

ولم يعد الطربوش والبدلة هما المقوم الرئيسي لشخصية “الأفندي المصري”. حيث اتسم زي الموظف المصري بسمات محددة ومفردات مميزة تشكل هوية الإنسان المصري وجوهره. فضلا أن الزي المميز ظل يعكس سلوك وطرائق حياة الناس. ولقد كان لدى الشباب في أزمنة ليست ببعيدة سمات خاصة، وأن المتغير في الأزياء لم يكن ثابتا ولم يكن متسارعا كما يحدث الآن. حتى الفوضى طالت أزياء المرأة في مصر، ولم تعد تشير إلى طبقة وهوية النموذج الأنثوي في مصر.

***

هذا التشوه وتلك الفوضى في الأزياء، لابد وأن تدفعنا للتساؤل عن بواعث هذه الظاهرة وكيف حدث ذلك ومن المسؤول عن خلخلة “ظاهرة الأزياء” في مصر. حيث كانت صدمة العقل وصدمة العين أيضا من جراء الفوضى الجمالية في تجسيد الأزياء وتعنيها بشكل مترهل وبلا منطق يجعل للزي في مصر مقومات أساسية وقسمات واضحة. تدعونا لضرورة البحث عن خبايا هذا الخلل ودراسة أبعاده في محاولة لاكتشاف البواعث وفي محاولة للمداواة والإصلاح. نحو ابتكار وإبداع حالة أخرى وجديدة مغايرة للفوضى التي استبدت بنا أو حتى نحو ردة جديدة لحالة ثقافية تمثل أزياء شاعت وسادت في أزمنة تاريخية معاصرة ربما “الملايا اللف” و”الخلخال” لدى نسائنا. وربما “العمامة” و”الجلباب” الأصيل لدى فلاحنا الفقير أو “الطربوش” و”البدلة التقليدية” لدى الأفندي المصري الأصيل أيضا.

اقرأ أيضا:

باريس المصرية

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر