أبراج سكنية على أرض متحف بورسعيد القومي

أصبحت أرض متحف بورسعيد القومي محل جدل من جديد. فبعد مرور أكثر من 10 سنوات على هدم المتحف بهدف إعادة بناءه، تم الإعلان عبر لافتات عن مشروع أبراج سكنية بالمنطقة نفسها، التي تقدر مساحتها بـ11 ألف متر مربع، وتطل على المدخل الشمالي لقناة السويس ملتقى قارات العالم القديم (آسيا – إفريقيا – أوروبا).

وكان متحف بورسعيد القومي نسخة مُصغرة من المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط.

مشروع سكني

وأثار إعلان مشروع الأبراج السكنية، غضب سكان بورسعيد نظرا لأهمية موقع المتحف. وطالبوا مسؤولي المدينة بضرورة إيضاح سبب هذا الإعلان. وحقيقة استغلال الأرض التابعة لوزارة السياحة والآثار بشكل تجاري.

تواصل «باب مصر» مع أحمد السيد الصاوي أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة، وأبرز المدافعين عن أرض المتحف الذي أوضح أن بداية الأزمة ترجع إلى أكثر من 10 أعوام حين ظهرت اختلالات في مبنى المتحف لعيوب إنشائية. وتم إسناد عمليات الترميم لشركة وادي النيل للمقاولات وحصلت على جزء من مبلغ التعاقد.

ثم أخطرت الشركة هيئة الآثار بأن المبنى لا يمكن ترميمه ويجب هدمه بالكامل وإعادة البناء. وبالفعل، تم إخلاء المتحف ونُقلت محتوياته لمخازن هيئة الآثار.

ويتابع: “نفذ مكتب استشاري تصميم جديد للمتحف تسلمته الشركة المنفذة التي طلبت تسوية مستحقاتها عن عملية الهدم وإزالة الأنقاض مع دفعة مقدمة من عقد البناء الجديد. ثم توقف كل شيء مع ثورة يناير وما أعقبها”.

من يمتلك أرض متحف بورسعيد؟

وعن أرض المتحف، أوضح الصاوي أنه لم يطرأ تغيير قانوني على وضعيتها وهي كما يلي، حوالي 5 آلاف متر مربع صدر بها قرار رئيس الجمهورية تخصص لبناء متحف بورسعيد في عام 1963، و1190 متر مربع اشترتها هيئة الآثار وسددت مقابلها للقاعدة العسكرية التي كانت تشغلها.

حوالي 6 آلاف متر مربع صدر قرار من رئيس الوزراء بتأجيرها للمتحف مقابل إيجار سنوي رمزي يدفع لهيئة قناة السويس المالك لتلك الأرض.

ويقول الصاوي: “الملفت للنظر في لافتات الإعلان عن مشروع الأبراج في موقع المتحف أنها تضم إلى جانب شركة مكسيم وهيئة قناة السويس اسم محافظة بورسعيد. على الرغم من أنها وفقا للتطور بالمنطقة لا تملك شبرا واحدا يطل على قناة السويس”.

متحف بورسعيد القومي
متحف بورسعيد القومي
لماذا لم يتم بناء المتحف؟

وعن سبب عدم بناء متحف بورسعيد القومي طوال هذه الأعوام، أوضح أنه حاولت هيئة الآثار الحصول على ميزانية لبناء المتحف بعد عام 2016 ولكن مواردها لم تكن كافية.

ويستكمل لـ”باب مصر”: “ثم وافق المجلس الأعلى للآثار على أن تطرح الأرض لاستثمار مشترك سواء مع جهة حكومية أو قطاع خاص وذلك من أجل بناء المتحف”.

وتم تداول معلومات في إحدى جلسات مجلس الشعب أنه تم التوصل مع مستثمر وطني على بناء منشآت تجارية استثمارية على الأرض نظير قيامه ببناء مبنى للمتحف بمساحة 2000 متر مربع على طابقين. وذلك دون تحديد إذا ما كانت قطعة الأرض المخصصة للمتحف ستكون 2000 متر مربع أم أنها ألف متر مربع على طابقين. وذلك من مجمل المساحات الثلاث المخصصة للمتحف والتي تتجاوز 11 ألف متر مربع.

ثم اختفى هذا المشروع تماما وظهر اقتراح بأن يخصص طابق من مبنى هيئة قناة السويس للمتحف. ويتم التخلي عن أرض المتحف ولكن ذلك لم ينفذ بل وتعاقدت هيئة قناة السويس مع شركة فرنسية لتحويل مبنى الهيئة بكامله إلى فندق.

لافتات مشروع الأبراج السكنية

قبل أكثر من شهرين وضعت لافتات على موقع المتحف تشير إلى مشروع بناء أبراج سكنية وتحمل اسم الشركة الفرنسية التي ستبني الفندق لهيئة قناة السويس (مكسيم) ومعها شعار كل من محافظة بورسعيد وهيئة قناة السويس.

وذلك دون تحديد لمساحة المشروع. وهل سيقام فقط على ما تمتلكه هيئة قناة السويس أم سيشمل أرض المتحف المخصصة له بقرار رئاسي وتلك التي اشترتها هيئة الآثار.

ولم يعلن عن صدور قرار من رئاسة الجمهورية بإلغاء قرار التخصيص الصادر في عام 1963. ولم تعلن هيئة الآثار عن بيعها لقطعة الأرض التي تملكها. بل أن رئاسة الوزراء لم تعلن عن فسخ عقد إيجار قطعة الأرض التي تملكها.

قيمة أرض المتحف 

هل بناء المتحف في مكان آخر يُنهي الأزمة؟ وهل الأزمة تكمن في عدم وجود متحف في بورسعيد أم في قيمة الأرض نفسها.

أوضح أستاذ الآثار الإسلامية، أن منطقة المتحف تحتل موقعا استراتيجيا عند مدخل قناة السويس. وكان المتحف يحقق إيرادات جيدة نظرا لقربه من باب الميناء الذي يدخل عبره السائحين القادمين بالبواخر. وكانت زياراتهم تدر دخلا جعل المتحف ثاني أكبر متاحف مصر إيرادات.

بالإضافة إلى أن إقامة أبراج سكنية شاهقة الارتفاع وتطل على المجرى الملاحي للقناة أمر يتعارض أولا مع اعتبارات تأمين المجرى من الأعمال الإرهابية. وثانيا ينافي النواحي الجمالية والتاريخية التي ينبغي الحرص عليها في واجهة المدخل الشمالي لقناة السويس، على حد وصفه.

فضلا عن تقدير القيمة السوقية لأرض المتحف بمبلغ يتجاوز 30 مليار جنيها. ويستكمل: “شركة مكسيم تعاقدت كما هو واضح من الإعلانات مع كل من محافظة بورسعيد وهيئة قناة السويس. وحسبما هو معلن فإن المحافظة لا تملك أرضا في هذا المكان”.

ويوضح أنه لدى هيئة قناة السويس أرضها التي تطل على المجرى. أما الجزء الغربي كان ملكا للقوات المسلحة باعت جزءا منه لتشيد عليه أبراج تطل على شارع 23 يوليو. وخصص قرار رئيس الجمهورية جزءا لأرض المتحف واستوفت هيئة الآثار بالشراء بقية أرض القوات المسلحة.

وطالب الصاوي بالإفصاح عن أطراف المشروع والوضع القانوني لأرض هذه الأبراج “هذه مباني سكنية وليست قاعدة عسكرية ليتم حجب المعلومات عنها” كما أوضح.

اقرأ أيضا| أين كان يعيش عبدالوهاب وعلاقته بفيلا الزمالك المعروضة للبيع؟

أهمية متحف بورسعيد

وعن أهمية متحف بورسعيد نفسه، فهو من أقدم المتاحف القومية في مصر ونشأ قبل المتحف القومي بالإسكندرية. وهو ليس متحفا إقليميا ولديه مقتنيات نادرة مرشحة للزيادة والإثراء.

يقول صلاح الهادي، مدير عام الآثار ومنسق عام نقابة الأثريين تحت التأسيس: “وجود هذا المتحف هو ضرورة  لمدينة كبرى تقع على ناصية العالم ويقصدها زوار أجانب. يفضل أن يطالعوا وجه مصر الحضاري عندما تطئ أقدامهم البلاد ففي ذلك دعاية فعالة للسياحة”.

وتابع الهادي لـ”باب مصر” أن المتحف يستطيع أن يلعب دور القلب في منشآت سياحية أخرى مجاورة مثل فنار بورسعيد وهو أقدم مبنى خراساني في العالم ويمكن تحويله لمتحف. وكذلك مبنى القبة الخاص بهيئة قناة السويس بل وهناك البيت الإيطالي على قيد خطوات منه. ويمكن ترميمه بالتعاون مع الجانب الإيطالي ليحتضن أنشطة فنية وثقافة تعبر عن حضارة المتوسط.

والمتاحف الآن تلعب أدوارا تثقيفية وتعليمية هامة وبورسعيد مدينة مليونية تحتل قمة مؤشرات التنمية في مصر. وهي في أمس الحاجة لتلك الأدوار علما بأن المتحف كان رائدا في مجال التربية المتحفية.

أزمة متحف قومي

وعن إمكانية حل الأزمة، يقول الهادي: “لو صدر قرار من رئيس الوزراء بإلغاء عقد إيجار الأرض مع المتحف. ولو صدر قرار رئيس الجمهورية بإلغاء قرار تخصيص الأرض الأصلية للمتحف. ولو تنازلت أو باعت قطعة الأرض التي تملكها بالشراء. إذا حدث ذلك ورغم عدم اقتناعي بتشييد أبراج سكنية في هذه البقعة الفريدة يمكن أن تحل المشكلة عمليا بتخصيص قطعة أرض أخرى للمتحف ورصد ميزانية لتشييده خلال ثلاث سنوات”.

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر