«نزع».. مشروع بصري يوثق مقابر القاهرة قبل اختفائها من الذاكرة

شاركت المصورة الفوتوغرافية «دعاء عادل» في فعاليات «أسبوع القاهرة للصورة» من خلال مشروع بصري بعنوان «نزع»، ضمن المعرض الجماعي «سرد»، الذي تقام فعالياته حتى 18 مايو في فيلا «بيت» بباب اللوق. يسلط المعرض الضوء على جانب من التحولات العمرانية التي شهدتها القاهرة التاريخية خلال الأعوام الماضية، لاسيما في مناطق المقابر القديمة، في محاولة لتوثيق فقدان طبقة من الذاكرة الجمعية.
أرشفة الذاكرة قبل محوها
توثق دعاء من خلال مشاركتها، منطقة مصر القديمة في القاهرة. وبحسب وصف المعرض: «يتم هدم المقابر في إطار عمليات التطوير الحضري. يتناول المعرض تأثير إزالة هذه الأماكن على الذاكرة الثقافية والروحانية للسكان. مع التركيز على كيفية تلاشي آثار الماضي، وما تبقى من هذه الأماكن بعد الإزالة».
تتحدث دعاء عن كواليس مشاركتها في المعرض، وتقول في حديثها لـ«باب مصر»: «بدأت التقاط الصور في عام 2023، تحديدًا مع بدء أعمال الإزالة والهدم في منطقة قرافة الإمام الشافعي والسيوطي. واستمر التوثيق حتى عام 2025. شعرت بأن ما يحدث هناك لا يمكن أن يمر دون توثيق. ليس فقط لأن المكان غني بالتاريخ، بل لأنه يحمل حياة كاملة تنزع من جذورها».
اختارت دعاء مشروع «نزع» بدافع الإحساس بالمسؤولية تجاه ما تبقى من ذاكرة القاهرة القديمة، مؤكدة أن التوثيق البصري أصبح ضرورة ملحة في ظل التغييرات السريعة التي تطرأ على معالم المدينة. وتستكمل: «أعمال التطوير قد تكون ضرورية، لكن التوثيق البصري يحفظ للمكان روحه. نحن لا نحتفظ بالأماكن فقط كجدران، بل كحكايات. ولهذا وجدت من المهم أن ألتقط الصور كأرشيف بصري للأجيال القادمة».
تنسيق بصري يحكي قصتين
جاء تنسيق المعرض بالتعاون مع فارس زيتون وإبراهيم بهاء، اللذين اختارا عرض المشروع بطريقة تبرز المشهد العام قبل الإزالة. فيما يتم عرض صور الهدم والتغيير كجزء من الصورة الكلية. توضح دعاء: «الهدف من هذا التنسيق هو خلق مقارنة بصرية صامتة لكنها مؤثرة، توضح ما كان وما صار، وتجعل المتلقي يشهد الفارق بعينيه دون تعليق».
الكاميرا في يد دعاء لا تسجل حدثًا فقط، بل تعبر عن موقف. فهي مؤمنة بأن الذاكرة يجب أن تصان، حتى لو عبر صورة. وفي حديثها لـ«باب مصر»، تؤكد دعاء على أهمية الصورة كوسيلة لحفظ الذاكرة البصرية والتاريخية. مشيرة إلى أن الصور الفوتوغرافية قد تصبح يومًا ما مرجعا أساسيا لفهم ملامح الحاضر. تمامًا كما نعود اليوم إلى لوحات المستشرقين لنكتشف من خلالها ملامح مصر في العصور الماضية.
وعلى حد وصفها، فإن الصورة ليست مجرد فن، بل هي وثيقة بصرية. وهذا يتّضح بصورة أكبر في مدن تتغيّر ملامحها سريعًا مثل القاهرة. وتضيف: «مع الطفرة العمرانية التي تشهدها المدينة، أصبح التوثيق البصري ضرورة، لا ترفًا. لأن هذه الصور ستكون لاحقًا أرشيفًا مهمًا للأجيال القادمة».
تحديات وإصرار
وعلى الرغم من صعوبة التصوير في بعض المناطق التي قامت بتوثيقها. تؤكد دعاء أنها لم تواجه صعوبات تُذكر أثناء التصوير، مضيفة: “لم أواجه أية عراقيل خلال العمل، ربما لأن الهدف من المشروع كان واضحًا”. وعن رؤيتها لمستقبل المشروع، تقول: «أتمنى ألا تظل هذه الصور جزءًا من معرض مؤقت فقط. بل أن تجمع في كتاب خاص أو تعرض في معرض موسع يركز على توثيق ملامح القاهرة، ولا سيما منطقة «مدينة الموتى». لما تحمله من دلالة روحية وثقافية عميقة».
وتشير دعاء إلى أنها بدأت مشوارها مع التصوير قبل نحو خمس سنوات. حيث وجدت شغفها في التصوير التوثيقي والحياة اليومية في الشوارع، قائلة: «بدأت التصوير كهواية، رغم أنّ لي خلفية مهنية في مجال الصحافة. وكان من الطبيعي أن أدمج بين التوثيق البصري والسرد القصصي الإنساني».
عبّرت المصوّرة دعاء عادل عن شغفها الكبير بتوثيق الحياة اليومية في مصر، مع تركيز خاص على “الحرف التراثية” التي تواجه خطر الاندثار بفعل تغيّر الزمن وسرعة التحديث. ترى دعاء في الصورة وسيلة لحفظ ما قد يختفي قريبًا، ونافذة للأجيال القادمة للتعرف على جذور الثقافة المصرية.
ذاكرة مصر إلى العالم
وعلى مدار مسيرتها الفنية، شاركت دعاء في عدد كبير من المعارض داخل مصر وخارجها. وعرضت أعمالها في دول مثل: الهند، العراق، إنجلترا، السعودية، وألبانيا. مما أتاح لها إيصال ملامح مصر الشعبية والتراثية إلى جمهور دولي متنوع. ونظرًا لتميز أعمالها في التصوير الفوتوغرافي الوثائقي. نالت دعاء، العديد من الجوائز المرموقة، من أبرزها: المركز الثاني في مسابقة “تراثي” القاهرة عاصمة الثقافة برعاية وزارة الثقافة المصرية ومنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة.
بالإضافة إلى حصولها على المركز الثاني في “ويكي تهوى إفريقيا” برعاية ويكيبيديا. والمركز الثالث في مسابقة أفضل صورة صحفية في مصر عن فرع القصة المصورة لعام 2023. وفازت بالمركز الأول في مسابقة Rise Africa عن موضوع احتفالات الموالد الشعبية في مصر. والمركز الأول في مسابقة التصوير الفوتوغرافي لمؤسسة نديم للأعمال الخشبية. والمركز الأول في مسابقة Oppo Egypt.
اقرأ أيضا:
هل تخالف الأعمال الجارية بحديقة «المسلة» دليل حماية الحدائق التراثية؟