«مطبوعات القاهرة».. معرض يحكى تاريخ «بوسترات» المدينة

للعام الثاني على التوالي، نظم جاليري «كايروبوليتان» معرض عن فن الملصقات والبوسترات، لإلقاء الضوء على فن يعد جزءا أساسيا من سمات مدينة القاهرة، حيث يتم استخدامه على مدار ما يزيد عن مائة عام، في أكثر من مجال وبأكثر من شكل، من لافتات للوحات ومطبوعات ورقية وغيرها.

مطبوعات القاهرة

ويأتي المعرض، الذي يتواصل حتى 14 يونيو الجاري، بمشاركة أكثر من 150 فنانا ومصمم جرافيك مصري ومن جنسيات أخرى، لعرض ما يزيد عن 500 عمل، تشترك جميعا في تجسيد القاهرة من رؤية كل منهم، وهذا ما يتناسب مع الهدف الأساسي لمشروع «كايروبوليتان» المستوحى من الحياة اليومية في القاهرة، وعناصرها التي اختفى بعضها بالفعل.

حيث يوثق الجاليري هذه التفاصيل والعناصر المكونة لها بسلسلة من المنتجات غير التقليدية بعيدًا عن فنون الحضارات المصرية الإسلامية والفرعونية، ولكنها تعكس ما نراه ونعيشه في أيامنا هذه، فترى فيها شكل القاهرة بواقعها اليوم، منتجات مألوفة لأشخاص يعرفون القاهرة جيدًا.

إقامة المعرض نفسه في ثلاثة أماكن في وقت واحد، بسبب الإجراءات الاحترازية المتبعة خوفا من عدوى فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، حيث يُقام المعرض في جاليري «كايروبوليتان»، والمعهد الفرنسي بالمنيرة، والمعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية.

شارك في المعرض عدد من الفنانين ومصممي الجرافيك الشباب لعرض أعمال البوسترات والملصقات من أجيال أقدم، وجاء اختيار الاعمال المشاركة من خلال ترشيح كل فنان عدد من أعماله للجاليري، ليتم الاختيار منها لاحقا، والمميز في المعرض هو إمكانية اقتناء المعروضات او استغلالها في منتج ما بطريقة أخرى.

الرسم اليدوي والرقمي

 تنوعت الأعمال المعروضة وفقا للتقنيات المستخدمة أيضا، بين الرسم اليدوي أو التقنية الأحدث “الجرافيك” والمعروفة أيضا بالرسم الرقمي، ويقول الفنان سامح يواكيم لـ«باب مصر» عن مشاركته الثالثة مع «كايروبوليتان»: إن المنظمين اختاروا عملا له يحمل عنوان «عمال مصريين»، ويتضمن الملصق الصورة التقليدية لاثنين من العمال المصريين.

ويظهر العاملان بالصورة المعتادة وهما مرتديان الجلباب المصري الشهير وعمامة، أحدهما هزيل يحمل مطرقة معدنية ثقيلة فوق كتفه الأيمن، والآخر بدين يجلس ليستريح ممسكا في يده كوب شاي وسيجارة، ويقول سامح: “هذه هي الصورة التقليدية للعمال المصريين الذين بعضهم لا يفارق يده كوب الشاي والسيجارة من حين للآخر أثناء العمل”.

«الاعتماد على التكنولوجيا الرقمية حاليا لم يغير من هوية فن البوستر» هذا رأي مصمم الجرافيك أحمد شعبان، موضحا لـ«باب مصر» أن هذا الفن يتناسب مع كل مرحلة زمنية من خلال الإمكانات المتاحة، وقديما في مطلع القرن العشرين كان يعتمد على اللونين الأبيض والأسود فقط، ثم تطور الامر لاستخدام الألوان.

ومع نهاية القرن العشرين تم استخدام التقنيات الحديثة مع الرسم، أما حاليا فأصبح فن البوستر يعتمد بشكل كامل على التكنولوجيا الحديثة، حتى لو كان العمل ذو رسم يدوي مُسبق، ويوضح شعبان: “باختلاف التقنية فإن الأمر يتوقف على الفنان وقدرته على لتعبير من خلال الملصق على تصرف المواطن والطابع الوطني لكل مرحلة زمنية”.

أصله فرعوني

برغم عدم الاحتفاء المستمر بفن الملصقات في مصر، إلا أنه يحظى بمكانة عالمية، وذلك منذ ظهوره قبل 155 عاما في أوروبا، ومنذ ذلك الوقت انتشر بسرعة كبيرة من دولة إلى أخرى، حيث غير مفهوم الفنون في العالم.

ويروي لـ«باب مصر» الفنان التشكيلي والناقد الفني عبدالرازق عكاشة، تاريخ تطور الملصقات، الذي بدأ بالاعتماد على الصورة المباشرة التشكيلية بأغراض الدعاية والإعلان، ولكن تطور الوضع وصار فن البوستر قائما بذاته معتمدا على فنون الجرافيك، حتى أصبح حاليا فن يدرس داخل الأكاديميات الفنية وكذلك يستخدم في الطباعات الفنية والفنون البصرية.

تطور فن البوستر بعد ذلك لاستخدامه في الكتب العلمية، ونقل طبعات من الكتب عبر العالم من خلال فن الملصقات، ويوضح عكاشة أنها شبيهة بالمستخدمة في سلسلة كتب “وصف مصر”، الذي اعتمد على رسم البوسترات من خلال اللوحات الأصلية التي رسمها المستشرقين المصاحبين لنابليون بونابرت في مصر.

ولكن يرجح عكاشة أن تاريخ فن الملصقات يرجع إلى عهد الفراعنة، حيث تم العثور على العديد من اللوحات الحجرية التي تحمل الصورة نفسها مكررة، باعتباره فن تاريخي قديم هدفه تقديم ملامح تاريخية، وبدأ مع المصريين القدماء من خلال النحت على الأحجار.

معارض أوروبية

تنظيم معرض “مطبوعات القاهرة” يأتي أسوة بالمعارض الأوروبية، حيث أوضح أن هذه الفنون يُقام لها معارض سنويا في أوروبا، مع وجود متحف خاص لفن الملصقات في باريس، وأجنحة مخصصة لفن البوستر مثل قسم خاص للبوستر في متحف “اللوفر”، وكذلك في متحف “أورساي”، في باريس، وتتناول تاريخ تطورها ونقلها للبشر من الدعاية البسيطة لفن مستقل بذاته.

يشمل المعرض مشاركات أعمال فنية لأربعة أجيال، هي الطريقة نفسها التي تُعقد بها مسابقات سنوية في أوروبا، ليشارك بها من يحتفظون بأندر البوسترات، ويقول: “المقارنة بين الأعمال تعطي دلالة عن طريقة المعيشة والتفكير في كل حقبة زمنية، ويظهر ذلك في البوسترات المصرية في الأربعينات ثم الخمسينات والستينات حتى الآن”.

الشراكة الفرنسية

يعتقد الناقد الفني أن شراكة المعرض المصري لإقامة المعرض بالتعاون مع المعهد الفرنسي بالقاهرة، يرجع إلى تاريخ فن الملصقات في فرنسا ونضال العديد من الفنانين الفرنسيين باستخدام فن الملصقات، خاصة أنه هناك تواريخ هامة جدا لهذا الفن، أثرت في أحداث العالم.

ظهر تأثير فن الملصقات خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، ويوضح الفنان التشكيلي أنه تم استخدامه في مهاجمة النازيين، من خلال التفكير في كيفية تطوير وإنتاج كميات كبيرة جدا من الملصقات، لتعلق بالشوارع ضد هتلر والنازية، وبهذا ساهمت في إيجاد حلول لزيادة الإنتاج.

أما بعد الحرب العالمية الثانية، كان يتم إلقاء القبض على المثقفين الفرنسيين، مما دفع الفنانين الآخرين للتبرع بالمرسم للضغط على المسؤولين من خلال أعمالهم الفنية وإخراج الفنان، ومنهم الفنان “غوستاف كوربيه” رائد الانطباعية الذي سُجن لمدة 6 أشهر، لكن انتشار البوسترات في الشوارع والمقاهي أدى إلى نجاح الضغط وخروجه من محبسه، وكذلك مع “أوسكار كوكوشكا” الذي حاربه هتلر ووصف فنه بأنه منحط، فخرجت المظاهرات والكل حامل ملصقات مدون عليها “يحيا الفن المنحط ويسقط هتلر”.

اقرأ أيضا

ثقافة وإنسانية.. «دقوا الجدران» سلاح فني لدعم أطفال فلسطين

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر