مزاد فني لدعم «درب 1718» بعد هدم مقره: الفنانون يردّون الجميل

أطلقت مؤسسة «درب 1718» للفنون المعاصرة مبادرة فنية استثنائية تمثلت في تنظيم مزاد فني استمر لمدة 10 أيام بمؤسسة “تراثنا”، بهدف جمع التبرعات اللازمة لشراء مقر جديد، بعد إزالة مقرها الرئيسي في منطقة الفسطاط بحي مصر القديمة في يناير 2024، بسبب أعمال التوسعة في المنطقة.

دعم درب 1718 للفنون المعاصرة

قال معتز نصر الدين، مؤسس «درب 1718»، إن فكرة المزاد جاءت في إطار محاولات المؤسسة للعودة إلى المشهد الثقافي والفني بعد فترة من العمل المحدود استمرت عدة أشهر. وأضاف في تصريحات خاصة لـ«باب مصر»: “رغبتنا كانت واضحة في أن نعيد إحياء درب 1718 ليستكمل دوره المجتمعي والثقافي. سواء مع أهالي المنطقة أو مع الفنانين الذين احتضنهم المكان لأكثر من 18 عاما”.

جاء هدم مقر المؤسسة في يناير 2024 بناء على إخطار من رئيس حي مصر القديمة، تمهيدا لإزالة المبنى لشق الطريق. ولم تُخطر المؤسسة من قبل الجهة الإدارية بشكل قانوني. كما لم تطلع أيضا على خطة تطوير المنطقة أو بحث البدائل والإجراءات الأخرى التي تقتضيها القوانين. مما دفعها إلى رفع الدعوى رقم 65501 لسنة 1977 شق مستعجل، والمتعلقة بمنازعات الهدم، أمام مجلس الدولة.

وتابع نصر الدين: “عملنا خلال الفترة الماضية في مساحة محدودة، لكننا فكرنا في مخاطبة الفنانين الذين تعاونوا معنا على مر السنوات. واقترحنا تنظيم مزاد لدعم إنشاء مقر جديد، يكون أكبر وأكثر استدامة. وقد فوجئنا بتجاوب كبير من فنانين داخل مصر وخارجها”.

معرض فني بمؤسسة تراثنا لدعم مؤسسة درب 1718 بهدف النقل إلى مقر جديد
معرض فني بمؤسسة تراثنا لدعم مؤسسة درب 1718 بهدف النقل إلى مقر جديد
رد الجميل!

يشمل المزاد أعمالا فنية عديدة تبرع بها الفنانون خصيصا لهذا الغرض. بعضها يُعرض للبيع إلكترونيا، خصوصا تلك التي أرسلها فنانون غير مصريين ولم تصل فعليا إلى القاهرة بعد. وأوضح نصر الدين أن الفنان هو من يحدد النسبة التي يرغب في الحصول عليها من ثمن العمل. بينما تذهب النسبة المتبقية لدعم المؤسسة. مؤكدا: “درب 1718 لم يكن يوما مساحة تجارية للبيع والشراء، بل كان دوما مساحة لخدمة الفن والمجتمع”.

وأضاف: “ردود الفعل التي تلقيناها كانت مؤثرة للغاية، وعكست مدى المحبة والامتنان المتبادل. من الواضح أن الناس لم تنس درب، أو الجهد الذي بذلته المؤسسة على مدار 18 عاما لخدمة الثقافة والفن والمجتمع”. وأعرب عن أمله في أن تنجح جهود المؤسسة في العودة إلى المشهد الثقافي من جديد. بعد إزالة مقرها في يناير 2024 بسبب مشروعات التطوير العمراني.

وقال: “نجتهد ونحاول بكل ما نملك من طاقة، ونأمل أن تسير الأمور في الطريق الصحيح لنتمكن من استعادة درب 1718 واستكمال رسالته الثقافية والفنية”.

دعم فني

أكد نصر الدين أن المزاد الفني شهد مشاركة واسعة من الفنانين. سواء داخل مصر أو خارجها، وتنوعت الأعمال المعروضة بين التصوير الفوتوغرافي، واللوحات، وأعمال النحت. وأضاف: “بالنسبة لي، كل من شارك في المزاد له نفس المكانة، سواء كان فنانا شابا أو اسما كبيرا. المهم هو التفاعل والدعم. وهو ما لمسناه بوضوح”.

ومن بين الفنانين المشاركين، أسماء بارزة مثل الفنان الكبير جورج بهجوري، والفنان الكبير أحمد مرسي. إلى جانب عدد كبير من الفنانين الشباب الذين أبدوا تضامنهم الكامل.

كما أرسل فنانون من خارج مصر صورا لأعمالهم للمشاركة. رغم التحديات المرتبطة بفرق الأسعار وصعوبة تسويق هذه الأعمال في السوق المحلي. وقال نصر الدين: “وإن لم تبع تلك الأعمال، فإن مجرد الموقف والدعم الرمزي له أثر كبير علينا، ويؤكد أن ما قدمناه طوال السنوات الماضية لم يكن بلا قيمة”.

رسالة عبر الأجيال

يتجاوز طموح نصر الدين مجرد إعادة افتتاح مقر جديد، موضحا: “درب 1718 لا يجب أن يظل مرتبطا بشخصي فقط. أتمنى أن تصبح المؤسسة كيانا قائما بذاته، يستمر في أداء رسالته حتى بعد رحيلي. وتُسلم الراية لأجيال جديدة من الفنانين والفاعلين الثقافيين”.

وتابع: “هذا هو الحلم الحقيقي، أن يستمر درب 1718 كمنصة للفن والمجتمع، لا تنطفئ، بل تتجدد مع الزمن”. بالتزامن مع مواصلة المؤسسة جهودها لإيجاد مقر بديل. ويرى نصر الدين أن مسألة الانتقال إلى مقر جديد ترتبط بالإمكانات المالية. مضيفا: “الأمل كبير في أن تجد المؤسسة مكانا مناسبا يعيد نشاطها قريبا”.

دور مجتمعي

أوضح نصر الدين لـ«باب مصر» أن هدف المؤسسة لم يكن يوما مقتصرا على عرض الفنون فقط، بل كان لها منذ البداية دور مجتمعي واضح. خاصة في تعاملها مع المجتمعات البسيطة المحيطة.

وأضاف: “اختيار موقع درب 1718 السابق لم يكن عشوائيا. بل كان في منطقة غير مركزية، لأننا نؤمن بأن الفن يجب أن يكون في قلب الناس وبينهم”. وأشار إلى أن المؤسسة تسعى حاليا لاختيار مقر جديد يحقق التوازن بين الاستمرارية الفنية والتأثير المجتمعي. قائلا: “عُرضت علينا أماكن عدة من بعض الشركات. لكننا حريصون على أن يكون المقر الجديد قريبًا من الناس، حتى نواصل رسالتنا كما بدأناها”.

معرض فني بمؤسسة تراثنا لدعم مؤسسة درب 1718 بهدف النقل إلى مقر جديد
معرض فني بمؤسسة تراثنا لدعم مؤسسة درب 1718 بهدف النقل إلى مقر جديد
تكرار التجربة

عن تجربة المزاد الفني، أشار نصر الدين إلى أنها ما زالت تلقى تفاعلا متزايدا. إذ يتواصل الفنانون مع المؤسسة للمشاركة، رغم قصر فترة الترويج. ولفت إلى أن التجاوب فاق التوقعات، ما يدفعهم للتفكير في تكرار التجربة مستقبلا. “الفكرة أثبتت أهميتها، والاهتمام المتزايد يعكس تقدير المجتمع الفني. لما تمثله درب 1718 كمساحة حرة للإبداع والعمل الثقافي”.

وأكد نصر الدين أن الدعم لا يقتصر فقط على المشاركة في المزادات الفنية أو المعارض، بل ترحب المؤسسة بأي نوع من المساعدة التي تسهم في إعادة تشغيلها، خاصة من خلال الدعم العيني.

مساهمات عينية

قال نصر الدين: “نُفضل المساهمات العينية على التبرعات المالية، مثل توفير أجهزة كمبيوتر، كراسي، أدوات موسيقية، سماعات، أو حتى المشاركة في بناء المسرح الجديد. هذه الأشياء بالنسبة لنا أهم بكثير من المال، لأنها جزء من البنية الأساسية التي نحتاجها للعودة”.

وأوضح أن قبول الدعم المادي يطرح دائما إشكاليات تتعلق بالإجراءات القانونية والشفافية، مضيفا: “نحرص على أن تظل المؤسسة بعيدة عن أي شبهات أو توترات، ونلتزم بالقوانين والضوابط، ولهذا نفضل دائما أن يكون الدعم من خلال تلبية احتياجات عملية”.

عن تجربة ما بعد الهدم

تحدث نصر الدين عن تجربة ما بعد هدم مقر المؤسسة مطلع عام 2024، قائلا: “مر عام ونصف تقريبا منذ إزالة المقر، وكانت البداية صعبة. شعرت في لحظات كثيرة بنوع من القهر. أنا لست شابا صغيرا، وقد واجهت مصاعب كثيرة في حياتي، لكن هكذا هي الدنيا: شيء يُهدم، وآخر يُبنى”.

وأضاف: “رغم قسوة التجربة، أؤمن أن من النادر أن يمنح الإنسان فرصة ليعيش حياته مرتين أو ثلاثا. وأنا أعتبر هذه الفرصة فرصة جديدة، لبداية مختلفة”.

تجاوز الصدمة

استكمل نصر الدين حديثه عن اللحظات الصعبة التي مر بها بعد الهدم، مؤكدا أن ما حدث كان بمثابة صدمة، لكنه اختار تجاوزها بإيمان وأمل في بداية جديدة. وقال: “أدركت ما حدث من هدم للمقر القديم، وقلت لنفسي: هذه مشيئة الله، وربما يكون في ما حدث خير لم أدركه بعد. خاصة أن مهمتي الأساسية هي خدمة المجتمع، ونشر الفن، ودعم الفنانين الشباب ليعبروا عن أنفسهم ويصل صوتهم للجمهور. وهذه الرسالة أهم من أي صدمة أو تحد”.

وأشار إلى أن هناك من يدرك قيمة ما تقدمه المؤسسة، قائلاً: “في البلد ناس كتير بتفهم، من مسؤولين ومحبين للفن، حاولوا يدعمونا بالفعل، لكن الظروف كانت أكبر من الجميع. ومع ذلك، نحن الآن نحاول الوقوف من جديد، وسننجح بإذن الله”.

ويعتبر نصر الدين أن ما ينتظر “درب 1718” هو بداية جديدة: “ربما ننتقل إلى مكان آخر، ونتعامل مع جمهور ومجتمع مختلف، ونواصل رسالتنا من هناك”. واختتم حديثه قائلا: “حب الناس لا يقدر بثمن. منذ لحظة الهدم وحتى الآن، شعرت بهذا الحب والدعم من الجميع، سواء من الفنانين أو المسؤولين أو الناس البسيطة. وهذا أكبر دليل على أننا كنا نمضي في الطريق الصحيح”.

اقرأ أيضا:

مؤسس درب 1718 يكشف حقيقة إلغاء قرار هدم الصرح الثقافي| خاص

هدم «درب 1718» بدون إنذار مسبق.. ومالكه: الخسارة كبيرة ماديا ومعنويا!

«درب 1718».. قرار «شفاهي» بهدم ملتقى الفنانين والحرفيين

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.