حكايات الكابتن غزالي.. كيف يخطط نجله لإحياء فرقة «ولاد الأرض»؟

في قلب مدينة السويس، التي مثلت درة التاج وأيقونة للصمود والنضال، يخطو الحاج أحمد غزالي، نجل شاعر المقاومة الكابتن غزالي، خطوة ملهمة وجريئة لإحياء فرقة «ولاد الأرض» التي أسسها والده الراحل في إحدى أهم فترات التاريخ المصري الحديث، وتحديدا خلال حرب الاستنزاف. وتأتي هذه المبادرة كمحاولة للمحافظة على تراث فني ووطني فريد، جمع بين الكلمة والموقف، وبين اللحن والمعركة، والغنوة والرصاصة.

ولمن لا يعرف الكابتن غزالي، فهو محمد أحمد غزالي، من مواليد 10 نوفمبر عام 1928 بمدينة السويس. وكان أحد رموز المقاومة الشعبية في فترات الاحتلال الإنجليزي والعدوان الثلاثي، حتى حرب 1973. وقد عايش شاعر السمسمية جميع الحروب التي خاضتها مصر، من النكسة وحتى ثورتي 25 يناير و30 يونيو، حتى وفاته في 2 إبريل 2017.

ولادة فرقة ولاد الأرض من رحم الخنادق

كانت فرقة “ولاد الأرض” رمزًا لحكاية وطن، خطها رجال عاشوا في زمن كانت فيه الكلمات والأنغام سلاحًا لا يقل أهمية عن البندقية. واليوم، يسير أحمد غزالي، نجل شاعر المقاومة، على الدرب نفسه، حاملاً الشعلة. أملًا في بناء مستقبل فني وثقافي مشرق يليق بتاريخ شعب المقاومة.

ويقول الحاج أحمد غزالي، إن فرقة “ولاد الأرض” تأسست عقب هزيمة 1967 بهدف شحذ الهمم ورفع المعنويات الخاصة بالجنود والشعب. ولم تكن مجرد فرقة غنائية، بل كانت حالة وطنية خالصة.

ويضيف: “بدأت الحكاية تحت اسم (فرقة البطانية)، حيث كان أعضاء المقاومة الشعبية بمدينة السويس يجتمعون ليلًا على بطانية عسكرية مفروشة بأرض أحد الخنادق، يرددون الأغاني على نغمات السمسمية. بمشاركة محترفين في العزف على الآلة الطربية التي اشتهرت بها مدن القناة. ومع تطور الحالة الوطنية واتساع الرقعة الفنية، قرر والدي أن يمنح هذه التجربة اسماً أكثر تعبيرًا عن رسالتها، فأطلق عليها (ولاد الأرض)، وقد تجولت الفرقة في مختلف معسكرات الجيش لرفع الروح المعنوية للجنود”.

مكتبة الكابتن غزالي في السويس
مكتبة الكابتن غزالي في السويس
شخصيات بارزة انضمت لفرقة «ولاد الأرض»

يشير نجل شاعر المقاومة إلى أن الفرقة ضمت شخصيات بارزة في عالم الأدب والفن. من بينهم الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي، والمطرب محمد حمام، والموسيقار حسن نشأت، والمطرب الشعبي محمد العزبي، الذي غنّى واحدة من أشهر أعمال غزالي. وهي: “والله هترجع تاني لبيتك ولغيطك يا خال”. وقد كانت هذه الأغاني تذاع يوميا في الإذاعة المصرية، تلهب حماس الجنود والمدنيين، وتحيي فيهم روح المقاومة.

وأكد أن أغاني الفرقة لم تبقَ حبيسة حدود السويس، بل انتشرت في مختلف المحافظات، وعلى جبهات القتال. وكانت كلمات “ولاد الأرض” تشد أزر الجنود، وتُلهب مشاعرهم، وتغذّي عقيدتهم الوطنية في أحلك اللحظات. وأصبحت الفرقة صوت السويس المقاوم، وصدى نبض شعبها، تعبر عن آلامه وآماله، وتخلّد ملحمة الصمود في وجه العدوان.

وقد ظلت هذه الأغاني شاهدة على تضحيات أبناء السويس وبطولاتهم الفذة. وباتت الفرقة واحدة من أبرز الفرق الفنية الوطنية في تاريخ مصر الحديث. حيث لعبت دورا محوريا في رفع الروح المعنوية خلال فترات الحصار وحرب الاستنزاف. أسسها الشاعر والمناضل محمد أحمد غزالى الشهير بـ«الكابتن». وكتب لها العديد من الأغاني التي جسدت روح المقاومة والصمود.

تطور الفرقة وأغانيها

يتابع الحاج أحمد غزالي، أن من أشهر ما غنته الفرقة كانت رائعة “يا بيوت السويس يا بيوت مدينتي.. استشهد تحتك وتعيشي انتي”، التي كتب كلماتها عبد الرحمن الأبنودي، وغناها محمد حمام من ألحان محمد رجب. ولا تزال هذه الأغنية حتى اليوم تلامس مشاعر السوايسة، وتستدعي في الأذهان مشاهد البطولة والفداء. ولقد أصبحت هذه الأغنية نشيدًا وجدانيًا، يعبر عن عمق المعاناة والأمل في آنٍ واحد، ويبقى اللحن الوحيد الذي يلمس قلوب السوايسة بمختلف أعمارهم.

مشروع عودة فرقة ولاد الأرض للحياة

بعد أكثر من نصف قرن، وبعد أن فقدت الفرقة معظم أعضائها الأصليين. يزيح نجل شاعر المقاومة الستار عن مشروع طموح لإعادة تشكيل الفرقة من جيل جديد من النشء والشباب، تتراوح أعمارهم بين 15 و20 عامًا. وأكد أن هذا الجيل سيحاكي الفرقة الأصلية في كل تفاصيلها. من الملابس العسكرية التي كانت ترتديها الفرقة إبان حرب الاستنزاف. إلى نوعية الأداء الفني، لتظل الرسالة الوطنية والفنية. وسيتم تنظيم اختبارات للشباب واختيار من 20 إلى 30 فردا لتدريبهم على طريقة الأداء وحفظ أغاني الفرقة.

وأشار إلى أن دراسة الجدوى الخاصة بالمشروع قد تم الانتهاء منها. وهو بصدد تقديمها إلى الجهات المعنية لدعم تنفيذ هذا العمل الوطني، الذي يتطلب إمكانيات تقنية وبشرية ومادية كي يرى النور. منوها بأن هذا المشروع يمثل رسالته تجاه السويس بعد رحيل والده، للحفاظ على تراث المقاومة من كتب وأشعار وألحان.

ويؤكد أن إعادة تشكيل فرقة “ولاد الأرض” ليست مجرد إحياء لفرقة فنية. بل هي بعث لروح وطنية حقيقية كانت جزءًا من مقاومة شعب ضد العدوان. وهو إعادة إنتاج لذاكرة وطنية في وجدان الشباب، ليعرفوا أن الفن ليس فقط وسيلة للتسلية، بل أداة للصمود والتعبير عن القيم والكرامة والهوية. لذا يحمل المشروع أهمية كبيرة في بناء وعي الجيل الجديد وتعزيز انتمائه لوطنه وتاريخه. كما يُعد فرصة لإعادة تقديم التراث الشعري والفني للكابتن غزالي في صورة أكثر عصرية، دون أن تفقد جوهرها النضالي والإنساني.

مكتبة الكابتن غزالي: ذخيرة شعب وذاكرة الوطن 

يوضح الحاج أحمد غزالي أن الحديث عن الإرث الفني والثقافي للكابتن غزالي لا يكتمل دون الإشارة إلى مكتبته الفريدة التي أنشأها في حي السويس. والتي تتكون من طابقين وتضم أكثر من 5 آلاف كتاب في مجالات الأدب، والثقافة، والفكر، والدين، والفن. ويشير إلى أن بين هذه الكتب نسخا نادرة موقعة بخط مؤلفيها ومهداة إلى غزالي شخصيًا. مثل كتاب “أغنيات للأيدين السمرة” للشاعر سمير عبد الباقي، وكتاب “مين اللي قدر ساعة يحبس مصر؟” لزين العابدين فؤاد.

ويضيف أن ما يميز هذه المكتبة أنها مفتوحة أمام شباب السويس بنظام الاستعارة، لتكون منبرًا لتغذية الوعي الوطني والثقافي، تمامًا كما أرادها غزالي في حياته. وقد شهدت المكتبة جلسات أدبية وسهرات فنية ضمّت أسماء لامعة؛ مثل صلاح جاهين، سيد حجاب، أحمد فؤاد نجم، الشيخ إمام، ومحسنة توفيق، ونعيمة وصفي.

علاقة الكابتن غزالي والأبنودي

يؤكد نجل شاعر المقاومة أن العلاقة بين الكابتن غزالي وعبد الرحمن الأبنودي تميزت بعمق الصداقة والتعاون الفني. فقد كتب الأبنودي في مكتبة غزالي العديد من أعماله خلال حقبة الاستنزاف. ومنها قصيدة “وجوه ع الشط”، التي جاءت كصدى لأصوات المقاومين في السويس والإسماعيلية وبورسعيد. ولم تكن العلاقة بينهما مجرد تعاون فني، بل تلاقيا في الرؤية الوطنية، التي ترجمت معاناة الشعب في قصائد وألحان تحمل همومه وآماله.

اقرأ أيضا:

ع السمسمية.. أسمع يا سيدي

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.