دليل الفعاليات الثقافية فى مصر

الدليل - تعالى نخرج

التراث المنسي في أسيوط.. وكالات «لطفي» و«شلبي» و«ثابت» على حافة الاندثار

منذ العصر العثماني، كانت أسيوط محطة تجارية مهمة في صعيد مصر تمر بها القوافل عبر طريق درب الأربعين المتجه إلى السودان، ومقصدًا للتجار من مختلف دول العالم. واحتفظت المدينة عبر الزمن بمكانتها التجارية، إذ تقف في حواريها الضيقة بالقيسارية وكالات «لطفي» و«شلبي» و«ثابت» كشواهد حية على تاريخ يمتد لأكثر من ثلاثة قرون. بعمارتها الإسلامية وزخارفها التراثية العتيقة، تحكي تلك الوكالات قصة مدينة كانت يومًا مركزًا مزدهرًا للتجارة والعمران في صعيد مصر. لكنها اليوم تعاني من الإهمال وتنتظر من ينقذها قبل أن تُمحى من ذاكرة المدينة إلى الأبد.

مكانة أسيوط التجارية  

حول مكانة أسيوط التجارية، يوضح علي أحمد محفوظ، مدير آثار غرب أسيوط لـ«باب مصر»: “كانت مدينة أسيوط في العصر الإسلامي في صدارة المدن التجارية نظرًا لموقعها المتميز على الناحية الغربية لنهر النيل. كما أنها تتوسط المدن المصرية”.

ويضيف محفوظ أن أسيوط كانت مدينة زراعية من الدرجة الأولى، وتأتي التجارة في المرتبة الثاني. لكنها ازدهرت تجاريا في العصرين المملوكي والعثماني، بفضل سهولة الوصول إليها عبر نهر النيل أو الطرق القديمة مثل طرق درب الأربعين وطريق الواحات. مما جعلها مدينة تجارية ذات صيت واسع.

الفرق بين القيسارية والوكالات التجارية 

يتابع محفوظ قائلا: “كانت أسيوط تضم في السابق أربع “قيساريات”، وهي كلمة فارسية تعني السوق التجاري المسقوف أو المجمع التجاري. وكان وجودها سببا في تميز أسيوط عن غيرها من المدن التجارية”.

وضمت القيساريات الأربع 34 وكالة تجارية. وعن الفرق بين القيسارية والوكالة. يوضح محفوظ: “القيسارية سوق مسقوف يضم مجموعة من الدكاكين المتخصصة في بيع نوع واحد من السلع التجارية، مثل اللحوم أو الذهب أوالأقمشة. أما الوكالة فهي مركز تجاري كبير لعرض البضائع. وتضم أيضا أماكن لإقامة التجار الوافدين إلى المدينة، إذ تجمع بين التجارة والتخزين والإقامة”.

وكالة شلبي

تُعرف وكالة شلبي، أو “وكالة بنت شلبي”، بأنها إحدى أقدم الوكالات التجارية في أسيوط. وقد تأسست عام 1824. وهي مسجلة ضمن الآثار الإسلامية والقبطية. وتنسب إلى الأمير محمد الكاشف بن زاده، وهو حاكم أسيوط وكاشف الواحات.

تتكون الوكالة من أربعة عناصر رئيسية:

  • الحوانيت: تقع في واجهات الوكالة، وظيفتها البيع والشراء والتبادل.
  • الحواصل: تضم 19 حاصلا. وهي غرف ذات أسقف من أفلاق النخيل مغطاة بقباب نصف دائرية تستخدم لحفظ السلع. وتتقدمها سقيفة تقوم على عشرة أعمدة من الطوب المنقور.
  • الصحن: وهو الفناء الداخلي الذي كان مخصصا للدواب مثل الجمال والخيل والحمير الخاصة بالتجار.
  • الطابق الثاني: كان مخصصًا لمبيت التجار الوافدين. ويصعد إليه عبر سلم في الناحية القبلية، ويضم 19 غرفة.
تجارة الحناء وريش النعام

ظلت وكالة شلبي تؤدي دورها التجاري حتى ثمانينيات القرن الماضي. وكانت تستقبل تجار السودان الذين كانوا يعملون في تجارة الحناء. كما اشتهرت ببيع منتجات مثل ريش النعام وسن الفيل والتلي الأسيوطي. لكن مبانيها تعرضت لتشققات في مطلع الثمانينات، مما أدى إلى غلقها، وتم تدعيمها مؤخرا بحوامل معدنية لحمايتها من الانهيار. واليوم تنتظر الوكالة من يمد إليها يد الإنقاذ حتى لا ينهار تاريخ يمتد لثلاثة قرون.

وكالة لطفي وتجارة الجلود

يعود إنشاء وكالة لطفي إلى عام 1692م، بحسب النقش المثبت على واجهتها. هي حاليا تتبع المجلس الأعلى للآثار، قطاع الآثار الإسلامية والقبطية بأسيوط. ويقول محفوظ: “أسسها الحاج لطفي عبدالجواد بن عبدالبر الأسيوطي، الملقب بنقيب تجار مصر أو نقيب أعيانها، وكان تاجرا ذا مكانة كبيرة. وتخصصت وكالته في تجارة الجلود. إذ كانت تجمع بها الجلود من محافظات الصعيد لنقلها بعد ذلك إلى المدابغ. ثم إلى سور مجرى العيون بالقاهرة”.

وتمتاز الوكالة بمدخلين: المدخل القديم تذكاري ضخم يعلوه عقد ثلاثي الفصوص مزخرف بالطوب المنقور والخشب، والمدخل الثاني مخصص لدخول الدواب. تضم الوكالة مجموعة حواصل لتخزين السلع، وتعلوها قبة، ويؤدي سلم وحيد إلى غرف التجار. وقد شيدت من الطوب اللبن وجذوع النخيل والطين لتقليل الحرارة. وكانت من أوائل الوكالات في صعيد مصر.

أما اليوم، فقد فقدت بريقها التجاري وأصبحت مأوى لبعض الأسر، تنتظر بدورها مشروع ترميم يعيد إليها مجدها القديم.

وكالة ثابت وبئر المياه

تعد وكالة ثابت أكبر الوكالات الإسلامية المسجلة في عداد الآثار الإسلامية والقبطية في أسيوط. أنشأها محمد ثابت، حفيد الأمير محمد الكاشف (حاكم أسيوط وكاشف الواحات) في القرن الثامن عشر. تتميز الوكالة بوجد بئر قديم للمياه العذبة في صحنها، وهو ما يجعلها فريدة من نوعها بين وكالات أسيوط. كما تضم حواصل مربعة الشكل ومدخلا تذكاريا ضخما يطل على شارع محمد محمود باشا (القيسارية حاليا)، ويحتفظ بابها الأصلي بحالته الأولى.

وكانت الوكالة، مثل غيرها، تستقبل التجار مقابل أجر رمزي، حيث خصص الدور الأول لعرض وحفظ السلع. بينما خصص الدور الثاني لإقامة التجار الوافدين حين يحين موعد استكمال رحلاتهم. يُوصل إلى تلك الغرف سلم يقع في الركن الجنوبي للوكالة. أما السطح فهو مكشوف ويطل على صحنها عبر شرفة خشبية. ويمتاز هذا الصحن عن غيره من صحون الوكالات بكونه مسقوفا بسقف جملوني مزود بملقف هوائي يسمح بمرور الهواء وتلطيف الأجواء الداخلية.

تعاني الوكالة اليوم من الإهمال، إذ تشققت حوائطها واتسخت جدرانها. وتحولت إلى مخزن لتجار شارع القيسارية. وهي الأخرى تنتظر يد المساعدة مثل غيرها من الوكالات.

شارع القيسارية.. ذكريات ومهن قديمة

يقول أحمد جابر، أحد أقدم التجار المتواجدين بجوار وكالة شلبي: “منطقة القيسارية ما زالت حتى الآن مزدهرة بالتجارة المختلفة. وتضم العديد من المهن التراثية القديمة. هنا ستجد النحاسين والحدادين الذين يستخدمون أدواتهم التقليدية، إلى جانب كبار تجار الحبوب. فضلا عن أصحاب المهن التي أصبحت مهددة بالاندثار، مثل المنجد البلدي وصانعي الأحذية اليدوية. هذه المنطقة العريقة شاهدة على عظمة أسيوط التجارية قديما وحديثًا”.

ويضيف أحمد مصطفى، 75 عامًا، وهو أقدم صناع أوانٍ نحاسية في المنطقة ويعمل في المهنة منذ 60 عاما بجوار تلك الوكالات، قائلا: “تلك الوكالات التراثية القديمة شكلت ذكريات لا تنسى للجميع. فقد كانت تعمل حتى ثمانينيات القرن الماضي، وكان التجار يتوافدون إليها من جميع أنحاء المحافظات للتبادل التجاري في المنتجات المختلفة”.

وتابع: كنت أصنع الأواني المنزلية من النحاس، الذي أصبح نادرًا الآن، ثم من بعده الألومنيوم. وكذلك الأدوات التي تستخدم في كيل الحبوب. كانت منطقة القيسارية، بما تضمه من وكالات، مركزًا تجاريا مهما يجذب التجار المتجهين إلى السودان، حيث يجلبون السلع”.

إهمال الوكالات

أما محمود محمد، 68 عامًا، منجد بلدي يعمل بجوار وكالة لطفي، فيقول: “وكالة لطفي كانت من أقدم الوكالات التجارية على مستوى محافظات الصعيد. وكانت تمثل المصدر الرئيسي لتجارة الجلود، ومصدر رزق للعديد من العمال في هذه المهنة. أما الآن لا تقوم بدورها كما كانت من قبل”.

واختتم حديثه قائلا: “وكالة لطفي يقطنها بعض الأسر، ووكالة ثابت تحولت إلى مخزن لتجار السجاد والمفروشات في أسواق القيسارية، رغم أنها مسجلة بوزارة السياحة والآثار. هذه الوكالات تحتاج إلى اهتمام وتطوير حتى لا تنهار”.

اقرأ أيضا:

وكالة شلبي بأسيوط.. مقصد التجار وملاذ المسافرين

«أسيوط».. أهل التجارة والموالد

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.