دليل الفعاليات الثقافية فى مصر

الدليل - تعالى نخرج

من مسرح «هيبس» كانت البداية.. ختام ملتقى «واحات الفن والإبداع» بالوادي الجديد

اختتمت محافظة الوادي الجديد فعاليات ملتقى «واحات الفن والإبداع» بمدينة الخارجة، الذي نظمته ثقافة الوادي الجديد بالتعاون مع المجلس الأعلى للثقافة على مدار أربعة أيام. حوّل الملتقى مسرح «سينما هيبس» وساحات قصور الثقافة إلى فضاءات فنية تفاعلية، وجمع بين التراث الواحاتي والفن الهندي، مسلطا الضوء على مواهب الجنوب الشابة وإبداعاتهم المميزة.

الثقافة خط الدفاع الأول

“الثقافة ليست ترفا في المناطق الحدودية، بل هي خط الدفاع الأول عن الهوية وتراثنا”. بهذه الكلمات بدأت ابتسام عبد المريد، مدير عام فرع ثقافة الوادي الجديد، حديثها وهي تقف وسط القاعة المزدحمة بالشباب في حفل الختام، تتابع بعين فاحصة تحركات الفرق الفنية.

تقول عبد المريد لـ«باب مصر»: “جاء هذا الملتقى بالتعاون مع المجلس الأعلى للثقافة وبيت الشعر بالأقصر، وكان بمثابة قبلة الحياة لمبدعينا. كنا بحاجة لمن يزيح الغبار عن جواهر الواحات المبدعة. هذا البرنامج لم يكن مجرد خطب منبرية، بل شمل ورش عمل ومعارض، ولقاءات مباشرة بين كبار مسؤولي الثقافة في مصر وبين شاب موهوبين في قرى ومراكز المحافظة الخمسة، منها الداخلة والخارجة وباريس، كل منهم يحلم بفرصة. للتعبير عن نفسه”.

ألوان من رمال الأرض.. وسحر التشكيل

في الركن المخصص لمعرض الفنون التشكيلية، سيطرت رائحة الطين والواحة القديمة. ضم المعرض أكثر من 25 فنانا وفنانة، وكان بمثابة “بانوراما” بصرية. التقينا بالفنان التشكيلي أحمد سعداوي من مركز الداخلة، قوميسير المعرض، الذي قال وعيناه تلمعان فخرا:

“حاولنا في هذا المعرض أن نخرج من القوالب التقليدية. اللوحات المنحوتة هنا لا تنقل صورة فوتوغرافية للواحة، بل تنقل روحها. دمجنا بين خبرات الفنانين الحاصلين على منح التفرغ، وبين طاقة الشباب المتفجرة. ما ترونه اليوم هو فن نبع من هذه البيئة الجافة ليصنع حياة”.

ملتقى واحات الفن والإبداع.. تصوير: هدير محمود
ملتقى واحات الفن والإبداع.. تصوير: هدير محمود
أشغال يدوية ونحت ولوحات من الرمال

يشير الفنان محمود دانيال، أحد المشاركين بالمعرض، إلى تنوع المدارس الفنية، قائلا: “لم نكتفِ بالرسم، لدينا أشغال يدوية ونحت، وكان الهدف إثبات أن فنان الواحات ليس منعزلاً عن الحركة التشكيلية العالمية، بل يمتلك مفردات خاصة لا يملكها غيره”.

أبرز ما لفت الأنظار، اللوحات التي لم تستخدم فيها الألوان الزيتية، بل حبات الرمال. هنا يقف الفنان عيد جانب، أحد المشاركين المتميزين بلوحات الرمال، ويشرح فلسفته لـ«باب مصر»: “أنا لا أرسم بالرمال، أنا أجعل أرض الوادي الجديد تتحدث. كل حبة رمل في لوحاتي لها لون طبيعي، من الأصفر الذهبي إلى الأحمر القاني. هذه اللوحات هي قطعة من جسد الواحة أقدمها للعالم ليدرك جمال طبيعتنا”.

خيوط التراث.. اقتصاد وهوية

لم يكن الفن التشكيلي وحده محور الحديث، فالحرف اليدوية كانت حاضرة بقوة باعتبارها الذاكرة الحية للمكان. يقول محمد البيرسي، مدير مركز الحرف اليدوية بالوادي الجديد:

“مشاركة الحرفيين في هذا الملتقى ليست للعرض فقط، بل للتسويق وإثبات الوجود من خلال منتجات الفخار، والكليم والسجاد، والثوب الواحاتي. كلها تحكي قصص أجدادنا. وقد منحهم الملتقى منصة ليروا تقدير المسؤولين والجمهور لما تصنعه أيديهم، وهذا هو الدعم المعنوي المطلوب للاستمرار”.

جانب من المعرض.. تصوير هدير محمود
جانب من المعرض.. تصوير هدير محمود
نيودلهي في قلب “الخارجة”.. عناق الثقافات

المفاجأة الأبرز التي أضفت نكهة عالمية على الليالي الشتوية، كانت مشاركة دولة الهند، حين صعدت فرقة الفنون الشعبية الهندية إلى مسرح سينما هيبس، وتلاشت المسافات الجغرافية.

حضر العرض المستشار الثقافي للهند، الدكتور بركش كومار شودهاري، وسط ترحيب رسمي وشعبي، وتمايل الساري الهندي الملون على إيقاعات تشبه إلى حد كبير إيقاعاتنا الشرقية، في مشهد جسد تلاقي الحضارات.

وعن هذا المزج، قالت الدكتورة إيمان نجم، رئيس الإدارة المركزية للشؤون الأدبية والمسابقات لـ«باب مصر»: “عندما خططنا للملتقى، أردنا أن نقول لشباب الوادي الجديد: أنتم الآن في قلب العالم من خلال وجود الجانب الهندي، وعرض فيلم تسجيلي عن ثقافتهم، ثم تلاحمه مع الفنون الشعبية المصرية. هذا يؤكد رسالة قوية بأن للفن دور كبير كقوة ناعمة. رأيت الانبهار في عيون الشباب، وهذا الانفتاح يصنع مبدعا حقيقيا”.

وأضافت: “نحن هنا بتكليف ودعم كامل من المجلس الأعلى للثقافة لنؤكد أن منح التفرغ ليست حكرا على العاصمة، بل هي حق لكل مبدع حقيقي في المناطق الحدودية والنائية، حيث اكتشفنا مواهب تستحق أن تصدر للعالمية”.

إيقاع الواحة.. ورقصة الفرح

على الجانب الآخر من المسرح، كان التراث المصري يقف شامخا، حيث قدمت فرقة الفنون الشعبية بالوادي الجديد تابلوهات فنية أعادت الحضور إلى زمن الحصاد والأفراح الشعبية. التقينا الفنان عيد مسلم، مدرب فرقة الفنون الشعبية لذوي الهمم، وهو يمسح العرق عن جبينه بعد العرض:

“الفن الشعبي هو بطاقة هويتنا. حركات الراقصين من ذوي الهمم ليست مجرد استعراض، بل توثيق لحركة المزارع ولطبيعة الأرض. مشاركتنا بجوار الفرقة الهندية أثبتت أن الفلكلور لغة عالمية لا تحتاج لترجمان. الشباب قدموا أداءً بطولياً يعكس تدريبات شاقة وحباً جارفاً لتراثهم”.

ختام الملتقى الثقافي للشباب.. تصوير: هدير محمود
ختام الملتقى الثقافي للشباب.. تصوير: هدير محمود
الكلمة.. وعادات الزواج التي وثقها التاريخ

الشق الأدبي كان له نصيب الأسد، حيث تحولت الأمسيات إلى صالونات فكرية نوقشت إصدارات بحثية هامة مثل كتاب “عادات الزواج بالواحات” للباحث والكاتب الواحاتي ناصر محسب، وكتاب “من نحن وكيف وصلنا إلى هنا” للمترجم طارق فراج. هذه الجلسات، التي أدارها نخبة من المثقفين، لم تكن مجرد قراءات، بل تشريحاً للمجتمع الواحاتي وتغيراته، وهو ما أثرى عقول الشباب الحاضرين وفتح أمامهم آفاقاً للبحث والتدوين.

الختام.. ووعد جديد من “الفرافرة”

في اليوم الختامي تحت أضواء المسرح الخافتة التي عكست الدفء الإنساني، جاءت لحظة التكريم. حيث شهد اللواء دكتور محمد الزملوط، محافظ الوادي الجديد، ونائبته حنان مجدي، ختام الفعاليات. ارتفعت الأجواء بالفخر حينما صعد الشعراء والفنانون الشباب للمسرح لتسلم شهادات التقدير من الدكتور أشرف العزازي، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة.

تقول نائب المحافظ، حنان مجدي، في تصريح على هامش الختام: “انفراد المحافظة بأكبر نسبة من منح التفرغ ليس صدفة. بل نتاج بيئة حاضنة للإبداع، وما رأيناه اليوم هو البداية فقط”. وكشفت عن الخبر السار الذي تناقله الحضور بفرحة: “نحن نعد العدة لتنظيم ملتقى ثقافي قادم في مركز الفرافرة، ومؤتمر عالمي للفن التشكيلي. لتكتمل منظومة العدالة الثقافية على أرض المحافظة”.

اقرأ أيضا:

«أسرار الهودج».. رحلة العرس البدوي بين التقاليد والهوية

على مدار 4 أيام.. «الخارجة» تحتضن مهرجان الرياضات التراثية والفنون الدولية

بين الظل والرمال.. القصة الكاملة لـ«معبد بيريس» المفقود في الوادي الجديد

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.