دليل الفعاليات الثقافية فى مصر

الدليل - تعالى نخرج

معركة قديمة تُبقي «فؤاد حداد» بعيدا عن الأوساط الأكاديمية

يعد الشاعر الراحل فؤاد حداد (28 أكتوبر 1928 – 1 نوفمبر 1985) أحد أبرز رواد الشعر العامي في مصر، وصوتا صادقا عبر عن وجدان الناس وحياتهم اليومية. ورغم مكانته الكبيرة، فإن حضوره في المناهج الأكاديمية يكاد يكون غائبا. فحداد، الذي لُقب بـ«متنبي العامية المصرية»، كتب بلغة بسيطة قريبة من الناس، لكن أشعاره لم تجد طريقها إلى  مقررات المدارس والجامعات والأوساط الأكاديمية. ويرجع كثيرون هذا الغياب إلى ما هو أبعد من شخص فؤاد حداد، معتبرين أنه يعكس الصراع بين اللغة العربية الفصحى واللغة العامية المصرية.

المناهج الأكاديمية والعالمية

في البداية، يرى المترجم هكتور فهمي أن المشكلة لا تتعلق فقط بالشعر العامي فحسب، بل تمتد إلى النظرة الأكاديمية للغة المصرية ذاتها. ويقول في حديثه لـ«باب مصر»: “حين يُدرس الشعر في المدارس والجامعات بوصفه شعرا عربيا فصيحا فقط. بينما يُهمل الشعر المكتوب باللهجة المصرية تحت مسمى “عامي”. فإن ذلك يرسخ فكرة أنه أقل قيمة أو غير معترف به أكاديميا”.

ويضيف فهمي أن هذا التهميش المحلي ينعكس على الساحة العالمية. فالمؤسسات الأكاديمية ودور النشر في الخارج لا تهتم عادة بما لا يحظى بالاهتمام داخل بلده أولا.

بقاء في الظل

يرى المترجم – الذي نقل رواية “الغريب” لألبير كامو إلى اللغة المصرية- أن غياب الدراسات الأكاديمية حول شعر فؤاد حداد، أو حول الشعر العامي عموما، يجعل الناشرين الأجانب يفتقرون إلى الحافز لاكتشافه. ما يؤدي إلى بقائه في الظل ومحدودية انتشاره عالميا.

ويقول: “النظرة المحلية إلى هذا الشعر على أنه “شعر الشارع” أو “غير الفصيح” تحجب عنه الضوء. وأرى أن الاعتراف الأكاديمي بالشعر المكتوب باللهجة المصرية هو الخطوة الأولى نحو وصوله إلى القارئ العالمي”.

دور الترجمة

يؤكد فهمي أن الترجمة تلعب دورا مهما في منح الشعر مكانة أكاديمية ودولية، لكنها ليست الخطوة الأولى. إذ تأتي الترجمة كنتيجة طبيعية للاعتراف المحلي بقيمة هذا الشعر.

ويشرح أن المترجم عادة ما ينقل النصوص إلى لغته الأم، فهي اللغة التي يمتلك أدواتها ومفرداتها بعمق. لذلك فإن ترجمة الشعر المصري إلى لغات أخرى تحتاج إلى جهد مشترك بين مؤسسات ثقافية مصرية ومترجمين أجانب مهتمين بالشعر المصري. حتى تصل الأعمال إلى دوائر البحث الأكاديمية في الخارج وتُدرس باعتبارها جزءا من الأدب المصري.

الاعتراف المحلي

يتابع فهمي أن غياب الاعتراف يبدأ من داخل مصر نفسها، من خلال المناهج الدراسية والمؤسسات الثقافية ودور النشر المصرية. موضحا: “نميل إلى إخفاء هويتنا اللغوية بتسمية لغتنا “عامية”، متجاهلين أنها اللغة التي تعبر عن الشعب وروحه”. ويضيف: “كتب شعراء كبار مثل فؤاد حداد وصلاح جاهين وعبدالرحمن الأبنودي بلسان الناس العاديين. لكن نصوصهم حملت جمالا لا يقل عن الشعر بالعربية الفصحى”.

وعن سبب تجاهل بعض الأوساط الأكاديمية لشعر حداد، يتساءل فهمي: “هل لأن لغته بسيطة؟ هذا حكم غير منصف. فليس لدينا شعراء آخرون بالمصرية حظوا باهتمام رسمي أو حضروا في المناهج التعليمية. الواقع يقول العكس: لا حضور حقيقي للشعر باللهجة المصرية، بل يتم تهمشه لصالح الفصحى”.

فؤاد حداد حاضرا

«فؤاد حداد موجود بالفعل في الدراسات الأكاديمية العديدة» هكذا أوضح د. شريف حتيتة، أستاذ مساعد البلاغة والنقد الأدبي بكلية دار العلوم – جامعة القاهرة. خلال حديثه عن سبب غياب أعمال الشاعر الراحل فؤاد حداد في الأوساط الأكاديمية.

ويقول لـ«باب مصر»: “درسه الصديق العزيز الدكتور سيد ضيف الله في أطروحته للدكتوراه من منظور النقد الثقافي وكتابه المنشور عنه حصد جائزة ساويرس في النقد الأدبي. كما تناول باحثون آخرون شعر فؤاد حداد أيضا”.

مركزية اللغة الفصيحة

يتابع د.شريف موضحا أن غياب شعر العامية عن المقررات الجامعية مسألة نسبية تختلف من جامعة لأخرى. مضيفا: “قد نتفق على أن حضور شعر العامية محدود في المناهج الدراسية، وهذا يعود للاعتقاد بمركزية اللغة الفصحى والأدب الرسمي المكتوب بها. وإلى تضخم المدونة الأدبية الحديثة خلال نحو 150 عاما. ما يضيق الفرص أمام كثير من المبدعين، سواء من شعراء العامية أو الفصحى”.

التحديث المنهجي

يرى أستاذ البلاغة والنقد الأدبي أن الاهتمام بشعر العامية سيزداد مع التحديث المنهجي لدراسة الأدب. بحيث ينظر إليه بوصفه بنية ثقافية أو سوسيوثقافية مفتوحة تكتسب جمالياتها من هذه علاقتها بالمجتمع. لا كجماليات لغوية مغلقة تعتمد فقط على التقنية”.

مقررات “دار العلوم”

تطرق د. شريف للحديث عن إمكانية التوسع في حضور أدب العامية في الجامعات، متابعا: “أقول إن كثيرا من المؤسسات التعليمية توجّهت بالفعل هذا التوجُّه. ودار العلوم جامعة القاهرة على سبيل المثال. وهي الكلية العريقة ذات النزعة المحافظة فيما يخص اللغة بخاصة، أدخلت مؤخرًا أدب العامية المصرية ضمن مقرراتها”.

ويستكمل: “هذا يحدث في كليات عديدة أخرى منها ما لا يفصل بين أدب الفصحى والعامية، ويتجاوز هذا الوعي بالثنائية عند دراسته. إذ الأهم هو البنية الموضوعية من وجهة نظرهم. نعم، هناك تحدٍّ أمام كل من يدرس الشعر العامي، لطبيعة رهانه المرتبط بالمجتمع وبقضاياه وبالهامش فيه، التي تتطلب قدرًا من الحذر والحساسية النقدية. حتى لا يتحول النص إلى مثير، أو إلى تقرير حالة اجتماعية”.

لغة أدبية

لكن هل نحن بحاجة إلى إعادة التفكير في مفهوم “اللغة الأدبية”؟ يوضح المترجم هكتور فهمي أن الأمر أصبح ضرورة. بالإضافة إلى توسيعه ليشمل شعر العامية أيضًا.

ويقول: “القضية هي نظرة أعمق إلى طبيعة اللغة نفسها وكيفية تطورها مع الناس والمجتمع. لو فهمنا الفرق بين “المستوى اللغوي” و”اللغة المختلفة”، لكان كثير من الجدل حول العامية والفصحى قد حُسم منذ زمن”.

صراع قديم

يشير فهمي إلى أن الصراع الدائر اليوم بين العربية الفصحى والمصرية ليس جديدا، موضحا: “له جذور مشابهة لما حدث في أوروبا قبل عصر النهضة. حين اشتعل الجدل بين اللاتينية القديمة واللغات المحلية التي كانت تعتبر عامية حينها، مثل الفرنسية والإيطالية والإسبانية”.

ومع مرور الوقت، اكتسبت تلك “اللغات العامية” شرعيتها من خلال حركات الترجمة. خاصة ترجمة الكتاب المقدس، وسرعان ما أثبتت قدرتها على التعبير الراقي والمعرفة العميقة، كما قال لـ«باب مصر».

لغة حية

يتابع فهمي: “نمر الآن بالمرحلة نفسها تقريبا، ولا نزال عاجزين عن التفرقة بين اللغة المصرية بوصفها لغة حية تتجدد يوميا. وبين العربية الكلاسيكية التي أصبحت لغة للنصوص الدينية والأدبية القديمة. فاللغة التي نتحدث بها في حياتنا اليومية ليست العربية الفصحى التقليدية. بل لغة جديدة لها كيانها وقواعدها ومصطلحاتها الخاصة”.

ويضيف أن العربية الفصحى نفسها تتضمن مستويات مختلفة. فكتابات العقاد وطه حسين تمثل فصحى حديثة قريبة من لغة الناس، تختلف كثيرا عن فصحى القرآن أو الشعر القديم. أما اللغة المصرية، فهي بدورها تتنوع بتنوع المتحدثين بها، وتتحرك وتتطور معهم.

الدعم المؤسسي

يؤكد فهمي أن للمترجمين دورا مهما في تعريف العالم بشعراء العامية المصريين مثل فؤاد حداد، بخلاف المناهج الأكاديمية، لكنه يرى أن مسؤوليتهم تظل محدودة في ظل غياب الدعم المؤسسي.

ويشرح: “المترجم المصري بطبيعته أكثر قدرة على الترجمة إلى لغته الأم منها إلى اللغات الأجنبية، لأن أدواته الثقافية واللغوية تمكنه من نقل المعنى إلى المصرية بدقة. بينما ترجمة الشعر المصري إلى لغات أخرى تحتاج إلى تعاون مؤسسي واسع ومترجمين ناطقين بتلك اللغات”.

ويختتم فهمي يقوله إن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق المؤسسات الرسمية ودور النشر المصرية، التي ينبغي أن تتبنى مشاريع لترجمة الشعر المصري إلى لغات أخرى. مضيفا: “من دون هذا الدعم، ستظل الجهود الفردية محدودة التأثير، ولن يتمكن العالم من اكتشاف أسماء مثل فؤاد حداد، وصلاح جاهين، وعبدالرحمن الأبنودي”.

اقرأ أيضا:

أمين حداد في ندوة “البشر والحجر”: هكذا أثرت القاهرة على أشعار فؤاد حداد

أحمد حداد: لا تعاملوني كحفيد لصلاح جاهين وفؤاد حداد

فؤاد حداد وصلاح جاهين: قصائد نثرية في معنى المحبة

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.