غرفة صغيرة وأحلام كبيرة.. تجربة «شيماء عز العرب» في صناعة الشموع
قرب أعياد الكريسماس، تتألق الشموع في كل مكان، لكن بالنسبة لـ«شيماء عز العرب»، لم تكن الشموع مجرد لهب، بل فكرة تتوارثها الأجيال. في أحد بيوت مدينة أسيوط، بشارع رياض، حولت «شيماء» موهبتها في الفن التشكيلي إلى مشروع صغير، حيث دخلت عالم صناعة الشموع كمساحة فنية مميزة تجمع بين الحرفة والفن، معبرة عن شغفها بالرسم والتشكيل.
بداية من البيت.. برأس مال بألف جنيه
بدأت شيماء أبو العز عبد العزيز، 30 عاما، حاصلة على ليسانس آداب ودبلومة تربوية، مشروعها برأس مال بسيط جدا. فلم تنتظر أحدا، ولم تجعل من رأس المال عائقًا أمام طموحها. لم تمتلك ورشة مجهزة. لكنها بدأت صناعة الشموع بألف جنيه فقط.
وتقول لـ«باب مصر»: “بدأت مشروعي بشراء مواد خام بسيطة وقوالب مختلفة للشموع. صنعت منها أولى تجاربي، معتمدة على ذوقي الفني ولمستي الخاصة”. وهكذا خرجت من بين يديها شموع بأشكال مختلفة وروح إنسانية تعكس إتقانها للعمل اليدوي وحبها للفن.
بين الشموع والفن التشكيلي
لعدم امتلاكها ورشة، حولت شيماء غرفتها إلى مساحة عمل صغيرة، ومن هناك بدأت رحلتها، وصنعت العشرات من الشموع. ثم بدأت تبحث عن وسيلة لتسويق منتجاتها، فوجدت وسائل التواصل الاجتماعي هي الخيار الأمثل. وبدأت بعرض منتجاتها على فيسبوك مع صور وفيديوهات توثق مراحل تصنيع الشموع.
وتشير إلى أن صناعة الشموع لها تاريخ طويل في مصر. حيث عرف المصريون القدماء الشموع كرمز للنور والحياة، وكان النور عنصرا أساسيا في الطقوس والاحتفالات. “أتذكر أحد النصوص التراثية القديمة تقول: النور هو طريق الروح، وبدونه لا تكتمل الطقوس ولا الأفراح” كما تصف.
مراحل تصنيع الشموع
تقول شيماء إن صناعة الشموع تمر بعدة خطوات: أولها اختيار نوع الشمع، سواء كان شمع برافين، شمع النحل، أو الشمع النباتي مثل الصوبا، النخيل، أو الجل، وهذه هي أنواع الخامات المستخدمة للتصنيع. بعد ذلك يذاب الشمع على بخار مائي حتى يتحول إلى سائل متجانس. ثم تضاف الألوان والزيوت العطرية مع التقليب الهادئ لضمان توزيعها بشكل متساوٍ، وتضفي هذه المرحلة على الشمعة طابعا جماليا ورائحة مميزة.
ثم تأتي مرحلة تجهيز الفتيل، حيث يُثبت في منتصف القالب، ويتم سكب الشمع المذاب ببطء داخل القوالب. ويترك ليبرد ويتصلب تدريجيًا في درجة حرارة الغرفة. بعد اكتمال التصلب، تخرج الشموع من القوالب، ويتم قص الفتيل وتشطيب السطح لتصبح جاهزة للاستخدام أو العرض. مشيرة إلى أن الشمع قديمًا كان يصنع يدويا من دهون طبيعية وشمع النحل، باعتباره رمزًا للنور والحياة.
الكريسماس موسم النور والبيع
تضيف أبو العز أن منتجاتها من الشموع لاقت رواجا واسعا وتفاعلا كبيرا، وبدأت الرسائل تصل من أهالي أسيوط يطلبون شراء الشموع المعروضة. وأيضا طلبوا شموعًا بتصميمات مخصصة تناسب أذواقهم ومناسباتهم المختلفة. خاصة في الكريسماس وأعياد الميلاد المجيدة. إذ يشهد هذا الموسم إقبالا كبيرا على شراء الشموع المصنوعة حسب طلب العملاء، ما يترك انطباعا خاصا لديهم.
وتذكر أن صناعة الشموع في الكريسماس تشهد ذروة المبيعات، وهي الفترة التي يمثل فيها الضوء بداية الفرح والإعلان عن قدومه.
من طقوس الميلاد القديمة إلى الكريسماس
لم يتوقف الأمر على الأفراد فقط، بل امتد إلى عدد من الكافيهات التي طلبت تصميم شموع تتناسب مع طبيعة المكان وديكوراته، وقد لاقت هذه الشموع إعجاب أصحابها.
تقول شيماء: “الحمد لله مشروعي بدأ يظهر للنور وفرحتي بذلك كانت كبيرة بعد مجهود وتعب، أصبحت فكرة المشروع تجني ثمار وقتي وتعبي. صناعة الشموع ليست مجرد مشروع بالنسبة لي، فهي الأقرب لهوايتي في الفن التشكيلي والرسم التي أعشقها منذ صغري”.
وتكمل: “صناعة الشموع صناعة تراثية وتاريخية. هناك مقولة قديمة تقول: “حين يشتغل النور، تعرف الروح طريقها. فالضوء لم يكن عند المصري القديم مجرد وسيلة للرؤية، بل علامة علي الحياة وبداية زمن جديد”.
ضوء الشموع
تقول شيماء: “أشعر أن كل شمعة أصنعها لها معنى، فهي ليست مجرد لهب، بل إحساس. وهذا ما أحاول توصيله للناس في شغلي، خاصة في المناسبات المهمة. إحدى الكتابات التي توارثناها من الأجداد تقول إن “الشمعة تفنى لتضيء، وفي فنائها معنى البقاء”، وهذا هو المعنى ذاته في مشروعي الصغير”.
وتضيف: “التعب في الشغل اليدوي كبير، لكن أشعر أن كل مجهود يظهر في النتيجة، الشمعة قد تذوب، لكن الإحساس الذي تتركه يظل حيا. أنا لا أصنع فقط الشمع، بل لي لوحات فنية أرسمها، ودخلت العشرات من المسابقات، وقد كتبت مجلة ألمانية تقريرا عن أعمالي في الرسم، كما تم تكريمي من عدة جهات أوربية مختلفة. نعم أحب الرسم، لكن لضوء الشموع رونق آخر في قلبي”.

حلم ورشة مضاءة بالمستقبل
تستطرد عز العرب حديثها وتقول: “الشموع بالنسبة لي ليست مجرد شغل، إنها شغف وحب ومساحة فنية أظهر فيها موهبتي، خاصة أنني بدأت من البيت بإمكانيات بسيطة، والسوشيال ميديا جعلتني أوصل لأكبر عدد من الناس وطلبهم لشغلي، وهذا أكبر دعم لأي شخص يبدأ مشروع صغير”.
وتضيف: “أحلم أن يتحول هذا الركن الصغير بغرفتي إلى ورشة مستقلة تحمل اسمي، وأن أمتلك ماكينة متخصصة تساعدني على زيادة الإنتاج وتطوير جودة الشموع. طريقي في بدايته لكنه بدأ بنور الشموع وسيستمر بتوفيق الله، خاصة بعد التعامل مع تطبيقات مثل “جزر” و”أمازون”.
الضوء القديم وشموع اليوم
“في أزمنة الميلاد، كان النور يُستدعى ليشهد الفرح”، تقول شيماء إنها قرأت هذه المقولة في كتاب ما وتؤمن بها تماما.
وتختتم حديثها: “الكريسماس أكثر وقت أشعر فيه بقيمة الشموع، لأن الناس تبحث عن النور والدفء وتحب أن يكون لها شغل معمول بيد أحد. الأسعار مناسبة في متناول الجميع، تبدأ من 90 جنيهًا، وتزيد حسب الحجم والكمية والخامات، بروائح آمنة وصديقة للجميع”.
اقرأ أيضا:
الأغاني الشعبية: رحلة اندثار تراث الأجداد خلف ضوضاء الدي جي
«مسجد اليوسفي» في أسيوط.. أربعة قرون من التاريخ انتهت تحت الجرافات







