التحطيب.. أصول وقواعد

تعتبر لعبة التحطيب من أقدم الفنون المصرية، والتي بدأت من جدران المعابد ووصلت لأروقة اليونسكو الذي اعتمدها كعنصر أصيل من التراث غير المادي بمصر.

وتزامنا مع المهرجان السنوي للتحطيب بالأقصر، ننشر قواعد وأصول اللعبة.
أدب التحطيب

التحطيب أو “العصايا” لعبة أو رياضة يستطيع أي شخص صحيح الجسد أن يلعبها، إلا أن التفوق فيها يتطلب شروط منها القوة الجسمانية والعضلية وسرعة البديهة والشجاعة، تلك شروط أساسية لمن يريد أن يتفوق ويصبح من المعدودين في مجال العصايا.
كانت العصايا قديمًا لا يمارسها سوى الفتوات، لأن التحدي كان يظهر جليا فيها، وكان عدد من يلعبونها قليل للغاية لأن الناس كانت تخاف أن تقبل أو تتعلم هذه اللعبة، نظرا لما يروه من شراسة وغلظة في حلقات التحطيب.
إلا أنه منذ نحو 25 عامًا، بدأ الشباب يقبلون عليها وأُحيت من جديد بعد أن أوشكت على الاندثار.
ليس هناك قواعد ثابتة، لكن القاعدة الأساسية بإجماع كل من يلعبون التحطيب هي “الأدب”، أي احترام من يلعب أمامك خصوصًا كبار السن، وبعدها تميز بما شئت.
ومن قواعد وأصول التحطيب، احترام كبار السن وعدم رفع العصا قبله وعدم المبادرة بالضرب على عصاه إلا إن أذن لك بذلك، وقراءة الفاتحة في بداية الحلقة ونهايتها، وكان قديمًا الوضوء ضروريًا واللعب حافيًا لكن حاليًا قليلًا ما يطبق هذين الشرطين، إضافة إلى أن افتتاح الحلقة يكون لصاحبها إن كان لاعبًا للتحطيب أو أحد كبار اللاعبين سواء في حفل زفاف أو في مولد.

العصا والزي

ولعصا اللعب شروط، وهي أن تكون من الخيرزان ولا يزيد طولها عن 150 سم، والعصايتين بنفس الطول والوزن، أما بالنسبة لزي التحطيب فالجلباب الصعيدي هو المفضل في اللعب، لأنه واسع فضاض يعطي فرصة للاعب أن يتحرك بحرية وبخطوة واسعة، إضافة إلى جمالها أثناء اللعب، وزي الجلباب موحد في كافة أنحاء الصعيد، عدا اختلاف وحيد بين جلباب كبار السن والذي يكون ذو أكمام واسعة تصل أحيانا لنصف متر أو أقل من ذلك، وجلباب الشباب فـأكمامه لا يتجاوز 15 سم.
أما لفة العمامة فتختلف من قرية لأخرى، لكن اللون موحد وهو الأبيض، وهناك قرى بعينها لها لفات خاصة مثل دندرة، ويتميزون بلفة ذات مظهر جمالي ولا يتجاوز الشاش 2 متر أيضًا ويتميزون بالجلاليب البيضاء، أما لفة عمامة دراو، فتكون كبيرة مقارنة بباقي القرى، حيث يصل طول الشاش نحو 5 أمتار.

“سو”

أما عن مكان اللعب، فأي مكان ذو سطح مستوٍ ومربع ومساحة واسعة يصل لأكثر من 25 متر مربع، ويفضل ممارستها على المزمار الصعيدي، وتبدأ بأن يسلم كل من اللاعبين على بعضهما البعض بالعصا ثم يبدأ اللعب، وليس هناك وقت محدد للدور، فالدور الواحد يتراوح ما بين دقيقة حتى ثلاث دقائق، وعند الانتهاء يتدخل أحد اللاعبين من الخارج ويقول “سو”، وتعني “هات العصا” لكن لا أحد يعرف أصلها، بيد أن مؤرخين يرجعون أصل المسمى إلى فرعوني، لأن أصل اللعبة فرعونية.

206 باب

لعبة التحطيب فردية، والانتصار فيها يكون بإحراز ما يسمى “الباب”، وهو أن يوصل أحد اللاعبين ضربة في جسد الآخر، ولا يشترط أن تصل الجسد بل يكفي أن يشير على المكان “الفاضي” فقط دون أن يضربه، والمحترف هو من يوصل ضربته أو بابه في الرأس.
وأخطر ضربة في التحطيب هي “الفرادية”، وتكون بيد مفردة لأنه لا يمكن إيقافها بل لا بد أن تصل الرأس، وتكون خسائرها كبيرة لذلك يحرص لاعبو التحطيب على عدم اللعب بها، إلا إذا اضطر لذلك في حالات استثنائية.
ثم تأتي ضربة “الفرش”، وتكون بضرب البطن بطرف العصا، ولا بد أن تكون بالإشارة فقط، لأنه إذا وصلت هذه الضربة فستخرج أحشاء الخصم وتكون النهاية، لذلك لا يلعبها أحد إلا للإشارة فقط، وأبواب العصايا كثيرة فعدد عظام الإنسان 206 عظمة، لكل عظمة “باب”.

“صابر والتلت تلات”

النغمات التي يلعب عليها المحطبون كثيرة، لكن هناك ثلاث نغمات شهيرة، مثل “صابر والتلت تلاتات والدوابة”، وهناك نغمات أخرى مثل “عيون القلب لنجاة، وإيه العمل يا أحمد”، وغيرها من النغمات.
وكل لاعب له نغمة مفضلة يطلبها من الزمار بعد أن ينقطه بالمال، كلًا حسب قدرته، ويستمر فريق الزمارة حتى نهاية حلقة التحطيب، والتي غالبا ما تكون لنحو أربع أو خمس ساعات يتم أخذ راحتين، الأولى أثناء صلاة المغرب وتستمر لنحو نص الساعة، ثم يستأنفون مرة أخرى ويأخذون راحة أخرى أثناء صلاة العشاء، ويعاودون العمل مرة أخرى حتى الساعة التاسعة أو العاشرة، وفي الموالد الكبرى تستمر حتى الـ12 ليلًا.

الفوز والخسارة

التحطيب لعبة شعبية ليس فيها فوز وخسارة بالمعنى المعروف أو تكريم، سوى مهرجاني دراو  والأقصر القومي، لكنه تكريم شرفي مجرد ميدالية نحاسية وشهادة تقدير ومبلغ مالي بسيط لا يتجاوز 500 جنيهًا.
يقول عبدالغني عبدالباسط، عميد لعبة التحطيب، إنه على لاعب التحطيب أن يتحلى بالصبر والأخلاق الحميدة، وذلك شرطان أساسيان لا بد أن يتحلى بها الشخص الذي يود أن يلعب التحطيب.
ويحذر عبدالباسط من فرد العضلات في “العصايا”، لأنه سيأتي من يفرض عصاه عليك، “فلا مكان للباطل في العصاية”، ومن تعلمها وأراد استخدامها في شر أخزاه الله، ولو نوى على ضرب أحد بغير وجه حق، ضُرب دون أن يدري كيف ذلك، لأنها فن ولكنها فن الفتوات.
ويضيف عميد لعبة التحطيب، أنه منذ نشأ وهو يلعب التحطيب منذ أكثر من خمسين عامًا، ولم يرَ أحدا فَرَد عضلاته في اللعبة إلا وأخزاه الله، لأنها لعبة مباركة ولعبها الأنبياء والأولياء، كالإمام العربي فهي هبة لا يعطيها الله لـ”باطل” يريد شرًا.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر