خبراء آثار وتراث: لا لهدم الجبانات التاريخية

تحت عنوان «تراث القاهرة الحضاري وحتمية الحفظ عليه» أقيمت أول أمس ندوة بمقر اتحاد الآثاريين العرب بمدينة الشيخ زايد. تحدث خلالها متخصصون في التراث والآثار حول وضع القاهرة التاريخية، فضلا عن تقديم مقترحات وحلول للتعامل الأمثل معها على خلفية حملة الإزالات التي طالت جبانات القاهرة التاريخية والمدرجة ضمن حدود اليونسكو.

أوصى المتخصصون بضرورة التدخل الفوري لوقف كافة التعديات على المواقع التاريخية وجبانتي القاهرة الكبرى والصغرى وغيرها من المواقع التاريخية بمحافظة القاهرة. كما أوصوا بعدم المساس بالمواقع والمباني التاريخية والتراثية وبخاصة تلك المدافن التي تمثل حقبًا متتالية ومتراكمة من تاريخ الأمة المصرية وتشتمل على طرز معمارية فريدة وطابع زخرفي فني نادر. حيث اعتبر الحضور عدم توثيقها من قبل وزارة الآثار إهمالا وتقاعسا، كما أن هدمها بهذه الطريقة يمثل أيضًا مناقضة لقانون جهاز التنسيق الحضاري رقم 144 الذي يعمل على الحفاظ على ذاكرة وهوية الأمة المصرية.

تجريد المباني الأثرية

أكد الحضور عدم السماح بنقل الآثار من مواقعها وتجريد المباني الأثرية من موقعها ومحيطها التاريخي ونسيجها العمراني. حيث اتفقوا أن عمليات الهدم التي تجري بميدان السيدة عائشة والسيدة نفيسة وقرافة الإمام الشافعي وصحراء المماليك لابد أن يحاسب عليه المسؤولين في وزارة السياحة والآثار بصفتها الجهة المعنية بالحفاظ، والصيانة، والترميم، وليس بأعمال هدم الآثار وشطبها من جداول تسجيلها.

الدفاع عن التراث

اعتبر عمرو موسى، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، ما يحدث للتراث الإسلامي خلال هذه الفترة أمر لابد وقفه بشكل عاجل.

يقول: «يجب التعامل مع هذه المسألة بوعي شديد، الموضوع لا يتعلق بالسلطات التنفيذية فقط، لكنه يتعلق كذلك بوعي الناس. لذلك أطالب بالاهتمام بالآثار الإسلامية، بنفس القدر الذي يقوم به المسؤولين بالحفاظ على الآثار الفرعونية، فنحن جزء من الحضارة المصرية القديمة، وجزء من الحضارة الإسلامية. يجب الدفاع عن والحفاظ عن هذا التراث بشكل كامل، والحفاظ على شوارع القاهرة القديمة، وحواريها ومقابرها، وحدائقها، وهذا الأمر يرتكز على الوعي الشديد والإدراك بضرورة الحفاظ على هذا التراث المصري».

عمرو موسى، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية
عمرو موسى، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية
قرارات أحادية

أما الدكتور صالح لمعي، أستاذ العمارة الإسلامية والترميم وعضو هيئة الإيكوموس باليونسكو، تحدث عن الشق القانوني والمواثيق الدولية المعنية بحفظ وحماية التراث.

يقول: «المشكلة أننا في مصر ندير عملية التراث بشكل أحادي دون التقيد بالمواثيق الدولية، والاتفاقيات، التي قمنا بتوقيعها. وهذه أزمة نعيشها منذ سنوات طويلة، فالبند رقم 54 من اتفاقية حماية التراث، يشير لضرورة التعاون من جانب الدول الأعضاء في اليونسكو. لذلك ينبغي أن نتعاون مع الدول وأن نطبق ما وقعنا عليه من اتفاقيات دولية ملزمة. وكذلك تبادل المعلومات مع الهيئات والمنظمات، فنحن عندما نناقش هذه الموضوعات، نستند لقوانين دولية، تحمي هذا التراث الغني الذي نمتلكه. يجب في نهاية الأمر عرض هذه المقترحات على المتخصصين، لا هدم الجبانات التاريخية، بدون الرجوع إلينا، واتخاذ القرارات بشكل أحادي وفردي».

أكملت الدكتورة سحر عطية، أستاذة العمارة في جامعة القاهرة وعضو مجلس النواب، ما طرحه “لمعي” حول مدى الالتزام بالقوانين والدستور. إذ قالت إن الهدم الذي يحدث داخل جبانات القاهرة التاريخية، في اللحظة الراهنة ليس دستوريًا، ولا يتوافق مع ما جاء في المادة 50 من الدستور المصري والتي جاء فيها: «تراث مصر الحضاري والثقافي، المادي والمعنوي، بجميع تنوعاته ومراحله الكبرى، المصرية القديمة، والقبطية، والإسلامية، ثروة قومية وإنسانية، تلتزم الدولة بالحفاظ عليه وصيانته، والاعتداء على أي من ذلك جريمة يعاقب عليها القانون».

وتابعت: العمارة الجنائزية التي يتم هدمها حاليًا داخل القاهرة، هي من أندر وأهم العمائر الجنائزية التي صممت خلال القرن العشرين. حيث تهافت المهندسون من كافة أنحاء العالم، لخلق طرز معمارية مميزة داخل هذه القرافة. وهذا الأمر أعطى قيمة معمارية إضافية لهذا التراث الغني الموجود داخل القاهرة. لكن رغم ذلك فلم يسلم أحد من هذه الإزالات بل بالعكس يتم هدمها يومًا. كما أن هذه المناطق تضم بداخلها حرف تقليدية فريدة. لذلك كان الأجدر تحويلها لمقصد سياحي، لا هدمها، واستغلال هذه الحرف لتنشيط المنطقة سياحيًا «للأسف نفكر بطريقة تقليدية عند التعامل مع قضية التراث، وحل التراث ليس بإزالته بل بدعمه».

كارثة حقيقية

وتحدث الدكتور محمد الكحلاوي، رئيس الاتحاد العام للآثاريين العرب، عن أثرية المقابر القاهرة التاريخية.

يقول: «التصريحات التي تخرج دائمًا من جانب وزارة الآثار، والتي تعتبر أن جبانات القاهرة التاريخية غير مدرجة في عداد الآثار. هي تصريحات مضللة لهذا الشعب، وتهدد التراث القومي. فالمنطقة التي يجري هدمها حاليًا. هي أقدم منطقة في إفريقيا، وكل صحابة النبي، والتابعين، دفنوا داخلها، فعام 2007. تم تحديد المناطق الرئيسية بداخلها لخمسة مناطق، وهي منطقة جامع عمرو بن العاص، ومنطقة مجمع الكنائس والحفائر. وهذه المنطقة تحديدًا جرى إزالتها بشكل كامل، وتم بناء المبان السكنية عليها، وضاعت في النهاية الحفائر.

أما المنطقة الثالثة والتي جرى تسجيلها رسميًا فهي قرافة الإمام الشافعي، والإمام الليث، وهذه المنطقة سجلتها الآثار كمنطقة أثرية وتاريخية في اليونسكو. وقد ضاعت أيضًا معالمها منذ سنوات لاستثمارها في محال ومطاعم. وبخصوص المنطقة الرابعة وهي منطقة السيدة نفيسة، فحاليًا يتم أيضًا هدمها، بتمرير من وزارة الآثار. أما المنطقة الخامسة والتي تخص جبانات قايتباي، فقد جرى أيضًا هدمها؛ لذلك فنحن أمام كارثة حقيقية، وبيانات وزارة الآثار كارثية».

وتابع: يجب الاستعانة بخبراء التراث، لأنه لا يوجد ما يسمى باسم تطوير داخل الأماكن التراثية «العمل الأثري لا يعرف هذه الكلمة، لأنه يدخلنا في مشاريع مستحدثة دخيلة على التراث؛ لذلك نحن نرفض التطوير بشكل كامل».

د. محمد الكحلاوي
د. محمد الكحلاوي
فتح تحقيق رسمي

الدكتور محمد عبدالمقصود، الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للآثار، ذكر أنه هناك إصرار من جانب وزارة الآثار على مخالفة القانون. وقال: «هناك تقارير ترفع، بعيدة تمامًا عن الحقيقية، فقد عملت في مشروعات كثيرة جدًا مع الدولة. والقائمين على هذه المشروعات كانوا يستشيرون الآثار في كل خطوة يخطونها. لكن في حالة الجبانات، فالآثار كجهة رفعت يدها بشكل كامل، وكأن هذه المنطقة لا تخصها بأي صلة. والدليل على ذلك أن المواطنين حاليًا هم من يعثرون على القطع وشواهد القبور الأثرية، ويسلمونها للآثار لتسجيلها. وهذا دليل على ترك وزارة الآثار لمسئولياتها. ولذلك أنادي بضرورة فتح تحقيق رسمي ومحاسبة هؤلاء المسؤولين بشكل فوري».

 رفض مقترح مقابر الخالدين

ورفضت الدكتورة جليلة القاضي، أستاذ التخطيط العمراني بجامعات باريس، مقترح إقامة مقبرة للخالدين «هذه الفكرة روج إليها في البداية بعض الصحفيين، والإعلاميين. ثم تبناها بعض المسؤولين لتتجلى بعد ذلك في مشروع من المفترض أن ينفذ. وقد تساءلنا عندما دار الحديث عن هذا المشروع، عن أي خالدين يتحدثون؟ عن تراكم على مدى أربعة عشر قرنًا لآلاف مؤلفة من الأعيان والشخصيات العامة والرواد المعلوم منهم والمجهول الذي ضاع شاهد قبره. ليس فقط على مستوي مصر، ولكن على مستوى المنطقة ككل. من رجال ونساء في جميع المجالات، الفن، والأدب، والشعر، والسياسة، والاقتصاد، والاجتماع،  والتعليم، والعلم، والتاريخ. وعلماء الفقه والحديث و شيوخ أجلاء للأزهر بالإضافة للصحابة الأوائل وآل البيت وأولياء الله الصالحين. فقد تحول رُفاتهم لتراب اختلط بتراب ذويهم».

وتساءلت جليلة: هل سيتم نبش قبور كل هؤلاء؟ وكيف سيتعرفون علي رفاتهم؟ ولماذا ينقلون أساسًا وقد اختاروا أن يدفنوا في هذا المكان. فأصبح بوجودهم المستمر فيه عبر العصور هو بالفعل «مقابر الخالدين» من أهل مصر والعالم العربي. لذلك يجب أن يتم إدانة هذه الفكرة ودحضها و بيان اللامنطق الذي تستند عليه. كذلك يجب الدفاع عن مقابر الخالدين الحالية، أي قرافة مصر تحت سفح المقطم.

اقرأ أيضا:

جبانات القاهرة التاريخية.. وقائع موت معلن

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر