بورتريهات متخيلة(5): سيد مكاوي.. كرنفال من العطب

أوقفني سيد مكاوي في ” الأنس”، وقال لي: الموت خدعة.. قلت له: كأغنياتك.

لأن من لا تلمع في أركان ظلمته سوى نصال أسلحة غامضة، سوى عيون بيضاء لأشباح لا يرضيها أقل من عناق وحشي. عليه أن يروضها بأغنيات كتلك، جسورة مبهجة، وإن ادعت، تحيل أسى العشق دلالا، مرارة الهجر لطفا، ومن مطاردة الأشباح له في الأزقة المسدودة إلى لعبة استغماية. أما عذاب الأرق فيصير سهرة أنس يغني فيه لأقمار وشموس، يخترع فيه أقمارا وشموسا.

«أنا قلبي مزيكا بمفاتيح»

أوقفني سيد مكاوي في ” الظلمة” وقال لي: غدا تعرف أفضل وترى.

ما العمى إلا حلم طويل. قايض فيه صاحبه حياته ببصره، بعد أن عض بجفنيه على ثمرة الضوء المرة، يعيش حياته كلها وهو يحاول أن يغرقها في بحر من ظلمة. مكان ألفته الوحيد، كيف يخشاه، وقد أعاد تشييده، من ظلال وهشيم ورماد وغبار ونثار ورود، حيث ينهض العالم من جديد كميت بعث.

أيرى الفنان أي شيء إلا بعينين مطبقتين على الصمت العظيم، حيث تنطق أخيرا لغة الأبدية. أيمكن لنا أن نرى أي شيء حقا إلا عبر حلم؟.

في بحر ألفته المظلم، لا سماوات مترعة بالنجوم، بل نجمة طرزت باليد واحدة تلو أخرى، رغم المسافة الدامية بين شق الإبرة وسم الخياط، يولج كون بأكمله.

البيانولا – سيد مكاوي

«رايح فين يا مسليني»

أوقفني سيد مكاوي في ” الهجر” وقال لي: كلما هُجرت قلت لنفسي أملك اليوم أغنية. فكانت بذرة قلبي تطرح شجرا باسقا فى كل مرة.

عيناه قلعتان، يمعنان النظر إلى الداخل، تصفر فيهما الريح على أوتار عود كي تهدهد الرعب في نفوس التائهين. مصباحان معلقان يقتفي ضوؤهما الخافت أثر خطوات ضائعة. الشياطين ككل المساكين بالروح يخضعون للنغم.

ليس كل ضرير عبقريا، ذكيا، لماحا، خفيف الدم لكن من اكتشف داخله إرادة البهجة ضد لعبة المرايا المشوهة. من رأى أن “يا حلاوة الدنيا يا حلاوة” رغم ثمرة الضوء المرة المحشورة في عينيه، ستركع من أجله كل سماء، وستتفتح من أجله كل عين ضريرة وأذن صماء، لتردد خلفه جذلانة “يا غزال يا غزال ده العشق حلال“.

من خمول، من كسل، من نعاس يخشى النوم كقبر، كيوم الحساب، ينبجس ماء النغم من بين أصابعه كنبع، ويحولنا جميعا من قتلى السماء والأرض إلى ألحان.

«عندك شك في إيه؟»

أوقفني سيد مكاوي في ” الفن” وقال لي: قلت للشيء كن فلم يكن، فاتسعت الهوة ونشأ العالم، مشوها، مبتورا، كومة من الخذلان، أشعلت فيها النار فرأيت الرب. سألته: ما الفن؟ أجاب: كرنفال من العطب.

اقرا أيضا:

بورتريهات متخيلة (4): شريف منير.. كمنفي عن الزمن

بورتريهات متخيلة (3): عادل إمام.. لأن مقلوب الجبل هاوية

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر