حوار| الفنان أسامة حلمي: أبحث إمكانية دمج الأوريجامي بالرقص والفوتوغرافيا

«الأوريجامي» هو فن طي الورق ويرتبط كثيرا بالثقافة اليابانية، يهدف هذا الفن إلى تحويل ورقة مسطحة من خلال تقنيات النحت والطي إلى أشكال ومجسمات نهائية. اهتم أسامة حلمي الشهير بـ«ؤزؤز» فنان أوريجامي، منذ صغره بفكرة تطبيق الورق وصنع الأشكال المختلفة حتى أسس المركز العربي للأوريجامي.. «باب مصر» أجرى معه الحوار التالي للتعرف أكثر عن هذا الفن.

هل علاقتك بالورق بدأت من الطفولة؟

الورق لم يظهر اهتمامي به من الطفولة لكني أتذكر صورا من الطفولة قمت باختيارها فيما بعد.

ما هي تلك الصور؟

كلنا صنعنا أوريجامي.. أنت وأنا صنعنا مراكب بتطبيق الورق. انشغلت فترة من حياتي أيام الشباب والجامعة بالموسيقى والغناء وكنت شريكا في فرقة (رسالة). وهي فرقة موسيقية مستقلة في الإسكندرية، لكن ظهر اهتمامي به بقوة في سنة 2003.

طول الوقت كنت أبحث عن فكرة تطبيق الورق، هل تعرفون صنع أشكال أخرى غير المركب والضفدعة والصاروخ؟ وكنت لا أحصل على إجابة. كان البعض لا يعرفون، والبعض يسخر مني. لم أكن أعرف أن تطبيق الورق اسمه أوريجامي. كنت مشغولا بالفكرة بجوار الموسيقى والغناء، لكني لم أكن أعرف عنها شيئا. وفي معرض الكتاب 2003 وبالصدفة كان في مكتبة الإسكندرية سألت بائع كتب هل عندك كتاب عن أشكال الورق؟ قال لي أوريجامي.. تقصد أوريجامي.. قلت لا، أشكال الورق، قال لي اسمه أوريجامي، ووجدت نسخة واحدة من كتاب كانت محجوزة، لكن لم يمكنني الذهاب دون الحصول عليها، وهكذا اشتريت كتابا عن الأوريجامي بالإنجليزية، وكان عن أشكال الكريسماس بالأوريجامي. ثم بدأت أطبق الورق على الكورنيش أمام بيتنا القديم في كليوباترا، كما يشرح الكتاب لأحصل على حذاء بابا نويل وغزالته، ثم ظهر الكمبيوتر في حياتنا، وأتذكر أن أول كلمة بحث كتبتها كانت أوريجامي على موقع ياهو، ثم بدأت حياتي معه، وأكتر شيء حبيته وارتبطت به لمدة عشرين عاما هو الأوريجامي؛ لأنه جعلني اكتشف كل يوم فيه شيئا جديدا. مثلا جعلني أهتم بالمسرح بعد ذلك.

أنت تتحرك بين أكثر من نوع فني؛ في البداية كنت مهتما بالغناء وتغني في فرقة موسيقية مستقلة وشاركت في حفلات في القاهرة والإسكندرية، ثم غيرت دراستك من كلية التجارة لكلية الآداب قسم أنثروبولوجي، ثم أصبحت مهتما بالأوريجامي، ومنه أصبحت تهتم بالمسرح، والآن أنت مهتم أكثر بالتراث الموسيقي وكل ما يتعلق به من تسجيلات واسطوانات قديمة وأجهزة استماع وبوسترات، وأقمت معارض لمقتنياتك.. أليس هذا تنوعا كبيرا؟ لماذا لم تهتم بنوع واحد وتخلص له؟

لأني مصاب بفرط الحركة وكل مجال أهتم به لا أريد أن أرهن حياتي من أجله.

هل تم تشخيصك كمريض بهذا المرض؟

لا، لكني أعرف أن لدي كل الأعراض.

الذي أعرفه مثلا أن الأوريجامي يحتاج إلى صبر في تعلمه وفي ممارسته بسبب خطواته الكثيرة المعقدة والتي من الممكن لا تناسب مريضا بفرط الحركة؟

يبدو أنه نوع من العلاج.. كأني كنت أشعر أن الأوريجامي هو علاج.. ربما نفسي أكثر لمرضي بفرط الحركة. وهذا ما جعلني أتحرك بين أكثر من مجال. لا أُخلص بشكل كامل ولا انغمس فيه كثيرا، لكن قادر على الحفاظ على توازن كلاعب الكرات الذي يقذف بأكثر من كرة في الهواء ويلتقطها، عليه أن يحافظ على التوازن بين تركيزه على الثلاث كرات معا.

كيف تحولت من مغنِ إلى فنان أوريجامي؟

بعد ما بدأت في تعلم كيف أطبق الورق لأحصل على أشكال حيوانات، كنت أحتفظ بالأشكال التي صنعتها في الجيب الخلفي لحقيبتي الزرقاء، وكنت أعرض ما أصنعه على أصدقائي، ثم عندما أتعرف على أحد كنت أقدم نفسي له على أني أسامة حلمى أو ؤزؤز. أغني في فرقة رسالة وأصنع أشكالا من الورق، وأعرض أوراقي المطبقة التي تحولت إلى حيوانات.

وهكذا لم أعد أكتفي بتعريف نفسي كمغنِ فقط، وهذا أعرفه عن نفسي، أنا أعرف أن أصنع ما أحب وأجعل الناس تحبه، وأستطيع أن أجمع الأصدقاء حولي لنتشارك في صنع ما نحب، جربت هذا في هوايات كثيرة كلعب تنس الطاولة أو ركوب الدراجات.

ماذا تعني كلمة أوريجامي؟

أوريجامي كلمة يابانية تعني تطبيق الورق.

كيف تحول الأوريجامي إلى عالم كامل بالنسبة لك؟

مرة كنت في جزويت الإسكندرية وتعرفت على صديق اسمه إسلام وعرَّفته بنفسي وطلب مني أن أزوره في مؤسسة جدران في المكس في غرب إسكندرية، وهناك سألوني ماذا تصنع؟ وعرضت عليهم أشكال الورق، وطلبوا مني تعليم الأطفال في المكس الأوريجامي، ولم تكن لي خبرة في تعليم الأطفال من قبل، لكن الفنانة التشكيلية علياء الجريدي ساعدتني لكي أقيم ورشة لتعليم الأطفال، وبدأت في تعليم الأطفال كيف يطبقون الورق للحصول على أشكال حيوانات، وبدأت أحصل على نقود من إقامة الورش لتعليم الأطفال هذا الفن.

هل استمريت في الغناء بعد انشغالك بالأوريجامي؟

نعم، لكن بدأت أهتم به أكثر، وأقمت أكثر من ورشة لتعليم الأوريجامي.

لكن من علمك الأوريجامي؟

لم يعلمني أحد.. علمت نفسي بنفسي.. عن طريق الكتب والنت.

ألم تشعر بمخاطرة وأنت تغير مجالك من عالم الموسيقى والغناء وهو مجال معروف واستطعت تحقيق بعض النجاح فيه إلى عالم الأوريجامي وهو مجال مجهول ولا أحد يعرفه؟

كنت أعرف أني لست مغنيا.. ربما مؤديا، لكن دخولي لعالم تطبيق الورق كان يشبه دخولي كل مجال جديد اكتشفه، لا أدخله من الصفر، لكني أدخله بخبراتي السابقة، ودخولي لهذا العالم بالنسبة لي كان يعتمد على ما امتلكته من صداقات وعلاقات وخبرة في مجال الموسيقى المستقلة، لأني كنت أقوم بالدعاية وتنظيم الحفلات في فرقتي، جعلني هذا أستطيع تقديم الأوريجامي وتعريف الناس به.

ألم يكن الأوريجامي معروفا في مصر من قبل؟

كان موجودا لكن لم يكن معروف كما نشرته. من المؤكد أنه كان موجودا بشكل ما، ممكن كان يمارسه البعض أو يعرف عنه من كتاب، بل كان هناك برنامج قديم في التليفزيون عنه، لكنه ربما لم يكن برنامجا مشهورا، ربما بعض المدارس كانت تقوم بتعليمه كنوع من النشاط، لكنه لم يكن معروفا بشكل كبير أو على نطاق واسع.

هل أنت من نشره بشكل أكبر؟ا

نعم، ساعدني في هذا الإنترنت والورش التي أقمتها.

عندما سألتك مرة من قبل عن جمعك واهتمامك بالتراث الموسيقي قلت إنك واحد من كثيرين يهتمون ويجمعون التراث الموسيقي في مصر، لكن هل تعتبر نفسك أيضا من ضمن الكثيرين الذين نشروا الأوريجامي في مصر؟

نعم، أنا جامع للتراث الموسيقي، وهناك كثيرون آخرون مثلي، لكن أنا من أول الناس الذين نشروا الأوريجامي في مصر، وقاموا بإعادة اكتشافه. فهو فن قديم وموجود منذ ألف عام في العالم، وأكيد كان موجودا في مصر، لكن لم يكن منتشرا بها كما نشرته أنا.

هل تعتبر الزينة التي كنا نصنعها من الورق ونعلقها في رمضان من الأوريجامي؟

زينة رمضان اسمها كيري جامي؛ وهو فن قص الورق وليس أوريجامي. أن نقص الورقة بطريقة معينة أو نقص مجموعة من الأوراق فتظهر أشكال متكررة نتيجة قص واحد.

وهل القص واللزق الذي كنا نصنعه في المدارس يعتبر كيري جامي؟

لا، هو ربما أقرب لفن الكولاج. لكن فن الأوريجامي يعتمد على تطبيق ورقة واحدة عدة مرات لتنتج أشكالا مختلفة. وقد قمت بتعليم أطفال الشوارع كيف يصنعون أشكالا من خلال الحكايات وصورنا أفلام رسوم متحركة معهم. أما الكيري جامي هو أن تطبق الورقة أكثر من مرة. ثم تقص الورقة في ركن معين، وعندما تعيد فتح الأوراق تظهر أشكال المثلث -مثلا- متكررة.

بدأت تهتم بالتعليم من خلال الأوريجامي.. كيف بدأ هذا الاهتمام؟

من البدايات.. من أول ورشة قدمتها لتعليم الأوريجامي للأطفال، عندما أمسكت بورقة مستطيلة ولونها أحمر سألتهم ما لونها؟ وما شكلها؟ وعندما أمسكوا بالورقة بدأوا يقولون إنها حمراء وليست مربع ولكن مستطيل، من هذا الوقت.. من إدراكي أنني من الممكن أن أقدم معلومة علمية من خلال تعليمي لفن طي الورق تورطت لمدة عشرين سنة في التعليم من خلاله.

كانت فكرتي أني لا أملك المعلومة، لكن من أمامي من الأطفال يملكون حياة وخبرة حتى لو قليلة. منذ اليوم الذي ذهبت فيه لتعليم الأطفال في المكس كيف يصنعون سمكة أو مركبا من الورق، ولم يكن لي هدف تعليمي أكثر من هذا. لكن عندما أدركوا أن للورقة لونا وشكلا مختلفا، والمربع والمستطيل، ظهرت في دماغي الفكرة، وسألت نفسي: هل يستخدم الأوريجامي في التعليم؟ وعندما عدت إلى البيت بحثت على الإنترنت عن التعليم من خلاله، فوجدت بحرا من المعلومات، ولم أكن أعرف وأنا أقوم بتعليمهم أن هناك طريقة للتعليم من خلال الحواس.

ولم أكن أعرف أن هناك التعليم التفاعلي من خلال السؤال والجواب وليس من خلال التلقين، لكن يمكن أنا موهوب في هذا، أريد أن أكمل هذا المشروع، أن أبدأ في التعليم بطرق جديدة، ولم يكن لي خبرة بهذا النوع من التعليم لأن دراستي في مدارس حكومية عن طريق التلقين، لكن هذا ما أصبح هو مشروعي؛ أن أمنح الأطفال ما افتقدته.

لم يعد الأوريجامي مجرد لعبة أو فن جميل، لكن توجهت به نحو التعليم؟

أنا لا أصنف نفسي كفنان أوريجامي، لست مهتما بصنع أشكال أو ابتكار تصميم له، لكني مستخدم لهذا الفن، لا أصنع ولا أدرس هندسة تصميم أشكال الأوريجامي.

وهل الأوريجامي يرتبط بالهندسة في تصميمه؟

كل الأشكال تأتي من نظريات هندسية في تصميم الأوريجامي، وأنا لم أكن مهتما بتعلم قواعد تصميم أشكال به، لكني كنت مهتما كيف استخدمه في التعليم لكي أشرح الهندسة والنظريات الهندسية، كما استخدمه في المسرح لكي أحصل على طرق تعبير مختلفة. وأريد أن أذكر أن كل الأفكار التي ننفذها في المركز العربي للأوريجامي عندما نتخلى عنه لا تصلح أن تكون نافعة بغيره كما أتصور. أقصد أن ما نصنعه بالأوريجامي لا يصلح بغيره.

كما لا نعتمد على الشكل الأخير الذي نحصل عليه بعد عملية تطبيق الورق؛ أنا لا أصعد على المسرح بمركب كبير من ورق تم تطبيقه وأضعه على المسرح. ليس هذا ما أصنعه، بدلا من ذلك يمكنك أن تصعد على المسرح بمركب مصنوع بأي طريقة أخرى. لكن أنا مهتم أكثر بالمركب قبل أن يكون مركبا. وهو مجرد ورقة مسطحة وكيف قمت بتطبيقه بعنف.. هل يعني هذا شيئا ما للجمهور؟ لو طبقته ببطء يعني شيئا آخر؟ له معنى آخر؟ عندما استخدم ورق جرائد مكتوب عليه أخبار موت لاجئين هل لهذا معنى آخر؟

عندما استخدم ورقا مكتوب عليه عقد زواج أو طلاق مع سيدات لكي أتحدث عن العنف الأسري هذا له معنى، وعندما استخدم ورقة صغيرة وأقف عليها بقدم واحدة يصبح لها معنى مختلفا. وعندما أتحرك بحرية على ورقة كبيرة هذا معنى أيضا مختلف، وعندما في النهاية أكرمش الورقة ذلك له معنى.

لكني لم أصنع هذا بمفردي، لم أكن أعيش بداخل غرفة مغلقة وحيدا ثم خرجت بأفكاري عن استخدام الأوريجامي من خلال التعليم أو المسرح. لكن حدث هذا بعلاقتي مع المسرحيين والسينمائيين والكُتَّاب، تعلمت من خلالهم وتعرفت على كل هذه العوالم.

كيف بدأت علاقتك بالمسرح من خلال الأوريجامي؟

من خلال عرض حكي مع نورا أمين. كانت نورا في الإسكندرية تقوم بعمل مشروع حكايتنا، وكانت تذهب يوم في الأسبوع إلى مركز ثقافي أو مقهى وتقدم عرض حكي. وأنا كنت قمت بجولة فنية في الأردن ولبنان وسوريا والبحرين واليمن وتونس اسمها طبَّق معانا..

أنت نشرت فن الأوريجامي في الدول العربية أيضا؟

أقمت العديد من الورش في معظم الدول العربية.

ألم يكن هذا الفن منتشرا في تلك الدول؟

كان معروفا أيضا ولكنه لم يكن منتشرا كثيرا.

لماذا اسم مركزك لتعليم الأوريجامي “المركز العربي” وليس “المصري” مثلا؟

عندما أقوم بالبحث على الإنترنت عن طي الورق، أجد المركز الفرنسي للأوريجامي والمركز البريطاني للأوريجامي، أردت أيضا أن يكون هناك المركز المصري لتعليم الأوريجامي. حصلت على منحة للإدارة الثقافية وعُينت في مركز الفنون في مكتبة الإسكندرية.

ليس هناك بُعد قومي لو صحت التسمية في اسم المركز العربي، لكن ربما لأني قمت بعمل العديد من ورش تعليم في كثير من الدول العربية سميته المركز العربي، وربما أغير الاسم قريبا.

هناك صورة لك وأنت تقوم بتعليم بعض المنقبات.. اعتقد أنها في إحدى دول الخليج.. أحب هذه الصورة!

أنا أيضا أحبها كثيرا، وأريد أن أقوم بتعليق نسخة منها في بيتي.

لم تكن هناك مؤسسة لتعليم فن تطبيق الورق في مصر؟

لا، قبل المركز العربي لم تكن هناك مؤسسة مسؤولة عن هذا الفن، ولا في أي دولة عربية. قمت برحلة فنية للبحث عن فناني أوريجامي في الدول العربية. زرت العديد من الدول لبنان وسوريا والأردن والبحرين وتونس، كان هناك فنانون أو أفراد، لكن ليس هناك مركز، ولم يكن هناك مهرجان له في الدول العربية لأننا من أقمناه.

متى أسست المركز العربي للأوريجامي؟

من بداية 2003 إلى 2011 لم يكن هناك اهتمام كبير. في 2014 أصدرنا مجلة اسمها (تطبيقات) لنشر فن الأوريجامي، وبدأنا نصنع مجتمعا للمهتمين به. من عام 2014 فصاعدا أصبح هناك أشخاص يمتهنون فن صناعته. وأنا ساهمت في ذلك بشكل كبير، لأن هذا ما أردت أن أقوم به من البداية؛ أن يكون مهنة وفنا يستطيع الواحد أن يعيش به، وأيضا يفيد الآخرين عن طريق التعليم أو المسرح. أحببت هذا الفن وهذا ما جعلني أفكر أن يكون عالما بأكمله.. يستطيع الواحد أن يعمل الفن الذي يحبه ويكسب منه.

وماذا يصنع فنان الأوريجامي في مصر ليكسب عيشه؟

يقوم بعمل ورش لتعليم هذا الفن.

لكن ماذا صنعت أنت بالأوريجامي، أو كيف استفدت منه في مجالات أخرى؟ وما هي نشاطات المركز العربي؟

قمنا بعمل المهرجان العربي للأوريجامي، وفي عام 2014 قمنا بعمل ورشة عمل اسمها الوسيط. أفكر دائما في كيفية الاستفادة منه في مجالات أخرى. في البداية كنت أهتم به كمجرد فن لتطبيق الورق، وأعلم الأطفال كيف يصنعون مركبا أو بطة أو أي أشكال لحيوانات أخرى. ثم قمت بدمج ذلك بفكرة التعليم، وبدأت أستفيد في تعليم الهندسة للأطفال من خلاله وقدمت بعض البرامج لتعليم ذلك.

وفي مرة كنت في عرض موسيقي وكنت مغمض العينين استمع إلى الموسيقى، لكن يدي كانت مشغولة بتطبيق الورق، وساعتها فكرت أنه يمكنني أن أعلمه للمكفوفين، واكتشفت أن هناك مجالا كبيرا على الإنترنت لتعليم المكفوفين هذا الفن. وتواصلت مع المخرج المسرحي عاطف أبو شهبة الذي يقوم بعمل مسرحيات مع المكفوفين، وقمت بعمل ورشة للمكفوفين.

كنت في كل مجال أدخله من خلال الأوريجامي أريد أن اكتشف أهميته وأثبت للآخرين أهميته أيضا. وفيما بعد تعرفت على د.شريف درويش، وهو طبيب نفسي مهتم بالعلاج من خلال الفنون، وعرَّفته على الأوريجامي كفن، وأردت أن أقوم بدمجه مع الطب النفسي لعلاج المدمنين.

تعاملت مع المدمنين من خلال الأوريجامي؟!

هناك 12 خطوة للعلاج من الإدمان، وأنا في الأوريجامي ومن خلال دراستي له بحثت عن معنى الطي أو تطبيق الورق. وهذا المفهوم لعلاج المدمنين من خلال برنامج به خطوات محددة يشبه خطوات طي الورقة؛ لأنه أيضا يعتمد على خطوات متتابعة ومرتبة. ومن هنا بدأت أقوم بعمل ورش مع المدمنين لأشرح لهم أننا لن نصل إلى الشكل النهائي قبل أن نقوم بعمل الخطوات كلها، ولا نفقد خطوة في طي الورق كما في العلاج تماما. وكانوا يفرحون بهذه التجربة وأنهم أصبحوا يملكون موهبة تمكنهم من التواصل مع أطفالهم.

ما هو معنى الطي أو تطبيق الورق؟

كتشبيه دعني أمثل الحوار معك كأنه محاولة لفك نفسي كي تعرف من أنا. تبدو شخصياتنا كأنها مطبقة أو مركبة مثل الأوريجامي؛ كل تفصيل أو تاريخ هو طية أو تطبيقة مثل تطبيقة الورق. وهي تصنع علامة في شخصيتي. أحد الأصدقاء من فنون تطبيقية كان مشروع تخرجه عن الأوريجامي وأراد أن يتناقش معي عنه، ومن خلال نقاشنا فكرنا أننا من الممكن كأشخاص أن نشبه ورقة مطبقة من قبل.

لكن ما هي فلسفة هذا الفن؟

لا أعرف كيف بدأ الأوريجامي. من المؤكد أنه في البداية كان هناك من أراد أن يطبق الورقة ثم أصبح لدينا ورقة مطبقة وفعل يدوي لتطبيقها، ثم قال إن هذا الشكل يرمز للخير وأن ذلك الشكل يرمز للشر. دولوز الفيلسوف الفرنسي يقول إن الكون مطوي. أصله كان في الصين بعد اختراع ورق الكتابة، وكان الورق غالي الثمن جدا ويُستخدم في المراسلات بين الملوك والأمراء. طي الورق بدأ من الصين لإرسال المكاتبات أو الرسائل. في اليابان أخذ الشكل الفني له.

هل طي الورق كفكرة يعني كيف أستطيع أن اجعل الورقة المسطحة تأخذ حيزا أصغر في الفراغ لكي يمكننا وضعها داخل ورقة أخرى أو لسهولة حملها؟

ربما من الممكن هكذا بدأت الفكرة.

هل اهتمامك من البداية كان لإثبات أهمية الأوريجامي، لأن هناك من البدايات من يتهمك بأن ما تفعله غير مهم وأن تطبيق الورق لا أهمية له؟

دوما كنت أواجه بهذا الاتهام ويتم توجيه السؤال لي: وما أهمية ما تفعله؟ وأنه فن غير مهم، وما هي أهمية أن يقوم الواحد بتطبيق ورقة للحصول على بطة؟ سعيي واستمراري في رحلتي كان محاولة كي أثبت لنفسي أنه مهم وأنني اكتشفت أهميته التي لم أكن أدركها وإن كنت أشعر بها. أهلي من البداية ظنوا أنها مجرد هواية وطالبوني بالبحث عن عمل، وأردت أن أثبت أنه مهم وأنه قادر على أن يصبح حياة وعالما كاملين. لم أبحث عن أهميته، لكني كنت اكتشفها من خلال الرحلة، ربما كانت مقامرة أو مغامرة. في الأيام الأخيرة بعد اهتمامي لأكثر من عشرين سنة بالأوريجامي أريد أن أغير اهتمامي الآن إلى جمع التراث الموسيقي.

قبل أن تتركه.. ماذا فعلت أيضا بالأوريجامي؟

قمت بتعليمه للصم والبكم أيضا. تعلمت لغة الإشارة وقمت بتعليمهم الأوريجامي. هل تعرف الفكرة التي تقول إن تغيير حجم الورقة هو الذي سمح باستخدامه في الصناعة.

كيف يُستخدم الأوريجامي في الصناعة؟

الوسادة الهوائية التي تنتفخ في مقود السيارة عند وقوع الحادثة الذي قام بتصميمها هو فنان أوريجامي.

في التصنيع توجد مرحلة التعبئة، أو في طباعة الكتب والمجلات، يتم تطبيق الورقة أو العلبة عدة مرات عن طريق الماكينة.. هل هذا أوريجامي؟

لا ليس أوريجامي، وهو تكنيك اسمه كت أوت (Cut Out) وهو توفير في الورق لكنه ليس أوريجامي. عند صناعة علبة بالأوريجامي تكون تكلفتها أكثر.

إلى أي درجة يصل تعقيد لعبة وفن الأوريجامي في صنع الأشكال؟

من الممكن أن نصنع تمثالا كاملا لمحارب مثلا بخوذته بسيفه ودرعه من الأوريجامي. هناك فيلم اسمه (بين ثنايا الورق) يحكي فيه فنان أوريجامي كم يحتاج من مجهود وخطوات معقدة لمجرد إضافة جيب لتمثال إنسان كامل بعد صنعه بكل ملامحه وتفاصيله.

ما هو أول شكل صنعته بعد تعلم هذا الفن؟

كان حذاء بابا نويل وغزالته.

وما الأشكال التي صنعتها بعد دخولك على الإنترنت؟

أشكال حيوانات.

وما هي القطعة التي صنعتها وتقول إنها قطعة فنية خاصة بك؟

أريد فقط أن أقول إني مقلد لأشكال ولست مبتكرها، لست صانع أشكال، لكني صنعت تمثالا لرجل بدوي راكب على ناقته بكل تفاصيله وصنعت فيلا ضخما كهدية لمحمد منير. عندما تسألني عن أهم ما صنعته بالأوريجامي ليست هي الأشكال، ولكن المشاريع التي قمنا بعملها. سواء المشاريع التعليمية أو مع المكفوفين، والألعاب التي صممناها للأطفال من خلال الأوريجامي، أو الكتب التي أصدرناها عن ذلك الفن. والآن عندما يطلب مني أحدهم صنع أشكال أو يقول إنه استطاع صنع شكل معقد بالأوريجامي لا يلفت ذلك انتباهي. لأن هذا ليس ما أهتم به. أهم حاجة بالنسبة لي أن الأوريجامي أصبح موجودا في عرض مسرحي كعرض طيات الحرية وعرضته في برلين.

هل تقارن فنان الأوريجامي الذي يصنع أشكالا من الورق بالرسام أو النحات تحديدا؟

فنان الأوريجامي الذي يصنع ويبتكر أشكالا جديدة من الورق هو أكيد فنان مشابه للرسام والنحات. لأن له قوانين النسب والأداة والخامة، لأنه صنع من خامة فنا.. من خلال تكنيك معين. فهو فنان حقيقي.

لكن عندما سألتك لماذا لم تكمل في مشروع الغناء قلت لأنك لست مغنيا، ربما مجرد مؤدٍ، والآن تقول إنك لست مبتكر أشكال أو صانع أشكال جديدة من خلال الأوريجامي، وأنك مستخدم لهذا الفن. ما الذي جعلك تستمر به طيلة عشرين عاما ولم تتركه كالغناء؟

أنا تحركت بالأوريجامي من خلال الحكي أولا ثم المسرح. أستطيع الآن أن أقول أنا فنان. كل عروضي المسرحية تقوم بشكل أساسي على المسرح من خلاله. قلت لك من قبل إن الأوريجامي جعلني اكتشف أشياء جميلة وعديدة ومهمة. وأنا أبحث عن أهميته لأني أحببته في البداية وأردت أن أعرف مدى أهميته.أصبحت فنانا. لست فنان أوريجامي، لكن من خلاله. أنا فنان استخدمه في المسرح وصناعة الكتب والرسوم المتحركة. أي فنان متعدد ولكني استخدم نفس الأداة التي هي الأوريجامي لكي أنتج فنونا أخرى.

طي الورق يصنع علامة في الورق لا تزول كذكرى لا تنمحي. وهي خاصية في خامة الورق. وهو ما استخدمه مثلا في تدريب مع المعلمين.أنهم عندما يصفون تلاميذهم بكلمات غير مناسبة وقد تكون  تنمرا.. في التدريب أمنحهم ورقة وأطلب من كل واحد منهم أن يذكر كلمة سيئة يصف بها الأطفال، أو يوجهها إليهم، ويطبق الورقة تطبيقة مع كل كلمة، في النهاية نحصل على ورقة مكرمشة نتيجة لكلماتهم المسيئة. عندما نحاول فكها لا يزول أثر التطبيقات والكرمشات من الورقة. يدرك المدرسون فعلتهم وأثر كلماتهم في الورقة كتجسيد للأثر النفسي على الطفل.

ماذا صنعت بالأوريجامي أيضا غير التعليم والمسرح والرسوم المتحركة والألعاب؟

هناك أسطورة في الأوريجامي تقول إنك عندما تصنع ألف شكل من طائر الكركي تتحقق أمنيتك. هناك ناس تصنع هذا. مثلا شاركت في معرض لصناعة ألف شكل من أجل أطفال فلسطين.

استخدمتَ الأوريجامي في تعليم الأطفال، هل ترى أنه من المفيد تعليمه في المدارس؟

نعم، اعتقد أنه فن جميل ومفيد ويجب تعليمه للأطفال في المدارس. في وقت الكورونا قمت بالتعاون مع شركة إنتاج تعمل مع وزارة التربية والتعليم لصناعة برنامج تبسيط مبادئ الهندسة للتلاميذ، وأنتجنا في المركز العربي كتبا تحكى حكاية لكنها في نفس الوقت تمنحهم الطريقة التي يطبقون بها ويحصلون على أشكال حيوانات. في (الستوري جامي) يحصل الطفل على حكاية وحدوتة، وفي نفس الوقت يحصل في النهاية على شكل نتيجة لتطبيقات الورقة. هناك منظومة تعليم حديثة تشمل علوم التكنولوجيا والعلم والفن والهندسة والرياضيات، وهو منهج نعمل على تصميم نماذج منه لتعليمه للأطفال.

أقمنا معرضا فنيا في أتيليه الإسكندرية بمشاركة 15 فنانا تشكيليا وصنعنا خمسة عشر مركبا بالحجم الكبير من الأوريجامي، وعرضنا رسوماتهم على المراكب. وآخر ما نصنعه هو الأوريجامي جرافيتي؛ وهو محاولة لدمجه مع الفن التشكيلي. لأنه يستطيع أن يمنح الفن التشكيلي سطحا مختلفا عن السطح المستوي، كشكل حيوان مثلا ممكن من خامة الورق أو من خامة أخرى، واقتبسنا من فنانة فرنسية فكرة الأوريجامي جرافيتي.. بدلا من الرسم على الجدران فإننا نضع عليها آلاف الأشكال من الأوريجامي.

أشكال الأوريجامي الصغيرة كوحدات قد تكون مراكب، لكن الصورة الكلية على الجدار تصبح بيتا. استخدمنا هذا التشكيل بشكل تفاعلي. نذهب إلى المهرجانات والفعاليات وقد جهزنا الشكل والرسومات، ونطلب من المشاركين وضع الوحدات الصغيرة على الجدار لنكون في النهاية صورة كلية ترمز إلى الهدف الذي تجمع من أجله الحضور في الفعالية أو المهرجان. قد نسأل المشاركين في فعالية عن البيئة مثلا ما هي الخطوات التي تحب أن تكون موجودة لنحافظ على البيئة، ويكتبها على الورقة، ثم يقوم بتطبيقها ويلصقها على الجدار لنحصل في النهاية على الشكل الذي نتجمع من أجله.

ما هي مشاريعك القادمة؟

أحاول أن أدمج الأوريجامي بالرقص والفوتوغرافيا. لكنها مشاريع ما زالت قيد البحث.

اقرأ أيضا:

استعادة الفنان الراحل يوسف منتصر في معرض بمركز محمود سعيد

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر