عرض كتاب| عندما بكى نيتشه

كتب – مارك أمجد
أوّل ما نسمع اسم نيتشه تخطر بأذهاننا قوة الكلمة، إلا أن هذه الرواية الأمريكية تقدم لنا الفيلسوف الألماني (فريدريك نيتشه) كما لم نقرأه من قبل، إذ تدور حبكتها حول الدكتور (بريوير) الذي يتم اللجوء له للوقوف بجانب نيتشه في ضائقة نفسية تجعله يفكر يوميا في الانتحار، هذا المؤلف الذي بلا قراء، والذي يقتنع أخيرا بأن الناس لن تلتفت لما كتبه إلا عام 2000 ميلاديا، إذ تدور أحداث الرواية عام 1882.
(لو سالومي) المرأة التي كانت صديقة لنيشته ووقع في حبها، هي التي تخطط لذهاب نيتشه لعيادة الدكتور (بريوير) لكن بشكل سري، والحق أنها امرأة جميلة جدا ومتعجرفة، حتى أنها سرقت قلب الدكتور نفسه في أول لقاء بينهما، وكانت قبلها قد أرسلت له رسالة لم يقرأ في عنجهيتها من قبل، تقول فيها: “يجب أن أراك لمناقشة مسألة بالغة الأهمية وعاجلة، إن مستقبل الفلسفة الألمانية على المحك، أرجو أن ألتقي بك في الساعة التاسعة من صباح الغد في مقهى سورينتو”.
أيضا من الشخصيات التاريخية الحقيقية التي تضمها الرواية لقائمة أبطالها عالِم النفس النمسوي (سيجموند فرويد)، وهو صديق حميم للدكتور بريوير حتى أنه يزوره في منزله ويلعب مع أولاده ويلاطف زوجته التي تتحدث معه أكثر مما تتحدث مع زوجها المهموم بعمله ومرضاه، ويتضح من السياق أن فرويد في هذه المرحلة العمرية من حياته لم يكن قد أسس مدرسته بعد أو اختار تخصصه حتى، لكنه كان على وعي بأمور كثيرة تبرز ذكائه وتفرّد تحليلاته، حتى أن الدكتور بريوير، وهو على قامة علمية كبيرة، يأخذ برأيه في أمور كثيرة؛ علمية وشخصية.
تعتمد الرواية على فكرة إيقاع الدكتور بريوير بنيتشه كي يحكي له كل ما يضايقه، وفي سبيل إنجاح هذه التكنيك يبادر الدكتور ويحكي لنيتشه، لكن الحبكة تنقلب تماما حينما ينزلق الدكتور في شِركه ويشعر بأنه هو المحتاج كي يتعرى أمام نيتشه، خاصة أنه انخرط في علاقات كثيرة بجانب زواجه، إحداها مثلا مع مريضته، وأن حتى زوجته لم يكن قادرا على خيانتها بدم بارد، وكان يحاول دوما تصنيفها في خانة ترضيه وتجعله ينطلق في حياته السرية، كأن يراها غبية أو قبيحة، لكنه في كل مرة كان يفشل. تلك الزوجة التي اعترف لها يوما أنها أجمل امرأة في فيينا.
تتوقف نهاية القصة على إقناع نيتشه للدكتور بريوير بضرورة التخلص من كل ما يثقّله؛ البيت والزوجة والأولاد ويسافرا سويا، فتتحول حياة الدكتور لجحيم؛ إما أن ينصاع ويجرب هذا العلاج الفعّال من فيلسوف آمن به وبقدراته، أو أن يظل قابعا في بِركته العفنة. كما هدده نيتشه بأنه إذا لم يرحل معه، سيذهب هو إلى إيطاليا حيث الشمس الدافئة والنسيم العليل، ليبدأ العمل على مخطوطة كتابه الجديد حول نبي فارسي يدعى زرادشت.
الكتاب صدر لأول مرة عام 1992 للمؤلف الأمريكي إرفين د. يالوم، ثم صدر بالعربية عن دار الجمل عام 2015 ترجمة خالد الجبيلي في 440 صفحة من القطع المتوسط.
إرفين د. يالوم، مؤلف كتاب “مشكلة سبينوزا” و”علاج شوبنهاور” و”مستلقيا على الكنبة” بالإضافة إلى عدة كتب دراسية عن التحليل النفسي. وهو أستاذ فخري في الطب النفسي في جامعة ستانفورد، ويقيم في بالو ألتو، بكاليفورنيا حيث يمارس الطب النفسي أيضا.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر