صور| سوق “السلطان” يحيي “مدينة الموتى”

تصوير: أميرة محمد

“خرجنا من الظلمة للنور”، هكذا عبرت أم عبدالله، عن حالها بينما كانت تجلس المٌسنة أمام بيتها تنتظر “الحسنة” من زوار المقابر، وتشرح كيف تبدل حالها منذ أن تبنت مؤسسة “أركينوز” للترميم المعماري “مدينة الموتى”، وتقول: “أسكن أنا وعيالي هنا في المدافن من وقت ماتجوزت، ومكنش عندنا دخل ولا أي وظيفة نعملها غير إنى بستني الجمعة للجمعة عشان أخذ الرحمة أكل وفلوس من الزوار”.

وتشير إلى أنها لم تكن تتخيل أن لديها القدرة على التعلم ولكنها مع التدريب أصبحت منتجة لصناعة الجلود، حيث إن المؤسسة تستلم منها وغيرها المنتجات وتقوم ببيعها لترد لهم العائد من هذه المنتجات، والتي أصبحت “وش السعد عليا وعلي بيتي”، على حد وصفها.

منتجات يدوية من صناعة السكان - تصوير: أميرة محمد
منتجات يدوية من صناعة السكان 

سوق السلطان

فى صحراء المماليك تحتضن المقابر الأحياء أيضا، وكذلك مقعد السلطان أشرف قايتباى الذي بني تقريبا عام 1470، وبعد ترميمه من قبل  مؤسسة “أركينوز” للترميم المعماري، بالشراكة مع وزارة الآثار التي سمحت بفتح باب المقعد لأنشطة ثقافية تخدم أهل الحي منذ 2015، ومن ضمن هذه الأنشطة جاءت فكرة “سوق السلطان” الدوري، وفيه منتجات يدوية ومعارض فنية وحكايات تراثية وعروض ثقافية تحتفى بسكان “مدينة الموتى”، وتفتح أبواب واحد من أهم آثار مصر الإسلامية لسكان حيه يثقفهم و يصونوه.

“دشنا مشروعات تنموية وثقافية وفنية لدعم أهالي الحي، وذلك من خلال الجمعية الأهلية التي أسسناها تحت اسم السلطان”، هكذا توضح المعمارية أجنيزكا دوبرولسكا، مؤسسة الجمعية والمرممة.

أحد المساجد المعمارية بصحراء المماليك

وتضيف: العمل على المنطقة جاء من خلال ثلاثة مشروعات أساسية تدعم الثقافة والتنمية لأبناء الحي وتفتح أبواب الأثر لسكانه لأول مرة عام 2015، منها صناعة المنتجات الجلدية اليدوية التي تصنعها سيدات المنطقة ودروس محو الأمية، والثقافة العامة، واللغة الإنجليزية، و”سوق السلطان” الذي يعرض الفنون اليدوية لأهالي الحي، ومنها منتجات الزجاج البلدي، الذي يعد من أمهر وأقدم الصناعات اليدوية المصرية القديمة ومنتجات نحاسية.

صانع زجاج بسوق السلطان

وتقول دوبرولسكا، إن هذه الفنون بدأت الخروج إلى النور من خلال ما تقوم به المؤسسة من أنشطة تنموية كان أخرها جولة داخل جولة في “مقعد السلطان” والتي نفذت باللغتين العربية والإنجليزية.

“فتحت مصدر دخل واتعلمت حرفة جديدة”، محمد محمود، 35عاما، من سكان المنطقة، يقف على منضدة تحمل عدد من الديكورات وأواني شرب زجاجية، يوضح ما قامت به المؤسسة من تعليمه حرفة صناعة الزجاج البلدي، ويقول إن المؤسسة نظمت لهم أكثر من ورشة تدريب على صناعة الزجاج علي يد محترفين، ومن ثم كانت بداية لمشروعه الذي اتخذ منه مصدر دخل ثابت بدلا من أن كان يعمل باليومية.

أحد الآثار المعمارية المملوكة للسلطان قايتباي

بجانب المعروضات من الزجاج والجلود، التي اصطفت على جانبي الطريق بجوار مجموعة السلطان قايتباي، يبدأ الدكتور أحمد عوض حسين، مفتش أثري، شرح مكونات مجموعة السلطان قايتباي والتي تضم كتاب ومئذنة وقبة.

من هو السلطان؟

ولد السلطان أشرف قايتباى سنة 815 هـ ـ 1412 م، وكان من المماليك، واشتراه الأشرف برسباي بمصر صغيرًا من الخواجه محمود سنة 838هـ بمبلغ خمسة عشر دينارا، وصار إلى الظاهر جقمق بالشراء، فأعتقه واستخدمه في جيشه، فانتهى أمره إلى أن أصبح في سنة 872هـ أتابك العسكر للظاهر تمربغا اليونانى الذي خلعه المماليك في السنة نفسها، وبايعوا “قايتباي” بالسلطنة، فتلقب بالملك الأشرف، وكانت مدته حافلة بالحروب، امتد حكمه 18 عاما، وسيرتُه من أطول السِّيَرِ، وتعرضت البلاد في أيامه لأخطار خارجية، أشدها ابتداء العثمانيين ـ أصحاب القسطنطينية ـ محاولة احتلال حلب وما حولها، فأنفق أموالا عظيمة على الجيوش كانت من العجائب التي لم يُسمع بمثلها في الإنفاق، وشُغِل بالعثمانيين، حتى إن صاحب الأندلس استغاث به لإعانته على دفع الفرنج عن غرناطة، فاكتفى بالالتجاء إلى تهديدهم بواسطة القسيسين الذين في القدس، سلمًا دون قتال، فضاعت غرناطة وذهبت الأندلس.

سر  رقم 8 والمسجد المطبوع على العملة المصرية فئة الجنيه 

يقول حسين: أول مجموعة للسلطان الأشرف قايتباي هي المئذنة التي تقع على يمين مدخل المدرسة، وتتكون من قاعدة وتنتهى بالدور الأول للمئذنة، لينتهى الدور الأول بشرفة المؤذن وفيها السماعة.

فيما تأخذ الشرفة الشكل الدائري، لأن النمط التقليدي هو أن يذاع الآذان بشكل دائري لسماع الآذان في أخر جزء من المئذنة يوجد “الجوثقك” ومحمول على 8 أعمدة رخامية.

ويفسر حسين سبب رقم “8” في المئذنة، ويقول إن كثير من الآراء ترى أن معظم الآثار الإسلامية لها مرجعية رمزية، فمثلا الجزء العلوي المحمول على 8 أعمدة، ورقم 8 عائد على الآية الكريمة “وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ”.

كما أن المجموعة بنيت على طريق يسمى بطريق الدرب السلطاني المملوكي، كان قديما في العصر المملوكي طريق للمواكب والقوافل، أي السلطان يخرج من القلعة لينظم احتفال بمنطقة صحراء المماليك، والذي يوجد في أخره تلال الحجاز وكان يخرج من بلاد الشام.

مئذنة معمارية بشارع السوق

أما المئذنة فهي أول ما تقع عليه عينك في المجموعة، ويوضح المفتش الأثري، أن رقم واحد يشير إلى أول ركن في الإسلام وهو شهادة أن لا إله إلا الله، كما أن المئذنة تأخذ شكل النجمة وهذا يعود إلى الآية الكريمة “وعلامات وبالنجم هم يهتدون”، من سورة النحل.

وعن مجموعة السلطان قايتباي، فهي عمارة تعليمية وعمارة خيرية، التعليمية تتمثل في الكُتب والتي بنيت بغرض تعليم أطفال المسلمين مبادئ القراءة والكتابة وتعليم القرآن الكريم للحرص على صحة الأطفال، ويوجد وجهتين من الناحية الشرقية والشمالية لدخول الهواء النقي ويتوسط في المنتصف تاج يعرف باسم تاج “قورانسي”، وهو عمود معاد استخدامه لأن حالته جيدة.

السبيل

هي كلمة مشتقة من “في سبيل الله”، أو أن الطريق كان يسمى السبيل فسمي بذلك، لذلك الشباك في السبيل صنع فيه منضدة تضع عليها الأواني ليقوم الساقي بملئها من الماء، كما أنه هناك “كوابيل” وهى من النحت البارز.

قبة الدفن

هي من أكثر الأجزاء البارزة في المجموعة المعمارية، لأن السلطان كان يقصد بعد المئذنة رؤية قبة الدفن، وذلك لسببين لإرضاء الناس أثناء وفاته باعتباره سلطان يهتم بتعليم الدين الإسلامي، وبعد الممات تعتبر صدقة جارية على روحه.

مجموعة السلطان قايتباي

بنيت القبة على الطراز العثماني ولكن الزخارف جاءت بشكل مملوكي، وأكثر ما يميزها هو الأرابيسك وهي وحدات هندسية وتمثيلية متشابكة، تتداخل مع بعض وتصنع شكل جمالي يشبه زهرة “التوليب”.

ويظهر الطراز العثماني للقبة في استبدال وضع “شريح” منقوش أو آية قرآنية، ببلاطات قيشاني أزرق على أرضية بيضاء، وهو قايتباي المحمودي الأشرفي، ثم الظاهري، أبو النصر، سيف الدين، سلطان الديار المصرية.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر