في ذكرى اكتشاف مقبرته.. العصفور الذهبي يبوح بأسرار «توت عنخ آمون»

لم يحظ كشف أثري بالدعاية والشيوع الكبير، الذي صاحب اكتشاف مقبرة توت عنخ أمون، في يوم الرابع من نوفمبر لسنة 1922، على يد الإنجليزي هوارد كارتر، الذي أصبح – بين ليلة وضحاها –  بفضل هذا الاكتشاف حديث الصحف العالمية والدوائر العلمية في أوروبا، لاكتشافه المقبرة الوحيدة المحتفظة بكنوزها وأثاثها الجنائزي من بين اثنين وستين مقبرة بوادي الملوك، جميعها نهبها لصوص المقابر، ولكن القدر الأكبر من الشهرة كان من نصيب الملك “توت”.
ذلك الفرعون الصغير والذي لم يمكث في عرش مصر سوى بضع سنوات، وصاحب موته المفاجئ بعض الغموض ولم يكن من الفراعين أصحاب الإنجازات الحربية والمعمارية، ليتحول فجأة إلى أيقونة الحضارة المصرية، وتصبح مقبرته القاسم المشترك بين جميع زوار مصر، ليلقب بـ”الفرعون الذهبي”، وتنسج حول مقبرته مئات القصص التي صبغتها بالكثير من التشويق والإثارة، ليشاع في الأوساط الأثرية والصحف ووسائل الإعلام أن لعنة ما تطارد كل من شارك في  إزعاج الفرعون الذهبي، وهو ما عرف بلعنة الفراعنة، والتي روج لها البعض على أنها نوع من السحر المصري، بينما اعترض كثير من العلماء وفسرها تفسيرات علمية مختلفة.
العصفور الذهبي
“سيذبح الموت بجناحيه كل من يبدد سلام مرقد الفرعون”.. هذه العبارة حسب ما أورد راجي عنايت في كتابه “لعنة الفراعنة وهم أم خيال”، وجدت على قطعة فخار في الحجرة المؤدية إلى حجرة الدفن، ليطرح بعض التساؤلات حول حقيقة هذه العبارة، مفترضا أن المصريين القدماء ربما يكونوا قد تركوا داخل المقابر نوعا من السموم يقتل كل من دخل أو ربما استطاعوا بطريقة ما أن يستقطبوا ويكثفوا الإشعاعات الكونية داخل المقبرة.
يشير المرشد السياحي أحمد فاروق إلى وجود بردية في المتحف البريطاني، تشير إلى أن الكاهن والأب الفرعوني أي قد حبس روح الملك في عصفور، مشيرا إلى أن ذلك جعل كارتر يشتري عصفورا ذهبي اللون من خان الخليلي بمبلغ خيالي في ذلك الوقت 100 جنيه، ولكن مات العصفور بسبب عضة أفعى في نفس اليوم الذي اكتشف فيه كارتر المقبرة، في ربط غريب، أوحى إلى كارتر وكارنفون أن شيئا على وشك الحدوث، أو كما أورد بريستد في كتابه فجر الضمير “أن شيئا رهيبا في الطريق”.
وفي سياق كتابه، أورد راجي عنايت أن لوحة اللعنة الفخارية اختفت فجأة، ملمحا إلى أنه من الجائز أن يكون كارتر نفسه من فعل هذا حتى لا ينتشر أمر اللعنة ويخشى العمال والآثاريين العمل بالمقبرة، لكن وكما يشير عنايت عند وصول كارتر إلى حجرة الدفن يجد تمثالا سحريا مكتوب عليه “أنه أنا الذي يصد لصوص المقبرة بلهيب الصحراء، أنا حامي مقبرة توت عنخ آمون”، ومن ناحية أخرى لم يستمع كارنفون لنصائح العرافين واستمر في نقل كنوز الملك، لتشتد عليه الحمى بعض أن أصيب بلدغة بعوضة محملة بالملاريا ويموت في أوائل أبريل 1923، وتتلاحق حالات الوفاة الغريبة أثناء عمل كارتر بالمقبرة، وبحلول عام 1929 وحسب عنايت كان هناك 22 شخصًا ممن لهم صلة مباشرة أو غير مباشرة لقوا حتفهم تباعا، من بينهم 13 شخصًا شاركوا في فتح المقبرة، إضافة إلى موت زوجة كارنفون بسبب لدغة حشرة.


كارتر
التقى كارتر باللورد كارنفون في عام 1903، كلاهما كان مولعا بالآثار، فالأول رسام مهتم بالكشوف الأثرية وصل إلى مصر في عام 1890 وقام ببعض الكشوف في منطقة بني حسن بالمنيا قبل أن يستقر بالأقصر منقبا عن مقابر الملوك، والذي توقف بسبب غياب التمويل، ليجد ضالته مع الثاني كارنفون، المولع باقتناء التحف الأثرية والذي قدم كل التسهيلات المادية كارتر، وعلى مدار 15 سنة، أنفق كارنفون آلاف الجنيهات في حفريات وادي الملوك، والتي لم تسفر إلا عن بعض الكشوف المتواضعة التي لم ترض غرور الأثري كارتر أو تطلعات كارنفون في تحقيق أرباح استثماراته الباهظة، وفي نفس الوقت الذي كان كارنفون يفكر في إنهاء المشروع كان كارتر مصرا أنه سيجد مقبرة الملك الصغير، ففي ذلك اليوم وبعد أن أعياه البحث وجلس ليستريح، يفاجئه صوت رئيس العمال قائلا “سيدى لقد اصطدمت فؤوسنا بدرجة  منحوتة في ذلك المكان وأشار إلى بقعة أسفل مقبرة رمسيس السادس في وسط وادي الملوك، وفي اليوم التالي نجح كارتر في الوصول إلى 16 درجة مؤدية إلى باب مختوم بختم جبانة طيبة.
حسب ما يشير الأثري أحمد حسن، وجود الختم على الباب الرئيسي المؤدي إلى المقبرة دليل على أن المقبرة قد اقتحمت بفعل اللصوص في العصور السابقة، ولكن لسبب ما لم يستطع اللصوص أخذ شيء، مؤكدا أن ذلك حالة الغرفة الأولى حين اكتشفها كارتر من فوضى وعدم ترتيب للمحتويات تدل على أن شخصا ما عبث بالمقبرة، متابعًا ويبدو أن الكهنة قاموا بتفقد المقبرة بعد ذلك وأغلقوها وختموا الباب بختم الجبانة.
وفي 17 فبراير 1923 وصل كارتر إلى حجرة الدفن ووصل إلى مقاصير الدفن الذهبية التي تحتضن مومياء الملك المدثر بقناع ذهبي رائع، وهنا يشير عنايت إلى أن كارتر طيلة مدة عمله بالمقبرة كان يعتقد أن ما عثر عليه ليس سوى مخزنا “سريا” لكنوز أحد الفراعنة الكبار، ولم يتوقع أن يجد غرفة الدفن، وحين دخلها أول مرة صاح “الذهب في كل مكان”.
حقيقة موت توت
يلفت الباحث الأثري خالد علي، ماجستير في الآثار الفرعونية، إلى أن حالة المقبرة المتردية وعدم اكتمال نقوشها بشكل كامل تؤكد أن الموت باغت الملك توت، كما أن آثار الندبة الكبيرة في جمجمة موميائه جعلت الباحثين وعلى مدار عقود يعتقدون أن الملك مات مقتولا بفعل ضربة قوية على رأسه، ومستندين في نظريتهم إلى أن فترة حكم الملك توت عنخ أمون ( 1334-1325 ق.م ) والتي صاحبت ما عرف بالثورة الدينية، التي قادها سلفه الملك اخناتون وخلقت صراعات اجتماعية وسياسية، واحتمالية أن يكون آي، المشرف على البيت الفرعوني سعى لقتل توت، للاستيلاء على السلطة وهو ما حدث فعلا بزواج آي من أرملة توت عنخ أمون.
يتابع علي إلا أن الأثريان الأمريكيين قاموا بعمل فحوصات أكثر دقة على مومياء الملك توت في التسعينات، وخرجوا بنظرية أن الملك مات إثر حادثة وقعت له بسبب قيادته عربته بسرعة كبيرة، إذ وجد وحسب الأمريكان أثار حدوث كسر في الجزء الذي يربط إحدى عجلات العربة بجسمها، ما أدى إلى وقوع الملك من جانب العربة وارتطام رأسه بالأرض ما أدى إلى وفاته، ويعتقد علي أن موت توت عنخ آمون ما زال غامضا بالرغم من النظرية الحديثة، إذ يعتقد بعض الأثريين أنه ربما تم إتلاف العربة عن عمد ليلقى توت مصيره المحتوم.
أشياء عجيبة
يورد راجي عنايت في كتابه جزءا من  كتاب كارتر “مقبرة توت عنخ آمون”، والذي يقول فيه: “في البداية لم أستطع أن أرى شيئا بسبب الظلام.. ولكن ما أن تعودت عيناي المشهد حتى بدأت تظهر لي تفاصيل المكان، حيوانات غريبة وتماثيل… ذهب.. ذهب.. في كل مكان، وللحظة قصيرة – لا بد أن ظهرت دهرا للآخرين – أخذت أحملق صامتا من فرط الدهشة، ويتابع كارتر كان كارنوفون أول المتحدثين والذي همس بانفعال.. هل  ترى شيئا؟ فقلت؟ نعم.. أشياء عجيبة.
ويورد جيمس بيكي في كتابه “الآثار المصرية في وادي النيل”، في الجزء الثالث الذي أفرده للحديث عن آثار طيبة، وصفا مختصرا للمقبرة، يشير فيه إلى أنه بعد نزول درجات السلم الستة عشرة المؤدية إلى الباب المختوم والمؤدي إلى ممر طويل ومنه إلى باب آخر يفتح على حجرة أمامية هي أكبر حجرات المقبرة، وفي الزاوية اليسرى لهذه الحجرة ممر قصير يؤدي إلى حجرة صغيرة، وهاتان الحجرتان كانتا مكدستين بالآثاث الجنائزي، وفي الركن الأيمن للحجرة الأمامية ممر يؤدي إلى حجرة الدفن، والتي تحتوي على أروع محتويات المقبرة، أروعها على الإطلاق العرش الذهبي للملك توت والموجود حاليا بالمتحف المصري، وتمثالان للملك بالحجم الطبيعي من الخشب المذهب، إضافة إلى المقاصير الأربعة المذهبة والتي وضع في داخلها التابوت الأصلي، وينفتح من حجرة الدفن باب يؤدي إلى حجرة صغيرة استخدمت كمخزن للمحتويات، ويشير بيكي إلى روعة القناع الذهبي الذي يغطي الجزء الأعلى من جسد الفرعون، وهو مصنوع من الذهب الخالص المنقوش والمطعم بالأحجار الكريمة، كما يشير إلى بعض المناظر السليمة للملك توت أمام آلهة العالم الآخر، وإلى المظهر الشهير الذي يقوم فيه الكاهن أي بطقس فتح الفم لمومياء الملك، مشيرا إلى أن جميع محتويات المقبرة نقلت إلى المتحف المصري، عدا التابوت الحجري المصنوع من الحجر الرملي المتبلور، والتابوت الخشبي الثاني المغطى بقشرة رقيقة من الذهب.
مراجع وأسانيد
1- لعنة الفراعنة..وهم أم حقيقة – راجي عنايت – دار الشروق 1995
2- الآثار المصرية في وادي النيل “الجزء الثالث” – جيمس بيكي – ترجمة لبيب حبشي – مطبعة جامعة القاهرة 1972- من ص 206 إلى 209.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر