عرض كتاب| خيارات صعبة.. مذكرات هيلاري كلينتون

كتب – مارك أمجد
في كتابها “خيارات صعبة” تحكي هيلاري كلينتون تجربتها كسيدة أمريكية تولت منصب وزيرة الخارجية في عهد الرئيس أوباما. أضف إلى تجربتها كزوجة للرئيس بيل كلينتون على مدى فترتين رئاسيتين، ورغم جدية الأمور التي تتناولها كلينتون بحكم ما عاينته من حروب وكوارث وحلول استراتيجية لإنقاذ صحفيين أمريكيين في دول قمعية ومحاولات دؤوبة للتوصل لحلول وسطية عملية مع رؤساء دول ديكتاتورية بينها وبين أمريكا مصالح اقتصادية هامة، رغم كل هذا الجو المشحون تسرد هيلاري ببساطة في بعض أبواب الكتاب الأخرى تفاصيل من حياتها الشخصية ونشأتها في أسرة متدينة ذات مستوى عادي، لكنهم حرصوا على نشأتها بصورة قويمة وأن تعرف دستور بلدها ولوائحه، وأن تصير مواطنة لها تأثير على أي مكان تعيش فيه، كما تتطرق أيضا لتجربة زواجها ببيل كلينتون والأمور التي وجدتها مشتركة بينهما وحفزت ارتباطهما الأبدي ببعض. وتحكي عن ابنتها وتجربة زواجها وكيف كان على هيلاري كلينتون السيدة الأولى ووزيرة الخارجية لأقوى دولة في العالم والسياسية المحنكة أن تمارس دور الأم كما تمليه عليها فطرتها الإنسانية.
ورغم أنها تعمل بالسياسة وليس الأدب، نفاجأ بقدرة بديعة على تضفير الحكايات التي يمتلأ بها الكتاب، وقدرة جيدة على التنقل بين التفاصيل وربط الزعماء السياسيين والأحداث العالمية ببعضها البعض، قطعا هناك محررين يساعدون هيلاري، لكنه ليس كتابها الأول، وليست أول حكاية هامة تحكيها عما يدور داخل البيت الأبيض.
علاقة أمريكا بالصين وروسيا
تشرح مثلا كلينتون كيف تنظر أمريكا للصين على أنها قوة اقتصادية تتنامى يوما بعد يوم، رغم التضييق على الشعب هناك من قبل الحكومة، وتشير إلى المناطق التي تسعى الإدارة الأمريكية أحيانا للتدخل فيها للوقوف بجانب الشعب الصيني، لدرجة أنهم في مرة رتبوا برنامجا ثقافيا ينص على تبادل طلاب بين الصين وأمريكا، كي يتعرف كل من الفريقين على طبيعة الشعب الآخر، بدلا من الصورة المحرفة التي يصدرها الإعلام والسينما والصحافة أحيانا بغرض الدعاية السلبية.
وفي هذا الصدد لا تتحرج كلينتون من الاعتراف بأنه في بعض الأحيان يتوجب على الإدارة الأمريكية أن تتعاون مع بعض الدول حتى لو كانت على علم بمدى ديكتاتوريتها، في سبيل إنجاح بعض المساعي الاقتصادية بين البلدين. وهذا لا يمنع أن أمريكا تتعمد أحيانا إحراج الطرف الآخر كي تثبت للعالم أنها الحارس الأول والأخير للحقوق والحريات في وقتنا الحالي.
أما علاقة أمريكا بروسيا فهي علاقة يشرحها الكتاب وكأنها علاقة فتاتين في الثانوية تغير كل واحدة من الأخرى أشد الغيرة. ولعل علاقة البلدين المضطربة كانت واضحة من الخمسينيات ثم احتلال السوفييت للأفغان، وتوضح كلينتون كيف تصورت الإدارة الأمريكية أن تمويلها للمجاهدين الأفغان سيخلصها من شبح الشيوعية والسوفييت للأبد، ولم تتخيل أبدا أن الوحش الذي سمّنته سيستدير للخلف ويلتهم برجيها في 11 سبتمبر من عام 2001.
أضف إلى اصطدام أمريكا وروسيا دوما فيما يخص تدخل الأخيرة في حروب سوريا بشكل فج، وكيف تصر روسيا على إدارة المعركة السورية سواء بالسلاح أو المال أو عبر خطط ومناورات. وكأن أمريكا لم تسع من قبل للقيام بنفس الدور في العراق مثلا. وهذا هو موطن قوة مذكرات هيلاري، فهي تبرز لك أن الرؤساء والحكومات لا تفكر بطريقة مغايرة عما يفكر بها الأطفال.
علاقة أمريكا بباكستان وأفغانستان
بلا شك شكلت حركة طالبان للأمريكيين دوما هلعا وخوفا، خاصة وأن الطالبان كانت تحركاتهم وأفعالهم في غاية العنف والمبالغة، لدرجة تصل لقتل المدنيين العزل والأطفال في المدارس، الأمر الذي أجبر أمريكا على مساعدة الحكومات في باكستان وأفغانستان (في بعض الأحيان) إذ لم تكن هناك ثقة ووفاق بشكل كامل، للقضاء على تلك الجماعة الإرهابية، وتمثلت تلك المساعدات العسكرية مثلا في تمويلهم بطائرات بدون طيار. ولعل من أظرف الكواليس التي تسردها وزيرة الخارجية الأمريكية العملية العسكرية التي قامت بها قوات المارينز الأمريكية للقبض على أسامة بن لادن في باكستان عام 2011، والتي تم تنفيذها بتكنيك متناهي في السرية حتى على القيادات الباكستانية التي لم تثق فيها أمريكا لدرجة أن تخبرها بأمر عملية خطيرة مثل تلك.
علاقة أمريكا بأوروبا
لعلها أفضل العلاقات حتى الآن، فما يجمع أمريكا بدول الاتحاد الأوروبي ليس له أي علاقة بالحروب والمناوشات، بل كلها علاقات اقتصادية وصفقات حربية، وتشير هيلاري إلى علاقتها الوطيدة بميركل، حتى أنه ذات مرة نُشرت في إحدى المجلات صورة تجمعهما دون أن تبرز وجه أي منهما، واحتار الناس في تمييزهما. وبصدد العلاقات مع الحليف الأوروبي تقول كلينتون بالحرف: تعلمت في المدرسة الابتدائية أغنية لفتيات الكشافة تقول: “اعقد صداقات جديدة، لكن حافظ على القديمة. الأولى فضة والأخرى ذهب”.
أمريكا والشرق الأوسط والربيع العربي
لا تمنع هيلاري نفسها في مذكراتها الشخصية من الإطراء على ثورات الربيع العربي في الشرق الأوسط، مثل تونس ومصر وسوريا. وكمواطنة أمريكية ووزيرة خارجية ترى أن ما فعله العرب في تلك الآونة لا يندرج تحت البلطجة والعنف والتخريب، وإنما هو حق لأي إنسان أن يتظاهر وينادي بحقوقه، وهنا تستغل الفرصة وتوضح طبيعة المناقشات بين الرئيس محمد حسني مبارك والإدارة الأمريكية، وكيف فهم الأمريكان أن الإخوان المسلمين ليسوا فقط رمزا للحكم في مصر، وإنما قوة دينية باطشة يمكن بكسبهم تحريك بوصلة الشرق الأوسط كله، ولعل أهم ما تحكيه هيلاري في تجربة 25 يناير أنها زارت مديان التحرير بعد الثورة وتسنى لها مقابلة بعض فئات الشعب وسؤالهم عن أسباب وأهداف قيام ثورتهم وتطلعاتهم فيما هو قادم، لكنها فوجئت بكارثة حقيقية لما وجدت أن هذا الشعب حقق ثورة نجحت دون قصد، وأنه عندما ثار لم يملك أدنى خطة للغد، وبالتالي لا يعرف وجهته بالتحديد. الأمر الذي خيب آمالها بشدة وجعلها تتوقع ما هو أسوأ لثورات الربيع العربي.
الكتاب صادر عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر من ترجمة ميراي يونس بالاشتراك مع ساندي الشامي وروزي حاكمة، مع تدقيق لغوي لحبيب يونس وتصميم الغلاف لريتا كلزي وإخراج فني لفدوى قطيش. عدد صفحاته 583 من القطع الكبير مع غلاف لميع يحمل صورة هيلاري مبتسمة بأمل.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر