حوار| حاصد الجوائز.. الروائي أحمد قرني يتحدث عن تجربته ومستقبل الثقافة في مصر

يعيش الروائي أحمد قرني عالمًا رحبًا من الإبداع، فقد كتب الشعر وأنتج بضعة دواوين، وكتب القصة والشعر والمسرحية للأطفال، كما كتب الرواية لليافعين، والرواية للكبار، المدهش أن الروائي الكبير حصل على العديد من الجوائز من مصر والعالم العربي عن معظم إبداعاته سواء في الشعر والكتابة للأطفال أو الكبار، وهو ما يجعل الحوار معه ثريًا.

*بدأت تجربتك الإبداعية بكتابة الشعر عام 1996، ثم توقف الشعر بعام 2001 وتحولت وبشكل نهائي إلى الرواية، ما السبب؟

هذا التحول لم يأت فجأة، ولم يكن عن عمد أو قصدية، حيث كانت تجربتي الأولى في الشعر ديوان “لكي العشق والنيل لي” الذي صدر عن سعاد الصباح وحصل على جائزة كبيرة، وبعدها صدر عملين آخرين، بعد الجائزة حدث نوع من التوقف للشعور الكبير بالمسؤولية عما ينتظره القراء والنقاد من إنتاجك الذي يفترض أن يكون بمستوى العمل الحاصل على جائزة أو يتجاوزه، كما أن النشر في منتصف التسعينات كان صعبًا للغاية، وكانت الجوائز الأدبية محصورة في ثلاثة فقط هم جائزة سعاد الصباح وجائزة البابطين وجائزة المجلس الأعلى للثقافة في مصر.

ثم كتبت أول مسرحية لي للطفل عام 2001 وهي “الثعلب ملكًا” والتي طبعت في المركز القومي لثقافة الطفل وفازت بالمركز الأول في مسابقة المركز فشاركت بقصة طويلة اسمها “شادي في دنيا الحواديت” في مسابقة سوزان مبارك وحصلت على المركز الأول، وبدأت دور النشر تتواصل معي كي أقوم بكتابة أعمال جديدة للأطفال، ومن هنا دخلت في عالم الكتابة للأطفال ومن خلال السرد للأطفال أخذني ذلك للسرد للكبار، فكتبت أولى رواياتي للكبار وهي “حارس السور”، وفازت بجائزة مجلة الصدى الإماراتية في أول دورة لها، ثم بدأت رحلة السرد والكتابة والجوائز.

*تنتج كل عام عملًا إبداعيًا وأحيانًا عملين، فما سر تلك الغزارة؟

كما قلت في السابق أن حصول الكاتب على جوائز تعطي للكاتب نوع من التقدير لكتابته ويشعر أن هناك من يقيمه دون أن يعرفه وتلك قيمة الجائزة، لذلك عندما يتم الاتفاق من قبل لجنة التحكيم على عمل أدبي ليكون هو الفائز يكون ذلك بسبب تميزه ورصانته، وهو ما يشعر الكاتب أنه قدم شيئا مهما، وخاصة إذا كانت الجائزة من دولة عربية لأن هذا معناه تجاوز الكاتب لحدود وطنه ما يسهم في سرعة انتشاره وشهرته، أعتقد أن هذا ضمن دوافع الكتابة.

*هل هناك صعوبة في الكتابة للأطفال؟

قطعا لا يستطيع أي أحد الكتابة للأطفال، ومن يعتقد أنها سهلة فهو لا يعلم شيئٍا عنها، وأعتقد أن فكرة السهولة تلك كانت لدى النقاد فترة الستينات الذين تعاملوا مع الكتابة للطفل كأنها وكاتبها من الدرجة الثانية، والآن تغيرت الصورة ولم يعد لوجه نظر الستينيات بقاء، ولأن الكتابة للأطفال هي الكتابة الوحيدة الموجهة فهي تحتاج لثقافة ووعي التربوي من الكاتب، حيث أنه يقدم بجانب إبداع الكتابة ثقافة وتعليم ولغة تربوية وتوجيه تربوي، وأنا أتصور أنه بعد وجود السوشيال ميديا أصبح الحفاظ على الهوية هو الأهم وهو ما ينوط به كاتب الأطفال الآن، للخوف من تلاشي الهوية في “القرية الكونية الكبيرة”، ويجب على الكاتب أن يأخذ الطفل إلى سحر تراثنا، فالكتابة للأطفال ليست لتسليتهم بل هي حفاظ على الأمن القومي.

*ترأست في 2014 لجنة أبحاث مؤتمر “أدب الطفل بين التراث والحداثة”، إلى أي مدى يستفيد كتاب أدب الأطفال من التراث العربي والشرقي؟

توجد دراسات هائلة تجيب على هذا السؤال، ووقوع الكاتب وسجنه لأفكاره في براثن التراث فقط فهو يحرم نفسه من الآن أقصد الحاضر وما به من ثورة معرفية هائلة، لذا يجب على الكاتب أن يحرر نفسه من الكتابة عن ومن التراث، وأقصد بذلك أنه يجب الخروج والتملص من هذه المعضلة بالمحافظة على التراث العربي والثقافة العربية والاهتمام بالنقلة الحضارية الكبرى التي تحدث الآن، إذ كيف نقدم للأطفال كتابة ليست ساذجة أو تافهة، ولا تعتمد على الخرافات، وتعيد إنتاج التراث، يمكن للكاتب أن يقدم التراث ويتعامل معه وهذا ضروري ومطلوب شرط أن يقدم برؤية حديثة، لذا على الكاتب أن يكون على دراية بالواقع الآن والتاريخ أيضًا، حتى يشعر الطفل أن الكاتب يعيش معه في نفس اللحظة وليس منفصلا عنه في ماض سحيق.

*ما هو واقع الكتابة لليافعة في مصر؟

يحتاج اليافعة أو المراهقين لكتابة تخاطب عقولهم وتجيب على أسئلتهم وتناقش طموحاتهم وأحلامهم ومستقبلهم، لأن تلك الأحلام والطموحات في هذه المرحلة تتجاوز الواقع، وهذه المرحلة العمرية من سن 14 إلى سن العشرين غائبة في الثقافة العربية ولم يتناولها الكتاب وبالتالي هي مرحلة بها فراغ من الإنتاج الثقافي، ومحاولات تبسيط العلوم أو حتى تبسيط  واختصار روايات الكتاب الكبار فشلت لأنها كانت تشعر من في تلك المرحلة بأنه غير قادر على فهم واستيعاب منتج ثقافي ما، لذا وبعد انتشار الكتابة لليافعين في الغرب بدأت تظهر مؤسسات كبرى في الوطن العربي تهتم بهذا النوع وترصد له جوائز كبرى، استغلالا لتحقيق نسب عالية من المبيعات لأن من في تلك المرحلة يحتاج إلى كتابة بسيطة غير معقدة وتعبر عنه ومن هنا ظهرت كتب اليافعة، وكانت أول رواية لي لليافعة هي رواية “جبل الخرافات” وحصلت على جائزة كتارا في الرواية العربية، ثم بعدها حصلت رواية “لعبة الطائر العجوز” على جائزة مصطفى عزوز بتونس.

*يتنوع التكنيك في كتابتك لروايات اليافعة عكس كتابة الأطفال، فما هي الموضوعات المفضلة لديك في الكتابة لليافعة؟

أرى أن من يكتب لليافعة لابد أن تكون كتابته مشوقة، قادرة على مخاطبة هذه السن، يعرف أحلامه وتطلعاته، يشتبك مع أفكاره وسؤاله، وهو ما قد يتم طرحه من قبل أبطال الرواية، وقد تناولت في رواية جبل الخرافات فكرة الصداقة التي توجد الآن في الواقع الافتراضي وهل هي صداقة حقيقية أم لا؟، وكيف يمكن للمراهق أن يحقق حلمه أو يتغلب على الصعوبات التي تواجهه؟، لذا يحتاج في الرواية لبطل من سنه كي يشتبك معه ولابد أن تكون المشاكل التي تطرح في الرواية مشاكل واقعية من معايشته، وفكرة أن الكبير يمتلك دائمًا المعرفة هذه من الأفكار المغلوطة الآن في ظل وجود الإنترنت الذي أتاح المعرفة للجميع، وهنا يجب على الكبير احترام معرفة الصغير، ويجب أن يكون هناك حوار وجدل يتيح الفرصة لليافعة لعرض أفكارهم ورؤاهم ولا نستهزئ بها لمجرد أنهم أصغر عمرًا، وأنا في أغلب رواياتي أعرض وأناقش حلم الشباب واليافعة لتغيير المجتمعات للأفضل.

*تندرج روايتك “الخرافي” تحت أدب الخيال العلمي، لماذا تندر كتابة الخيال العلمي في مصر والوطن العربي؟

للأسف ليس هناك اهتمام في الوطن العربي بهذه النوعية من الكتابة والسبب يرجع إلى أن دور النشر والمؤسسات لا تقبل على نوعية الخيال العلمي مطلقًا، وقد ذكرت خلال مؤتمرات عديدة أن مستقبل الكتابة القادمة للخيال العلمي، ومشكلة العرب أن كتابة الخيال العلمي لديهم تنحصر في الفضاء والمركبات الفضائية، وهذا ليس صحيحًا لأن كتابة الخيال العلمي قائمة في الأساس على نظريات علمية في كل مجالات العلوم وليس الفضاء فقط، يأخذها الكاتب ويقوم بتطويرها كحلم، وهذا ما انتبهت له الأردن من خلال جائزة شومان فهي حيث تشترط أن تكون الروايات المقدمة للحصول على الجائزة قائمة على النظريات العلمية ولها أسس علمية، ففي رواية الخرافي مكثت لعامين أقرأ في النظريات العلمية حتى أنتج هذا العمل.

*ما الذي يلفت انتباه الروائي أحمد قرني في أدب الأطفال في المشهد الثقافي المصري؟ ومن أبرز نجومه؟

أصبح هناك جيل عريض من كتاب أدب الأطفال أتوا جميعا بعد يعقوب الشاروني وعبدالتواب يوسف، فقد أخذ عالم الكتابة للطفل حظاً كبيرًا في مصر والوطن العربي بعد أن دخل فيه الكتاب الكبار مثل أحمد زحام، محمد ناصف، أحمد طوسون، محمد عاشور هاشم، عبده الزراع، انتصار عبدالمنعم، والكاتبة الكبيرة عفاف طبالة، والكاتبة الكبيرة فاطمة المعدول، وهناك العديد والعديد من الكتاب في مصر.

*لك العديد من الروايات بينها “آخر سلالة عائلة البحار” لماذا هي الرواية الأكثر مناقشة ودراسة نقدية؟

ساهم في ذلك انتشار الرواية لذلك كان حظها أوفر في الدراسة النقدية، فمن خلال الإنترنت تلجأ دور نشر كثيرة للنشر الإلكتروني وهو الذي سهل الانتشار، وقد حصلت تلك الرواية على جائزة الشارقة عام 2004 وبما أنها نشرت في دار نشر كبرى قامت بترويج الرواية على مستوى عالي، لدرجة أن أحد النقاد شارك بدراسة نقدية عن تلك الرواية في مؤتمر بمدينة الأقصر ولم يكن لدي علم بذلك حتى كلمني أمين عام المؤتمر وأخبرني.

*هل لديك طقوس خاصة للكاتبة سواء للرواية أو القصة أو الشعر؟

لم تعد الأشكال الأدبية كما كانت في السابق أشكالًا منفصلة عن بعضها، والرواية تحقق للكاتب كل شيء حيث يمكنها أن تتحمل الشعر والدراما والحوار المسرحي، وبالتالي عند كتابة الرواية الكاتب يكتب عالم متنوع الأشكال الأدبية داخل النص، لذا الرواية عالم رحب لكتابة كافة الأفكار، كما يمكن من خلال الرواية الاشتباك مع العالم بكل أفكاره وتقلباته الاجتماعية أو الثقافية عبر مراحل تاريخية.

*لماذا يحاكم أحمد قرني في غالبية أعماله التاريخ الحديث لمصر، كما في رواية “كما يليق بحفيد” التي لها موقف نقدي من ثورة 52، كذلك روايتي “حارس السور” و”سماء الحضرة”؟

دائما ما اشتبك مع التاريخ لأنني لا أرى أنه يجب أن يطلق عليه صواب وخطأ، كما يجب قراءة التاريخ من كافة الزوايا حيث أن التاريخ ليس لغة واحدة وليس اتجاه واحد فهو يقدم لنا من وجهة نظر كاتبه، لذلك لا يجب أن نأخذ رواية الأحداث التاريخية دون أن نراعي أن لها رؤية ووجهة نظر مرتبطة بسلطة أو طبقة ما.

*ما الذي تمثله لك مدينة سنورس التي تعيش فيها؟ ولأي مدى تظهر في كتاباتك؟

الإنسان ابن بيئته ومكانه، وقد أنتجت أغلب أعمالي استنادًا إلى أحداث وشخوص وقصص لها وجود حقيقي، على سبيل المثال في روايتي”آخر سلالة عائلة البحار” جميع الأحداث والشخوص والأبطال تقع في قرية بهيت الحجر بسنورس، وكان الكثير من الأشخاص ينشغلون ويتساءلون أين هذا المكان؟، كما أن رواية “صلاة إبليس” جميع أحداثها تقوم في قرية المناشي بسنورس، ورواية “الحفيد” تنطلق في منطقة كيمان فارس الشهيرة.

*كنت أمينًا عامًا لمؤتمر القاهرة وشمال الصعيد الثقافي عام 2013 بعنوان “الثقافة المصرية والمستقبل”، كيف يرى أحمد قرني مستقبل الثقافة في مصر؟

أرى أن مصر وبالرغم من وجود مراكز كبرى ظهرت في الوطن العربي فهي مازالت تقود الطليعة في الكتابة، فهي التي تحمل التراث العربي وهي دائما التي تقدم الجديد في الكتابة، وهذا لا يقلل من دور المغرب العربي، أو لبنان، ولكن التجربة المصرية هي الرائدة والتي لا تزال متماسكة وتحمي التراث العربي وهي القادرة والقاطرة التي ستقود الوطن العربي، وربما تعوقها معوقات إدارية أو مالية، ولكن أرى أن  المثقفين والأدباء المصريين قادرين عل قيادة تلك القاطرة التي تقدم أعظم الكتابات النقدية والأدبية، والمدرسة المصرية هي الأولى في الوطن العربي.

ما حصل عليه من جوائز

حصل أحمد قرني على جائزة المركز القومي لثقافة الطفل عام 1997، والمركز الأول لجائزة النيل لأدب الطفل عام 1998، وجائزة نادي القصة في الرواية عام 2003، وجائزة الشارقة في الرواية عام 2004 عن رواية “آخر سلالة عائلة البحار”، وجائزة نادي القصة في الرواية عام 2005، وجائزة مجلة الصدى الإمارتية في الرواية عن رواية “حارس السور”، وجائزة مجلة الثقافة الجديدة وزارة الثقافة، وجائزة اتحاد كتاب مصر، وجائزة أدب الحرب من مجلة النصر للشؤون المعنوية للقوات المسلحة ولعدة سنوات، وجائزة الهيئة العربية للمسرح بدولة الإمارات العربية، وجائزة الشارقة في أدب الطفل عام 2007، كما حصل على منحة لنيل جائزة الدولة في أكاديمية مصر في روما في الكتابة للطفل، وحصل على جائزة دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع بالكويت، وحصل على درع الهيئة العامة لقصور الثقافة – وزارة الثقافة- تقديرًا لدوره في الحياة الثقافية ولمساهماته في تنظيم مؤتمر أدباء مصر على مدى دورتين، وجائزة مصطفى عزوز لليافعين بتونس مرتين على التوالي، والعديد من الجوائز الأخرى.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر