ستات البلد| “عائشة تيمور” كتبت الشعر بالفارسية والتركية والحامولي غنّى كلماتها

بمناسبة شهر المرأة وبالشراكة مع مؤسسة المرأة والذاكرة نسلط الضوء على نساء ملهمات من مصر والعالم العربي في سلسلة “ستات البلد”.

وقد اهتمت المؤسسة بإحياء ذكرى الشاعرة عائشة تيمور والتي عرفت بـ”خنساء العصر الحديث”، من خلال إعادة نشر كتابها “مرآة التأمل في الأمور” في عام 2002، وقامت بتقديمه د. ميرفت حاتم.

البداية

ولدت عائشة تيمور في عام 1840، واسمها عائشة عصمت ووالدها هو إسماعيل باشا محمد كاشف تيمور من وجهاء الطبقة الأرستقراطية من أصل كردي تركي، وشغل منصبا في ديوان الخديوي يعادل منصب وزير الخارجية الآن، وهي شقيقة العالم الأديب أحمد تيمور وعمة كل من الكاتبين محمد ومحمود تيمور.

ساعدتها نشأتها على تعلم وإجادة الفارسية والتركية والعربية في سن صغير، وبحسب كتاب عائشة تيمور: تحديات الثابت و المتغير فى القرن التاسع عشر تحرير د. هدى الصدة مؤسسة المرأة و الذاكرة 2004، فقد كانت المدرسة الوحيدة المتاحة للفتيات في ذلك الوقت هي مدرسة الحكيمات، تتخرج الحكيمة بلقب “أفندي” وتحصل على حمار وحارس شخصي، فضّلت عائشة أن تدرس في المنزل في وقت كان ينظر إلى تعليم الفتيات كأنه مفسدة ولا يتفق مع معايير المجتمع الشرقي المحافظ، لتتعلم الأدب والفقه والبلاغة  والعروض لتقرض الشعر في سن صغيرة باللغات الثلاث، ولكن تتوقف لسنوات بعد زواجها وانشغالها بالأولاد.

تمرد عائشة تيمور

“رفضت أن تتعلم فنون التطريز والحياكة وطالبت أن تحضر مجالس العلم والأدب فلبى والدها طلبها وشجعها على ذلك بينما توخت أمها الحرص خوفا على ابنتها من المضي في طريق قد يجلب لها المشقة والحزن”. هكذا عبرت عائشة تيمور عن قصة احترافها كتابة الأدب، بحسب ما ورد في الكتاب السابق ذكره، والذي يتضمن مجموعة من الأبحاث القيمة التي تم تقديمها في مؤتمر نظمته مؤسسة المرأة والذاكرة تحت عنوان عائشة تيمور: تحديات الثابت والمتغير في القرن التاسع عشر.

توفي والدها في عام 1882 ثم زوجها بعده بثلاث سنوات، لتصبح سيدة نفسها وتتفرغ لدراسة العروض والنحو وتحضر في منزلها معلمتين هما “فاطمة الأزهرية” و”ستيتة الطبلاوية” ليعلماها العروض والصرف والنحو، وتتفرغ تيمور لدراستها وتتفوق بها وتلتحق بالعمل كمترجمة في ديوان الخديوي، وتكتب عددا من دواوين الشعر.

اعتبرت عائشة تيمور ظاهرة أدبية في القرن التاسع عشر، وكتب عنها المؤرخون أنها إحدى طلائع النهضة الثقافية والاجتماعية في عصر الخديوي إسماعيل، وبحسب الكتاب فقد طرقت عائشة تيمور معظم الألوان الأدبية بجانب الشعر بلغاته الثلاث، كما كتبت القصة والرواية والمقالات والدراسات الثقافية والتي تركزت على فكرة أن الأدب من وسائل التغيير بالنسبة للمجتمع بشكل عام وللمرأة بشكل خاص.

شاعرة مجددة

يشير الكتاب إلى أن بزوغ نجم الشاعرة عائشة تيمور تزامن مع تنصيب محمود سامي البارودي باعتباره أول المجددين في الشعر العربي الحديث، ويلفت النظر إلى أنه تم تجاهل عائشة تيمور كإحدى المجددات الأوائل جنبا إلى جنب مع البارودي. وكيف خرجت عائشة تيمور بالشعر من بوتقته الضيقة المقصورة على المديح والهجاء لتكتب قصائد تتحدث عن موضوعات وجودية وفلسفية فتقول في إحدى قصائدها.

أين السلوك الذي أسرار لمحته ….. مصباح نور لمشكاة المناجاة

كيف الخلاص وأجداث الشقا الوطني … وقد رمتني بها أيدي الشقاوات

لعبت عائشة دورا مهما في الحياة الثقافية والاجتماعية في مصر في النصف الأخير من القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، في الوقت الذي احتدم فيه الصراع بين الشرق والغرب حول مفهوم المجتمع الحديث والصورة المثلى للرجال والنساء فيه.

فقد كانت الصورة النمطية للمرأة الشرقية في ذلك الوقت هي ربة البيت التي تجيد رعاية المنزل والأولاد وفي نفس الوقت تتمتع بقدر من التعليم. لكنها نجحت في كسر تلك الصورة التقليدية وأصبحت الشاعرة التي نظمت الشعر بالعربية والتركية والفارسية، والأديبة التي صنفت كتبا في الأدب وكتبت الرواية. ويلفت الكتاب إلى أن أعمال عائشة تيمور تصنف في طليعة الكتابات المدونة للمرأة العربية في العصر الحديث. وقد برعت أيضاً في معظم الألوان الشعرية، وكتبت في الشعر الغزلي والديني والتأملي والاجتماعي.

مع الحامولي

لم تكتف عائشة تيمور بشعر الفصحى فقط، بل كتبت الأدوار والموشحات، وقد غنى المطرب “عبده الحامولي” بعض أدوارها الغنائية ومنها:

حياتي بعد بعدك نوح … ووعدي ضيعك مني

دا إنت إنت الغذا للروح … وليه ترضى البعاد عني

سلامة مهجتي من الآه … تعا يا قلب ننعيها

لهو أنت القلب لا والله … دا قلبي من سكن فيها

محررة 

لعبت عائشة تيمور دورا بارزا لتحرير المرأة، من خلال عدد من الأبحاث والدراسات التي نشرتها حول تعليم الفتيات، لتدخل في معارك مع من رأوا في تعليم الفتاة مفسدة أخلاقية، كما ردت وبعنف على من أدعوا بأن التعليم يحول الفتاة إلى رجل، مؤكدة أن العلم يزيد من أنوثة المرأة.

كما كانت من أوائل الرائدات اللاتي نبشن في قضية القوامة، والتي كان ينظر إليها كحق أصيل للرجل، لتفاجئ تيمور الجميع بآرائها القائمة على منهج العقل لتقول إن القوامة في الأسرة لصاحب الدور الاجتماعي وليس للرجل على الإطلاق، فلا قوامة لرجل يقضي يومه في الحانات والمراقص، بينما المرأة تتحمل وحدها مسؤولية إدارة شئون المنزل والأولاد.

شعر الرمد

بعد مرض ووفاة ابنتها توحيدة، تلوم عائشة نفسها، وتبكي ابنتها سبع سنين فتصاب بالرمد وتفقد بصرها، وتحرق جميع دواوينها التي لم يبق منها إلا ديوانها الوحيد باللغة العربية “حلية الطراز” والصادر في عام 1884 وديوان آخر بالفارسية بعنوان “أشكوفة”، وبعد انقطاع تعود في عام 1892 بأعمال نثرية فكرية مثل “مرآة التأمل”، “اللقا بعد الشتات” ورواية غير مكتملة بخط يدها.

ويلمح الكتاب إلى أن الفترة التي أصيبت فيها الشاعرة بالرمد وفقدت بصرها حزنا على فراق ابنتها، جعلتها تنتج أشعارا عبرت بمصداقية عن تجربتها الإنسانية في فقد فلذة كبدها لتكتب:

 بنتاه يا كبدي ولوعة مهجتي

سبع سنين قضتها الشاعرة في سجن الرمد، كانت تُرى ولا تَرى، ولكن روح الشاعرة المناضلة والباحثة عن الجمال تحلق في الفضاءات الرحبة لتفتح العنان لخيالها فتقول في ديوانها “حلية الطراز “:

فوا أسفي على إنسان عيني        غدّا في سجن سقم واعتقال

حُجبت بسجنه عن كل خلٍ         وصرت مخاطبا صور الخيال

وتفسر الشاعرة احتجابها واعتزالها المجتمع في تلك الفترة فتنشد:

وما احتجابي عن عيبٍ أتيت به        وإنما الصون من ِشأني وغاياتي

شبهت عائشة سجن الرمد بسجن النبي يوسف في رمزية اعتبرت فقد البصر سجنا، قائلة:

أرى الظلماء قد حجبت عياني      وأجرت من دموعي كل عين

وألقتني بسجن يوسفي               وحالت بين أفراحي وبيني

ثم تقول:

لمرآة الجمال ووجه بدر               دعاني “يوسف” الثاني دعاني

وقد أعددت ما في الكف طُراً        لمن بقميص بُرئي قد حباني

نرى الربط الواضح بين براءة يوسف من الظلم والبرء من الرمد، حيث شبهت الشاعرة نفسها بيوسف وأنها قد حصلت على قميص البراءة الذي خرجت به من ظلمات سجن الرمد.

توفيت تيمور عام 1902 بعد أن فتحت الباب أمام المزيد من النساء للتعبير عن موهبتهن، إذ مثلت لكثير من الأديبات اللاحقات النموذج الملهم في المثابرة والإرادة لتحقيق النجاح.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر