وجه آخر لسيدات الحرف اليدوية بمصر يرى النور في “تصميمك”

ما بين رغبتها في الاحتفاظ بحرفة تراثية قديمة عايشتها في محافظتها النائية مطروح، حيث استقت من صفاء الصحراء وزرقة المياه وسحر الطبيعة رسوماتها على السجاد الذي تصنعه بطريقة يدوية، وما بين تغيرات العصر ومتطلباته المادية، التي قضت على هذه الصناعات اليدوية تقريبا، بسبب ارتفاع ثمنها مقابل الأخرى الواردة من الخارج أو المصنعة باستخدام الآلات الحديثة، جاء معرض “تصميمك” الذي أقيم الأسبوع الماضي، ليكون الملجأ الوحيد لعلا، ابنة البادية، ومثيلاتها من الفتيات والسيدات اللاتي يعملن في حرف يدوية لم يعد ممكنا لها البقاء في زمن العولمة والانفتاح على الخارج، الذي كان دائما على حساب المنتج المصري التراثي.

اندثار فن 

علا فتاة قبلية سكنت مرسى مطروح طوال حياتها في قلب الصحراء، ومنذ أن تفتحت عينيها على هذه الحياة وقد وجدت أمها وأشقائها يمتهنون حرفة صناعة السجاد اليدوي، حيث كان الأمر معها مختلفا عن أسرتها التي اتخذت من هذه الصناعة حرفة فقط للعيش الكريم، إلا أنها عشقت هذه الصناعة كفن قبل أن يكون حرفة، حيث تتفنن في صنعتها ناقلة جمال الطبيعة من حولها في رسوماتها التي تحيكها بيديها على السجاد الذي تتعامل معه وكأنه لوحة زيتية جميلة.

وعلى مدار السنوات الأخيرة، كانت علا تعمل مع عدة زميلات لها في مركز لصناعة السجاد اليدوي في مرسى مطروح، ولكن مع ازدياد أسعار المنتجات المصنعة يدويا، وإقبال الجماهير على مثيلاتها المصنعة آليا، التي قد تكون أرخص سعرا، بدأ المركز يواجه خطر الانقراض، خاصة مع قلة عدد العاملين فيه، وتوقف توريث هذه الحرف للأجيال، ومن منطلق دعم هذه الحرفة مع مثيلاتها التي تحارب من أجل البقاء على قيد الحياة، نُظم معرض “تصميمك”.

توثيق وحماية

“تصميمِك” هو معرض صور فوتوغرافية يهدف إلى توثيق المهن النسائية تحديدا في الأعمال الحرفية التي على وشك الانقراض، وذلك بعيون المصوريين الهواة والمحترفين، ويعتبر المعرض نتاج مسابقة تصوير فوتوغرافي اشترك فيها عشرات المصورين من محافظات مصر المختلفة، الذين رغبوا في عكس صورة مختلفة عما يراها العالم عادة عن سيدات الحرف اليدوية في محافظاتهم، حيث كانت صورة علا وهي تصنع السجاد أحد الصور المشاركة في المعرض بجانب 29 صورة أخرى.

وقد نُظم المعرض بواسطة المتحف الرقمي للنساء (ذاتِك) ومؤسسة “مدد” لدعم الثقافة في مصر، ومشروع التحرير لأونج جوته، ويهدف في فكرته العامة لمنح فرصة للمصورين غير المحترفين في ممارسة احترافية لصورهم، التي تم اختيار أفضل ثلاثة منهم وتكريمهم بجائزة مالية.

“لطالما أردت أن أوثق حياة السيدات العاملات بالمهن اليدوية وصراعهم المستمر لبقاء حرفهن في عصر التكنولوجيا” هكذا بدأت ياسمين إبراهيم، مؤسسة المسابقة، رئيسة المتحف الرقمي للنساء، كلامها مضيفة أن “هذا المعرض أبعد ما يكون عن كونه مجرد معرض مسابقة تصوير، إنه طريقة لتوثيق هذه المهن للمستقبل الذي قد لا تكون هذه الحرف جزء منه”.

المرأة تتفوق

ولعل شعورها بالمسؤولية الكاملة تجاه هؤلاء السيدات اللاتي يعملن بصورة مستمرة في ظل الظروف الصعبة ويسعين إلى التطوير الدائم لمنتجاتهن، هو ما جعل “ياسمين” ترغب في أن تكشف هذا الفن أمام المجتمع كله عن طريق تلك الصور التي تجسد حياتهن وعملهن.

وعلى هامش المعرض، فقد أقيم معرض صغير مواز، لكي يتمكن الزوار من مشاهدة المنتجات النهائية التي تم تصويرها، بالإضافة إلى منتجات يدوية أخرى قامت السيدات بصناعتها بصورة كاملة منذ البداية حتى النهاية.

كذلك فقد رغبت ياسمين إبراهيم في أن يقوم كل مصور بتصوير الحرف التي تشتهر بها محافظته، معللة ذلك بقولها إن “الستات مش هيكونوا على راحتهم غير لما يحسوا إن اللي بيصورهم دا واحد منهم، بيتكلم زيهم وبيلبس زيهم، ساعتها بس الصور هتكون طبيعية جدا”.

وقد اشترك في المسابقة 70 مصور، اختير منهم 30 فقط للمشاركة في المسابقة، ومن ضمنهم تم اختيار أفضل ثلاثة، أما عن المصورين، فمنهم الطبيب والمعلم والمهندس، الذين لم يمنعهم عملهم في حرف بعيدة كل البعد عن هذا المجال في ممارسة شغفهم الخالص بالتصوير.

أما عن الصور، فجاءت عاكسة لواقع المرأة بصور تمس القلوب وتحرك المشاعر، فمن السيدات اللاتي تم تصويرهن من هن طاعنات في السن ويعملن بحب وشغف، حيث استطاعت عدسات الكاميرات تجسيد ذلك في لقطة تجمد عندها الزمن.

وتقول ياسمين إبراهيم، مؤسسة المعرض “لقيت من ضمن الصور ستات بتشتغل في القويمة والنجارة والخشب، وفيهم الي بتشتغل لسه في البردى على الرغم من إن الصناعة دي اندثرت في مصر وبقينا بنستورد ورق بردي صيني.. الحاجات دي حركت قلبي بصورة متتوصفش.. إحنا اللي دايما بنقول إن فيه حرف مفيش غير رجالة بس بيعملوها، جات شوية صور غيرت المفهوم دا تماما”.

حرف منسية

وقد اشتملت صور المعرض على سيدات من مختلف الأعمار يمتهن مختلف الحرف اليدوية، بدءا من حياكة الملابس إلى صناعة الملح المستخرج من الجبال، مرورا بصناعة “السبت القش” والسجاد والنول والفخار والزجاج المعشق، وعن ذلك تعلق “ياسمين” بأن “الصور دي خلتنا نصدق إن مصر فيها حاجات كتيرة جدا إحنا لسا في المدينة مانعرفش أي حاجة عنها”.

أما عن أحسن صورة، فكانت تلك التي أٌلتقطت لعلا وهي تحيك السجادة، التي التقطتها المصورة أسماء جمال، حيث تعبر عن علا وهي تصمم الأشكال على السجادة وتنظم الألوان المتداخلة.

وعن تلك الصورة تقول أسماء جمال، المصورة التي التقطت الصورة “علا شدتني بشغفها وحبها للعمل اليدوي للسجاد دونا عن كل الستات التانية اللي كانت معاها في المركز، هي كان عندها حب غريب للي بتعمله بيتعكس في مدى إتقانها للعمل دا”.

وتكمل قائلة “في الوقت اللي كان كل الناس المحيطين بيها بيقنعوها إنهم يبتدوا يغيروا تصميماتهم ويعملوا السجاد اللي بيمشي في السوق وسعره أرخص، هي كانت متمسكة بشدة بأنها تحافظ على تراثها وهويتها والحاجة اللي بتميزهم عن أي حد تاني مؤمنة بأن التراث حاجة مينفعش التخلي عنها، وهنا قررت إني لازم أصورها وهي بتشتغل”.

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر