بعد الإعلان عن اكتشاف أول بردية كاملة من كتاب الموتى.. أثريون: هناك المئات من نسخ الكتاب

ضجت الأوساط العلمية بعد إعلان البعثة المصرية «اكتشاف أول بردية كاملة من كتاب الموتى» في مقبرة تعود لكبار المسؤولين والكهنة بمنطقة “الغريفة” في المنيا، وما يجعل هذا الاكتشاف لافتًا للانتباه هو الإعلان عنها باعتبارها أول بردية كاملة تحمل نصوصًا من “كتاب الموتى” رغم وجود نسخة كاملة من كتاب الموتى ضعف مساحتها بالولايات المتحدة.

كانت قد أعلنت البعثة المصرية برئاسة الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، مصطفى وزيري، عن اكتشافات جديدة في المنيا. إذ اكتشفت البعثة مقبرة كبار المسؤولين والكهنة في عصر الدولة الحديثة (حوالي 1550 ق.م – 1069 ق.م) والتي تضم 25 ألف قطعة آثار.

يعتبر كتاب الموتى سلسلة من النصوص التي تهدف إلى مساعدة الموتى في رحلتهم في العالم السفلي وتحقيق الحياة الأبدية وتجاوز التحديات التي تواجههم. قد تسلط هذه البردية الجديدة الضوء على التقاليد الجنائزية المصرية القديمة وتوفر نصوصًا إضافية للدراسة والتحليل.

أول بردية

اكتشفت البعثة هذه المقبرة في منطقة “الغريفة” بمقبرة “تونة الجبل” في المنيا على بعد 220 كم جنوب القاهرة. وهي المنطقة نفسها التي شهدت اكتشافات في أوقات سابقة لمقبر الدولة القديمة والدولة الوسطى. وتم العثور على مقابر حجرية وخشبية قديمة تحتوي على جثث محنطة لكبار الكهنة والمسؤولين منذ 3400 عام في مصر. وتضم المقبرة توابيت منقوش عليها أسماء سيدتين وعدد من التمائم والحلي.

أما الاكتشاف الأبرز في المقبرة- بحسب وزارة السياحة والآثار- هو العثور على أول بردية كاملة لـ “كتاب الموتى”، يبلغ طولها حوالي 15 مترًا، وفي حالة جيدة كما لو كانت ملونة بالأمس. ومن المقرر عرضها في المتحف المصري الكبير.

يعود تاريخ موقع الدفن إلى عصر الدولة الحديثة. وهي الفترة التي أصبحت فيها مصر قوة عالمية بين القرن السادس عشر والقرن الحادي عشر قبل الميلاد. وتغطي هذه الفترة من التاريخ المصري القديم الأسرة الثامنة عشرة، والأسرة التاسعة عشرة، والأسرة العشرين من 1549 قبل الميلاد إلى 1069 قبل الميلاد.

من بين الاكتشافات الجديدة تابوت خشبي ملون منقوش لابنة رئيس كهنة جيهوتي. وهو إله مصري قديم يعرف أيضًا باسم تحوت، وكان إله القمر والنصوص المقدسة والرياضيات والعلوم والسحر ورسول ومسجل الآلهة، وكثيرًا ما كان يُصوَّر على أنه طائر أبو منجل أو قرد البابون.

تاريخ ظهور كتاب الموتى

لخبرته الطويلة في علم الآثار المصرية القديمة، نفى د. حسين عبدالبصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، أن يُلقب الاكتشاف الحديث بأول بردية كاملة.

وعلى حد وصفه لـ”باب مصر”، يعد كتاب الموتى المصري القديم تاريخ عظيم وتراث ممتد وهو مرحلة متأخرة من الكتب الجنائزية أو الدينية في مصر القديمة والبداية كانت مع “متون الأهرام” في عصر الدولة القديمة وكانت حكرا على الملوك والملكات فقط وبدأت في الأسرة الخامسة.

واستمرت “متون الأهرام” حتى عصر الدولة الوسطى. وظهرت حينها “متون التوابيت” وكانت خاصة بالأفراد وحدث ما يسمى بديموقراطية العالم الآخر. ويقول: “أصبح لدى كل المصريين القدماء الحق في امتلاك هذه الكتب ليبعثون من خلالها في العالم الآخر وانتشرت بشكل قوي غير مقتصر على الملوك والملكات”.

وفي عصر الدولة الحديثة، تحديدا الأسرة 18 ظهر “كتاب الموتى”. ويقول خبير الآثار: “هو الامتداد الثالث والأخير لهذه الأشياء سواء الدينية أو غير الدينية في مصر القديمة. كان متاح للجميع ويتكون من عدد كبير من التعاويذ أو الفصول كما نطلق عليها أشهرها الفصل 125 الخاص بمحاكمة الموتى. ونرى فيه مشهد شهير لوزن قلب المتوفى والناحية الثانية ريش وصاحب القلب الطيب يدخل الجنة وهي تشبه فكرة الثواب والعقاب”.

وعن هذا المشهد يتم تمثيل الإله أوزوريس جالس وهو سيد الآلهة في المحاكمة في العالم الآخر. ويجلس بجواره 42 إله يمثلون الأقاليم المصرية، ويتولى الإله جحوتي مهمة الحساب، وعلى الجانب الآخر يتم تمثيل إلهة متوحشة إذا كان الإنسان مذنب تلتهمه، ويصفه عبدالبصير أنه تصوير عبقري.

الخروج إلى النهار

يعد كتاب الموتى تراث ممتد، وفي مفهوم الدين المصري القديم، يُعتقد أن اسمه بِرت إم هرو يعني “الخروج إلى النهار”. ويرمز إلى البعث في العالم الآخر ومشاهدة النور والحياة، وبالتالي، العودة للحياة مرة أخرى. وهذا هو المفهوم الديني الذي نُشر في كتاب الموتى، وهو تراث قديم يمتد لعدة قرون.

وفي الماضي، كان الأفراد يقومون بأفعال مثل شراء الكتاب بالفصول التي يرغبون فيها وترك المكان فارغًا لكتابة اسم العائلة. ثم يتم وضعه معهم في المقبرة لمساعدتهم في تجاوز العقبات في العالم الآخر.

ويتابع الخبير الأثري، أنه تم تداول الملايين والآلاف من النسخ المختلفة لكتاب الموتى، وليس لدينا تأكيد على العصر الدقيق للنسخة المذكورة. ولكن يُعتقد أنها تعود إلى فترة لاحقة مثل العصر الروماني أو اليوناني وليس الفترة المبكرة للحضارة الفرعونية. بدأت كتابات كتاب الموتى في الأسرة 18، على سبيل المثال حوالي عام 1550 قبل الميلاد. ووصلت إلى ذروتها في العصور الفرعونية القديمة وبداية عصر الإسكندر الأكبر.

ويضيف: “بالنسبة لاكتشافات الغريفة، فإنه يشير إلى أن كتاب الموتى هو أول كتاب يحتوي على جميع فصوله المكتملة. وقد تم اكتشاف نسخة كاملة من كتاب الموتى قبل ذلك. وقد يتراوح طول الفصول من متر واحد إلى 40 مترًا”.

ويستكمل: “يعتمد طولها على اختيار الفرد. ولكن في الواقع، نادرًا ما يتم العثور على نسخة كاملة لكتاب الموتى التي تحتوي على 15 متر. لذا، يجب أن نستند إلى الأدلة السابقة وندرسها ونقارنها ونعرض الأسباب لفهم الموضوع بشكل أفضل”.

ويشير مصطلح “تعاويذ” إلى الكلمات التي تُقال بواسطة الإله أوزوريس، وهي عبارات تهدف إلى تهدئة قلب الشخص المتوفى ومساندته في العالم الآخر. تُكتب هذه التعاويذ على أساس أنها أدعية لحماية الفرد في العالم الآخر، حيث كانوا يخشون الحياة في تلك الحالة.

من كتاب كيف تصبح إلها في مصر القديمة لفوي
من كتاب كيف تصبح إلها في مصر القديمة لفوي
تحليل زمني

وعن الأسرة الثامنة عشرة كانت قد انتهت عام 1292 قبل الميلاد بعد حوالي 300 عام، وتعتبر الآن من أكثر الأعوام ازدهارًا في مصر القديمة. وتُعرف أيضًا باسم سلالة تحتمس، وتضم بعضًا من أشهر فراعنة مصر، بما في ذلك توت عنخ آمون وحتشبسوت وأخناتون.

قال مصطفى وزيري، الأمين العام للهيئة: “لقد كنا نبحث عن مقبرة المملكة الحديثة لمدة سبع سنوات. وعثرنا عليها أخيرًا في موسم التنقيب”، وتشتهر منطقة الغريفة بالمنيا، التي تم اكتشافها عام 1925، باكتشافاتها الأثرية. حيث ضمت 35 مقبرة، و90 تابوتاً، و10 آلاف تمثال.

تطرق وزيري للحديث عن اكتشاف البردية، وقال إنه تظهر الدراسة الأولية لها أن طولها يبلغ حوالي 16 إلى 18 مترا وتظهر النقوش واضحة كما لو كانت نُقشت بالأمس.

وقال عنها: “هذه هي البردية الرابعة التي تكتشفها البعثة المصرية بعد الثلاث التي تم اكتشافها في سقارة”. وتم تسمية البرديات الأربع المكتشفة على اسم وزيري.

بردية كتاب الموتى من دراسة لفوي سكالف
بردية كتاب الموتى من دراسة لفوي سكالف
برديات كاملة لكتاب الموتى

في يناير الماضي، أعلنت وزارة الآثار أيضا اكتشاف بردية طولها 16 مترا تضم أجزاء من كتاب الموتى. وتم العثور عليها ويبلغ عمرها أكثر من 2000 عام داخل تابوت في مقبرة جنوب هرم زوسر المدرج في سقارة.

وعلى الرغم من أن طول هذه البردية يبلغ 52 قدمًا، إلا أن هناك أمثلة أخرى لبرديات كتاب الموتى بطول مماثل أو أطول. ويقول فوي سكالف، رئيس أرشيف الأبحاث بجامعة شيكاغو الأمريكية: “يوجد العديد من المخطوطات التي يمكن أن تكون متشابهة في الطول”.

وتابع لـ”باب مصر”: “مخطوطات البردي للنصوص الدينية المصرية القديمة يمكن أن تختلف بشكل كبير في الطول. وهناك مخطوطات من كتاب الموتى يبلغ طولها أكثر من 30 مترًا”. كذلك تم اكتشاف بردية ثانية تحتوي على نصوص من كتاب الموتى في سقارة، في عام 2022، وكانت بطول 4 أمتار.

ويقول: “على الرغم من أن المصريين القدماء قد يبدون ظاهريًا مهتمين بالموت. إلا أن الحياة الأبدية هي في الواقع ما شغل العقل المصري، اعتقدوا أنه مع الإعداد المناسب، يمكن لأي شخص حي أن يصبح إلهًا خالدًا بعد الموت”.

ودرس فوي في وقت سابق برديتان من كتاب الموتى يتجاوز عمرهما 2200 عام، وكل منهما مزخرفة بالنصوص والصور الملونة. وهي تحيط بمومياء امرأة مصرية قديمة من مدينة أخميم، إلى جانب عشرات القطع الجنائزية المنقوشة عليها تعويذات كتاب الموتى. هذه البرديات من المجموعة الدائمة للمعهد الشرقي، الذي يضم متحفه أكبر مجموعة من الفن المصري في منطقة شيكاغو.

قال سكالف إن كتاب الموتى ليس كتابًا بقدر ما هو عبارة عن مجموعة من التعاويذ والخرائط والتعاويذ لتوجيه وحماية المتوفى. ولم يظهر بالضرورة فقط على أنه ما نعتبره كتابًا.

ووصف المصريون القدماء بأنهم كانوا يؤمنون بالتكرار، وكان من الممكن كتابة نسخة من كتاب الموتى وتوضيحها على ورق البردي بالكامل لمرافقة الموتى. وقال سكالف: “إذا نجحت كل التعويذات وحكم أوزوريس على قلبك بشكل إيجابي، فإنك ستصبح إلهًا”.

اقرأ أيضا:

«الزمان والمكان في فلسطين».. 14 دراسة متعمقة حول أرض الأقصى التاريخية

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر