«نخطو سويًا».. عندما يرقص الأطفال والجدّات معًا في الأقصر

في مساء دافئ بالأقصر، كان قصر ثقافة بهاء طاهر ينبض بالحياة على نحو مختلف. لم تكن أمسية شعرية، ولا عرضًا تقليديًا، بل حدث غير مسبوق في صعيد مصر، أول عرض مسرحي راقص يدمج الأطفال بكبار السن، في تظاهرة فنية وإنسانية تحت عنوان «نخطو».
ثلاثون مشاركًا ومشاركة، ما بين جدات وأحفاد، أمهات وفتيات صغيرات، رجال متقاعدين وأطفال في عمر الزهور، التقوا على خشبة المسرح لا ليرقصوا فحسب، بل ليعيدوا ترميم فكرة “الترابط الإنساني” المنسي، عبر جسد يتحرك، وقلب ينبض، وروح تعبر.
نخطو سويا
العمل هو ثمرة شهور طويلة من التدريب والورش في مجالات الرقص المعاصر، والعلاج بالحركة، والمسرح الجسدي، والألعاب التفاعلية. ضمن مشروع “نخطو سويًا”، الذي تنفذه شركة “إيكو للفنون” بالتعاون مع “جمعية الصعيد للتربية والتنمية”. وبدعم من الاتحاد الأوروبي واتحاد المعاهد الثقافية الأوروبية.
العرض لا يحكي قصة واحدة، بل عشرات القصص الصغيرة، التي تخرج من جسد يتحرك، من يد تحتضن يدًا، من عين تلتقي بعين. لا حوار، لا مونولوجات درامية، فقط حركة، إيماءة، وخطوة مشتركة. وكأن العرض يقول: الانتماء يبدأ من الجسد.. من القدرة على الرقص معًا، رغم اختلاف الأعمار والتجارب.
علاج بالجسد.. وولادة شعور جديد
تقول نرمين حبيب، مخرجة عرض نخطو سويا، والمؤسسة المشاركة لشركة “إيكو”: “عرض (نخطو سويًا) صُمم خصيصًا لكبار السن والأطفال. أردنا أن نعيد اكتشاف الجسد الفطري داخل كل فرد، أن نوقظ الطفل في الشيخ، ونمنح الطفل إحساسًا بالهوية والفضول من خلال الفن. في عالم يزداد عزلة، صارت الحركة وسيلة للمقاومة”.
أما ماريو مشيل سيحة، الشريك في إدارة المشروع، فيوضح أن هذا العمل يعد تجربة نادرة في الصعيد، فدمج الأجيال عبر فن الحركة ليس شائعًا. ورش الرقص المعاصر والمسرح الجسدي كانت فرصة للناس لاكتشاف أنفسهم خلال اللعب، والفن، والجمال. “في العرض مثلًا، شارك أحد كبار السن رقصة عفوية مع طفلة عمرها 7 سنوات. مثل هذه اللحظة وحدها كافية لتغيير نظرتك للحياة”.
“كنت فاكرة إن الرقص عيب!”
كرمينا هاني، 17عاما، من الأقصر، تتحدث بعينين تلمعان بالحماس: “أنا بلعب تحطيب من 4 سنين، لكن عمري ما حسيت باللي حسيته هنا. كنت فاكره إن الرقص عيب للبنت، حاجة مخجلة. لكن لما بدأت أرقص رقص معاصر، فهمت إن ده فن، مش بس تمرين جسدي. ده وسيلة أعبر بيها عن مشاعري اللي مش بعرف أقولها. في الأول كنت ضعيفة في جسمي.. دلوقتي جسمي أقوى. وثقتي بنفسي زادت، واللياقة عالية، الفن ده علاج”.
الحياة تبدأ بعد الستين
من جانب آخر، يقف يوسف حبيب، ستيني متقاعد، وقد ارتدى ملابس العرض بفخر، ليقول: “أنا فنان بطبعي. كنت بعمل اسكتشات فنية. وحبيت فكرة الرقص رغم سني، أول ما دخلت التدريب، حسّيت إني شباب تاني. شاركت في العرض مع طفلة كانت بتلاعبني وتضحك، وأنا كمان رجعت طفل. إحساس اللعب ده مهم، خصوصًا في زمن كله شاشات وانعزال. أنا مؤمن إن الحياة تبدأ بعد الستين. والمسرح ده أثبتلي إن الجسد ممكن يرقص، مهما تقدم العمر”.
ليس فقط رقصًا.. بل رحلة
لم يتوقف المشروع عند العرض المسرحي، بل شمل أيضًا فيلمًا وثائقيًا قصيرًا يحكي رحلة المشاركين وتجاربهم الشخصية مع الجسد والرقص. بالإضافة إلى معرض فني تشكيلي بالتعاون مع مركز “ريتروسبوت”، جمع لوحات وأعمالا تفاعلية أنتجها المشاركون أو عبرت عن مشاعرهم.
وقد حظي العرض بحضور واسع من الجمهور المحلي، وعدد من المهتمين بالفنون المجتمعية. ومن المقرر إعادة تقديمه في القاهرة قريبًا، ليحمل رسالة من جنوب مصر إلى كل من يظن أن الفن ترف، أو أن الجسد لا يرقص بعد سن معينة.
اقرأ أيضا:
قضية آثار الأقصر تُعيد الجدل: مّن يملك الكلمة الفصل في التمييز بين الأصيل والمزوَّر؟