وثائق "دردير" تكشف أسرار التحول من "الملاحة" إلى بناء السد العالي
فترة تحول مصر من الملكية إلى الجمهورية، حملت معها تغيرات عدة، انعكست على كل مناحي الحياة، هذا ما توضحه الوثائق التي حصلت “ولاد البلد” عليها من أرشيف، محمود فكري، مسؤول المتابعة في مجلس مدينة دشنا.
تؤرخ هذه الوثائق والصور فترة عمل والد “محمود فكري” الراحل فكري دردير، عندما كان وكيلًا لشركات ملاحة نيلية حتى خمسينيات القرن الماضي، وتحوله إلى موظف تابع للدولة بعد تأميم تلك الشركات في أوائل الستينيات.
وكيل الملاحة
محمود دردير من مواليد 1921، من أسرة تمتلك صنادل نقل نهري بين القاهرة والصعيد، وقد كانت وسيلة النقل المنتشرة في الصعيد بشكل خاص، خلال الفترة من 1850 إلى 1950، بحسب فكري.
يتابع فكري أن والده عمل في مراكب جده، حتى علم خبايا وأسرار الملاحة في نهر النيل، واستطاع بمجهوداته أن يصبح وكيلا لعدد من الشركات الملاحية العالمية والمصرية، مثل شركة أرجو التجارية والمالية “ديفليو وشركاه”، وشركة جيو استرا جفانيار اليوغسلافية، وشركة التخزين والملاحة النيلية.
وظفته شركة “أرجو” مديرًا لأعمالها في مصر براتب شهري لا يقل عن 30 جنيها، وكان راتب ضخم وقتها، هذا إلى جانب أرباح مراكب والده في نقل البضائع والركاب بين القاهرة وأسوان.
التأميم
يشير فكري إلى أن أعمال جده في مجال النقل النهري تراجعت بعد ثورة يوليو 52، وإعلان الجمهورية ثم تأسيس هيئة الملاحة النهرية في عام 53، والتي أشرفت على الملاحة في نهر النيل.
يضيف أن والده حرص على الحصول على ترخيص مزاولة مهنة الملاحة النهرية من هيئة الملاحة النهرية، حتى لا يفقد عمله، لكن مع إعلان القرارات الاشتراكية والتأميم أُممت جميع الشركات، التي كان جده ووالده يعملان لصالحها.
بعد قرار التأميم تراجعت الأعمال بشكل كبير، وأعلن عدد كبير من أصحاب الصنادل إفلاسهم، واضطر جده إلى بيع مراكبه ووجد والده نفسه بين ليلة وضحاها موظفًا يعمل في هيئة النقل النهري براتب لا يرتقي إلى نصف ما كان يتقاضاه من الشركة الأجنبية.
السد العالي
يضيف فكري أنه في عام 1961 مع بدء العمل في السد العالي، وإسناد العملية لشركة المقاولون العرب، وانتقلت تبعية جميع العاملين في هيئة النقل النهري إلى الشركة، وصدرت الأوامر لوالدي بالذهاب إلى أسوان للعمل في نقل المعدات والأفراد، تمهيدًا لبدء الحفر وتحويل مجري نهر النيل في المرحلة الأولى من بناء السد العالي.
الديناميت
يتابع أن والده انتقل إلى أسوان، وعين رئيسا للعمال، وكان مسؤولا عن عمليات الحفر بالديناميت، وسط الأخطار التي كانت محدقة به وبزملائه كل يوم على مدار سنوات تحويل مجرى النيل.
في تلك الفترة كان شائعا بين عمال السد أن يستودع الواحد منهم أحد زملائه على وصيته الأخيرة قبل الخروج إلى العمل، وكثيرا ما كانوا يعودون من التفجيرات أقل عددًا، ويحكي فكري أن والده كان دائمًا يذكر صديقه السوهاجي الذي كتب له خطابا قبل خروجه إلى التفجيرات ولم يعد في ذلك اليوم.
أحد الوثائق التي قدمها لنا فكري تدل على أن مجموعة عمل ترأسها والده تعرضت للضياع في صحراء النوبة، واستغاثوا بالنجدة، التي اتصلت بالموقع الذي أرسل سيارة لاصطحابهم.
تكريم
الصعوبات التي واجهها دردير في عمله بالسد، وتراجع دخله بعد التأميم، هانت عليه بعد التكريم الذي ناله من الزعيم جمال عبد الناصر، ففي 1964 نال نوط الاستحقاق من الدرجة الأولى، الذي كان لا يمنح إلا للأمراء والعسكريين قبل الثورة، كما منح ميدالية الصداقة العربية السوفيتية، وكرم في عام 1968 بعد انتهاء بناء السد.
أبو ظبي- أسوان- دشنا
وفي عام 1969 انتقل دردير للعمل مع شركة المقاولون، لينتقل بين أبو ظبي والأردن ولبنان، وبعدها يعود إلى السد العالي مرة أخرى في مراحله الأخيرة حتى بدء التشغيل في 1971، وبعد انتهاء المشروع، خُيّر العاملون بين البقاء به أو اختيار أي مصلحة حكومية أخرى.
دردير بعد رحلة شاقة تأرجحت بين صعود وهبوط وأخطار، وإقامته لما يزيد عن عشر سنوات بعيدا عن بلده دشنا اختار أن يعين في مديرية أوقاف قنا مشرفا على العمال ليتضاءل راتبه مرة أخرى، لكنه فضل الراحة والاستقرار الأسري عن العائد المادي.
كان آخر راتب تقاضاه دردير من الأوقاف يبلغ نحو 20 جنيهًا، قبل أن يصل سن المعاش في 1985، إلى أن رحل في 1990.
مصدر جميع صور الوثائق الأرشيف الخاص بمحمود فكري دردير.
2 تعليقات