خالد جويلي يكتب: حمدي أبوجليل.. الموت المباغت لكاتب كبير

مــات زى مـا كتـف الجـبل ينهد
مـات باقـتدار وفـخار مـاقالش لحد
                                                                             «صلاح جاهين».
كيف تحول “الفاعل/الحر” في كتاب “الفاعل” لحمدي أبوجليل إلى المراقب الساخر في “لصوص متقاعدون”. وإلى محاولة التأمّل في «القاهرة: شوارع وحكايات».. كتاب النقلة النوعية الجادة.. الباحثة، المتأمّل والحكّاء.. والساخر أيضا، في عبث التاريخ. هنا يحاول أن يكون جادا، مكتشفا، مدققا، مستكشفا، يحفر في الأزقة والشوارع، الجوامع والقصور، على مدار عامين وعلى حلقات نشرها في جريدة الاتحاد/ يتحوّل إلى “الباحث”.. لكنه باحث وحكّاء ونابش قبور، يجرف أطنان من تراب الزمن باحثا عن “حكايات الشوارع”.
صحيح أنه باحث متأمل لكن “الحكاء العبقري” موجود أيضا، لا يتنازل عن حريته المصونة. رغم دقة التاريخ الحافل بالرزايا والمكائد والدماء ومؤامرات القصور، وهل كان سيراه بطريقة أخرى، لن ولا يحكي – حين يتأمل – أبوجليل التاريخ الرصين للشوارع إلا ويبعث فيها حركة ودماء وروائح جديدة، لم أقرأ أو قل لم التقط أبدا خلال أي بحث لمؤرخ أكاديمي جاد، تلك العوالم الساحرة التي رآها هو وكيف لروائي أن يكون غير نفسه. هنا “جوال” أو متأمل “صايع” وحكّاء مدهش، يلتقط الحكايات في سلسلة تعبق بأنفاس “ألف ليلة وليلة” من شعوذة وسحر، حتى التاريخ الدموي الحافل بالمذابح والمؤامرات، تحول عند “أبوجليل” إلى سلسال مدهش، كأنك تقرأ رواية ممتعة، مسلية وعبثية بالطبع. فالعبث كامن وراء كل حجر، لا تحجبه عبقرية البناء، ولا سطوة السلاطين، ولا المذابح الدائمة (كلما توغلت في قصور الفاطميين أو صراعات المماليك، أو دهاء محمد علي).
***
كل مبنى، وكل قصر.. كل مكان وشارع.. تحوّل إلى حكاية ساحرة، وسهم في جراب الحكاء الساحر من مفاجآت هي موجودة في كتب موثقة. وفي أبحاث المؤرخين، لم تخترع ولم تلفّق.. لا مكان لأكاذيب أو إشاعات أو خيال شعبي يطغى على الباحث المدقق المتأمّل. المهم كيف يراها هو، كيف يحكيها أو يعيد تأملها أو قل كيف يضخ فيها دماء جديدة.. وخيالا ثريا. كل السلاطين والطغاة والقتلة المتآمرين لهم مكانهم عند كل مؤرخ جاد. وهنا – عند أبوجليل – تطوف أشباح وقد بعث فيها من روحه.. وقلمه سحرا.. وأشواقا ومشاعر.. حتى رغم أنك قد تنسى. ولابد أن تنسى، تفاصيل كثيرة، لكن ما سيبقى في داخلك ليس التاريخ الصامت الجامد المتجهّم. بل الأسطورة والأشباح والسحر، أو بالأحرى حكايات أخرجها أبوجليل من بطون كتب التاريخ وأعاد صياغتها وبعث فيها روحا ثرية وفياضة بالمتعة والشغف، بعث فيها (في الشوارع؟) روح الحكاية ومتعتها.
اقرأ أيضا:
مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر