“العدّيد في أسوان”.. توثيق جديد لفن شعبي عتيق

كتاب العديد في أسوان صدر عن سلسلة الدراسات الشعبية التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة، وهو كتاب يجمع نصوص العدّيد والمراثي في قرية بنبان، ويصنفها ويقدم معان للكلمات الموجودة في نصوص العديد.
الباحث هو محمود فضل، باحث متخصص في الدراسات الشعبية، كبير باحثين في أطلس المأثورات الشعبية المصرية، ومن كتبه الأغنية الفولكلورية للمرأة المصرية.
الكتاب توثيق لأحد طرق الأغنيات القديمة الحزينة، التي اندثرت تقريبا، بسبب تشاؤم بعض الناش منها إلى جانب أسباب أخرى دينية.
ما هو العديد
فن شعري شعبي يختص بالنساء دون الرجال، مصاحب للموت والجنازات، يلقى في صحبة من النادبات والمولولات بقيادة إحداهن وتسمى “المعددة”، وهو ذكر لمناقب المتوفي وصفاته الحسنة.
أما المعددة فهي امرأة تحفظ نصوصًا للعديد ومناسباتها المختلفة سواء كانت هاوية من أهل المتوفي، أو محترفة تتطوع أو تؤدي ذلك بأجر.
أما العدودة فهي مقطوعة شعرية مرثية بكائية قصيرة، أقلها شطرتان وتصل إلى المربع، تقال في إيقاع منتظم وتحاول الالتزام بالقافية.
نصوص العديد لا تذكر اسم المتوفى، رجلا كان أو امرأة، حتى لا يكون فأل سيئ على أحد من السامعين.
قرية بنبان
جمع الباحث في هذا الكتاب نصوص العديد من قريته بنبان التابعة لمركز دراو يمحافظة أسوان، في بداية التسعينيات من القرن الماضي.
وتقع القرية غرب النيل، وتقع في المواجهة مع مدينة دراو، التى تقع شرق النيل، وتبعد عن مدينة أسوان نحو 35 كيلومتر.
يقال إن قرية بنبان سميت بهذا الاسم لوجود طائر بن بن في جبانة الطيور المحنطة، التى توجد بنجع الرقبة بالقرية، وهو طائر مقدس عند قدماء المصريين.
وبعض الباحثين يرجع الاسم إلى عهد القائد عمرو بن العاص، فعند وصول القبائل العربية إلى أسوان شاهدوا العمران فقالوا متعجبين “الله البنا بان بان”.
ينتمي أهل القرية لقبيلتي الجعافرة والأنصار وتتفرع هذه القبائل إلى قبائل أصغر، وكانت مكونة من قرية بنان وقرية الرقبة وقرية السبخاية، والآن تضم 9 قرى ونجوع، وتشتهر بزراعة أشجار النخيل وزراعة القصب والخضراوات والفاكهة، وارتبطت بسباق الخيل الذي يقام في الربيع: الرماحة- الصابي- السبق.
من الامثال الشعبية المرتبطة بنبان “الرجال في بنبان والشاي أبو عنبر في بنبان”.
وتضم القرية أكثر من ثلاثين ضريحًا للأولياء مثل حسن البسطامي والقطبي وموسى أبو معوض.
يقسم الكتاب العديد إلى أبواب منها عديد المرض، والعديد على الأطفال، وعديد اليتامى، وعديد الشباب، وعديد الغسل، وعديد القبر، وعديد العريس، وعديد الشجاعة، وعديد الغريب، وعديد رجل لم يترك أولادًا، وعديد المرأة التي لم تترك أولادًا، وعديد كبير العائلة، وعديد التوحيش، وغير ذلك.
ويضم الكتاب ملحق ألفاظ العديد، وبطاقات للرواة مصدر المادة من العديد، وكشافات الوصول للموضوعات والأماكن والبلدان والتوقيتات.
ومن أنواع العديد التي ذكرها الكتاب “التوحيش”، وهو العديد الذي يقال في العيد الأول الذي يأتي بعد رحيل المتوفى، وتتجمع النساء في منزل المتوفى ويقمن بالعديد ويقلن لأهل المتوفى “أوحشك من فارق”
يا عيد عيد من ورا الزايرين … ده احنا حزانى ورجالنا غايبين
يا عيد عيد من ورا الباب … ده حزانى ورجالنا غياب
ومن عادات الموت أن تصرخ إمرأة بصيغة “بوه .. بوه”، وتسمى “محمية الجنازة” أي تجعل الجنازة حارة وحامية، وتؤدي دورها أثناء إعلان الوفاة أو خروج الجنازة وتردد النساء خلفها الصراخ.
أما “محمّي الجنازة” من الرجال فيقوم بـ”السبِيِل” أي يضع يده خلف ظهره وتتشابك أصابعه ويردد “أمر الله يا والدى يا والدي”، إذا كان الفقيد الأب، و”أمر الله يا والدتي” لو كانت الأم، ويتبعه بقية الرجال خارج الدار لعدة أمتار وتتبعهم النساء بالصراخ.
وحتى أواخر الستينيات من القرن الماضي، كانت السيدات “يحمين” الجنازة بطريقة أخرى، وهو إحضار “طشت غسيل” مقلوب خارج المنزل تلتف حوله النساء ويدقن عليه بعصى غليظة مرددين “حَيّا حِيه .. حَيّا حِيه”.
رأس القبر هي جريدة من النخل توضع بسعفها أعلي القبر من جهة رأس الفقيد، وتترك أربعين يومًا معتقدين أنها تسبح الله طوال المدة وتستغفر للفقيد.
من عديد المرض
عيان يا يومه وتعالى حدايا … حلي طروف الشال وهوي معايا
عيان يا حبابي تعالوا له … حلوا طروف الشال وهووا له

من العديد على الأطفال
قولوا لأمي الله يوليها … دي ناري طبقت في كباديها
قولوا لأمي الله يصبرها … دي ناري طبقت علي كباديها
من عديد اليتامى
إن لبسوني الجوخ ما أريده … أريد أبويا ومسكتي في إيده
إن لبسوني الجوخ ما احبه … أحب أبويا وقعدتي جنبه
عديد الشباب
يابو الصديري والخط جار الخط … خسارة شبابك في التراب يتخط
يابو الصديري والخط جنب أخوه … خسارة شبابك في التراب خطوه
عديد القبر
والقبر قال له انزل ولا تخافشي … خايف انزلك يا قبر ما اطلعشي
والقبر قال له انزل بلا تعسير … يا للي شبابك يشبه القنديل
والقبر قال له انزل بلا كشرة … ياللي شبابك يشبه القمرة
عديد العريس
جنن بنات الحور بحلاله … خش يا محروم ويانا … تسمع رنين الطار وغنانا
بالدف جنن بنات الحور بالدف … خش يا محروم ويانا … تسمع رنين الطار وغنانا
عديد الشجاعة
خطوا دراع السبع على بابه … لما يسير غايب يحسبوا حسابه
خطوا دراع السبع خشم الباب … لما يسير غايب يحسبوا حساب
من عديد الغريب
ناسى كثيرة وعزوتي مية… وقت الممات ما حد حواليه
عديد الشكوى من الزمان
واللي الوجع دخل جواه … لا ينفعه ماله ولا اللي معاه
واللي الوجع دخل جلده … لا ينفعه ماله ولا ولده

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر