عرض لكتاب| الفلاحون.. لأنطون تشيخوف

كتب – مارك أمجد

“إن لغة وأسلوب تشيخوف قمة من المستحيل الوصول إليها، وإذا تكلم المرء عن تاريخ اللغة الروسية لا بد له أن يقول أن خلق هذه اللغة يرجع إلى بوشكين وتورجينيف وتشيخوف”.

مكسيم جوركي

بما أن تشيخوف يعد أحد رواد القصة الروسية، فكتاب الفقراء يقدم قصتين طويلتين من أعماله ميّزتا أسلوبه العميق وطاردتهما الرقابة وقتها، وهما قصة الفلاحون ونُشرت لأول مرة في مجلة الفكر الروسي عام 1897 والثانية هي عنبر رقم 6 ونُشرت لأول مرة في نفس المجلة عام 1892. تدور الأولى باختصار حول حياة الريف في روسيا ونظام القنانة الذي كان يحتم على الفلاحين الخضوع لمُلّاك الأراضي الزراعية الذين كانوا ينظمون لهم أوقات أكلهم ونومهم ويتسيدونهم بطرق فظة غير إنسانية. ولعل إقامة تشيخوف في بيت شيده على قطة أرض اشتراها في قرية بالقرب من موسكو، هي التي جعلته يرى عن قرب حياة الفلاحين ويشعر بآلامهم فيجسدها بهذه الشفافية الفجة.
أما القصة الثانية فبَطلها يتوهم دوما أن الشرطة تريد إلقاء القبض عليه، لدرجة تمنعه من النوم إذ كلما سمع مجرد وقع أقدام في حديقة المنزل تخيل أنهم قادمون من أجله في هذه اللحظة. وتشتد عليه توهماته ووساوسه حتى ينقلونه إلى مستشفى الأمراض العقلية، وهناك يحدث عصيان بين المرضى وينقلبون على الأطباء، فنجد أحد المرضى يتساءل لماذا لا يحكم المجانين المستشفى بدلا من المسؤولين المُنحلّين، مبررا ذلك بأن العطب العقلي أقل وطأة من الفساد الأخلاقي الذي أصاب كافة المنظمات في روسيا. وفي النهاية ليس من الغريب أن نجد تشيخوف يدير قصة طويلة بأكملها في مصحة عقلية، خاصة حينما نقرأ له قصة موت موظف وهي قصة تدور حول موظف يتلقى من مديره كلمات تنغص عليه حياته وتجعله يعيد التفكير في كل شيء من حوله حتى يخلص في النهاية إلى الموت.
“وبمرور الوقت تختفي الفظاظة والجلافة من وجه الطبيب وتحل محلها ابتسامة رضا وفرح أمام خلجات العقل الإنساني، وتدور في رأسه مختلف الأفكار: أوه! لم لا يتمتع الإنسان بحياة أبدية؟ لم وجدت مراكز الإحساس والتفكير في مخ الإنسان؟ ولم وجدت حاسة النظر والقدرة على التعبير؟ لم وجد الشعور؟ لم وجدت العبقرية إذا كان مقدرا لكل هذا في نهاية المطاف أن يدفن في الأرض ثم يبرد مع القشرة الأرضية ويدور لملايين السنين مع الكرة الأرضية حول الشمس بلا معنى أو هدف؟ فلا داعي أن يؤتى بالإنسان من العدم ليبرد ثم ليدور مع الأرض، هذا الإنسان الذي يتمتع بعقل سام شبه إلهي، يؤتى به ليحول إلى طين، إن ذلك أشبه بنكتة”. مقتطف من كتاب الفقراء لأنطون تشيخوف.

تشيخوف

مواليد عام 1860 في مدينة تاجانروج لأسرة فقيرة. كتب المسرحيات أثناء دراسته لفرقة المسرح المدرسية. التحق بكلية الطب بجامعة موسكو وأثناء دراسته لم يتوقف عن الكتابة، بل وراح يحضّر للحصول على الدكتوراه في موضوع الطب في روسيا. بدأ حياة الكتابة كصحفي في مجلات الفكاهة حيث كان يكتب التعليقات الساخرة على رسوم الكاريكاتير وقد وصف هذه الفترة من حياته قائلا: كنت أكتب القصص مثلما يكتب المحققون عن أخبار الحرائق.
أول قصة نُشرت له كانت خطاب إلى جاري العالم 1880 وله قصص قصيرة أخرى منها: السمين والرفيع والحرباء وأريد أن أنام، أما أول مسرحية كبيرة له فكانت إيفانوف 1889 وله مسرحيات أخرى منها: النورس وبستان الكرز والشقيقات الثلاث.
تأثر بالكاتب الشهير تولستوي، ساعد في مكافحة وباء الكوليرا 1892، نادى بالرضا والتسامح والقناعة والحقيقة، وحارب التهلهل والسلبية وفساد المؤسسات ووصولية المثقفين. وفي عام 1900 اختير عضوا بالأكاديمية الروسية وفي عام 1902 رفض هذه العضوية احتجاجا على رفض القيصر لقرار العلماء والأدباء بعضوية مكسيم جوركي لها.
في عام 1904 اشتدت حالته المرضية فسافر مع زوجته إلى ألمانيا لتلقي العلاج هناك، فمات، ثم نقل جثمانه ليدفن في روسيا.
كتاب الفقراء صادر في العدد 481 من سلسلة الروايات العالمية في طبعة من 172 صفحة عام 1968 أيام الجمهورية العربية المتحدة عن دار الكاتب العربي للطباعة والنشر من ترجمة مرسي سيد مرسي.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر