“مليحة قوي القلل القناوي”.. ثلاجة طبيعية من “زمن الروقان”

كتب- أحمد حسن مراد، أسماء الشرقاوي

“قللنا فخارها قناوي.. بتقول حكاوي وغناوي…”، “القلة” هي بنت البيئة  التي ظلت طويلا هي “الثلاجة الشعبية” التي تمنح أحلي وأعذب قبلة للشفاه العطشي، كما أنها ذات رصيد كبير في الثقافة الشعبية، وهو ما عبرت عنه الغنوة والموال والمثل…

في المثل  الشعبي “اكسر قله وراه” تعبيرًا عن الفرحة التي يخلفها ثقيل الظل إذا رحل، لكي لا يعود مرة أخرى، أما عن الغنوة فقد غني سيد درويش مفاخرا بالقلة القناوي كصناعة وطنية “مليحة قوي القلل القناوي”، كما جعلها الشاعر الشعبي رسول الغرام:

خايف أقول آه يقول لا

والقلب سامع وشايف

ابقي قولي له ياقلة

حين توردي ع الشفايف

واستلهمها الشاعر القنائي، حمدي منصور متحسرا علي تجاهل  قنا عبر العصور:

قنا يا قنا، يا قلة مكسورة وزير مخروم، طلعت عليكي الشمس مليون سنة، ماشفنالك نهار يا قنا…

“طمللها واملاها لطمّة عينها”

هذا التعبير الشعبي القوصي مأخوذ  أصلا من ملء الأواني بالماء، ثم شاع علي أي إناء وأي حالة، ومعنى “طملل” أي ملأ الإناء حتي فاض الماء من فم القلة، وطمّة عينها  أي آخرها بحيث لم يبق مكان لأي إضافة.

الترويق

والذي غنوا له “روق القناني” يعني صفيها من الشوائب والطمي، والروقان أيضا في اللهجة العامية يعني الصفاء، بالك رايق يعني بالك صافي، وفي الفصحى نفس المعنى.

ترويق الماء يتم بوضع قطعة شب “شبة” في الزير الململوء بالماء أو في الجرة، كالذي يتم في محطات تنقية المياه.

والمياه المقطرة التي يستقبلها “الماعون” تحت الزير تكون أصلح للشرب وعمل المشروبات، لكنها لا تستعمل  لتعرضها للأتربة والطيور والحيوانات الأليفة.

مبخرة ومسكَرة

عبده ثابت، بالمعاش، يقول تبخير القلل بالمستكة وتوضع في صينية القلل وتغطي كل قلة بغطاء نحاسي يشبه العمامة، وتوضع في البلكونة أو الشباك أو المشربية  لتبرد.

ولعل المشربية اكتسبت هذا الاسم لأنها تضم القلل التي نشرب منها، كما يتم حك أو صنفرة القلة من الخارج بـ”حجر حكاك”، وهو حجر رملي لتنظيفها وفتح مسامها لدخول الهواء  فتكون “ميتها مبخرة ومسكرة”، وطبعا كل هذا الجمال وهذه النظافة اليومية كانت تساعد على تبريد المياه “أيام زمان.

القلة أشكال وألوان

يضيف عبده أن للقلة أشكال مختلفة على مر العصور منها “بجرة الشكل” ثم تغيرت للاستدارة، إذ إن الحاجة دعت لتطويرها وتحسينها حتى نستطيع الإمساك بها، ومنها قلة برقبة قصيرة وجسم كبير أو مكتنز أو برقبة طويلة وجسم نحيف تشبه  زجاجة لمبة الجاز.

إلى جانب “القلة” يوجد أيضا الإبريق ابن عم القلة أو أخوها في عائلة الفخار، وله أو فم  يتم الصب منه للوضوء وغسيل الأيدي بعد الطعام وللشرب أيضا، وهناك “المنشل” وهو جرة صغيرة ذات أذنين تستخدم للشرب.

كما أن القلة كانت أساسية فى جهاز العروسة قديمًا، ولا يشرب منها إلا رجل البيت أو الضيوف والباقي يشرب من الزير أو المنشل.

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر