هل أنت مستعد لمشاهدة أبشع فيلم عن الحرب؟

لطالما تغنى الناس بالحرب وأبطالها، بإنجازاتهم المجيدة، وتضحياتهم النبيلة، بالكيفية التي تمتحن بها الحرب أخلاق الناس ومعادنهم. ولكن هذا كله ليس سوى جانب واحد ضيق من الحقيقة، التي يحرص معظم من يصنعون الحروب ومن يدخلونها على إخفائها.

منذ قرن تقريبا تجرأ كاتب ألماني شاب، اسمه إريك (إريش، أو إريخ، في بعض اللهجات) ماريا ريمارك، على قول الحقيقة المرة عن الحرب للمرة الأولى في التاريخ. ريمارك، المولود في 1898. كان قد شارك في الحرب العالمية الأولى (1914- 1918) وأصيب بعدة شظايا وعولج لسنوات قبل أن يتم تسريحه من الجيش.

ولما كان لديه موهبة الأدب والكتابة منذ صباه. فقد راح يسجل مشاهداته ومعايشاته للحرب في رواية قصيرة أسماها “كل شيء هادئ في الميدان الغربي”. (حسب الترجمة الإنجليزية والعربية، أو “في الغرب لا يوجد جديد”، حسب الأصل الألماني).

**

بعد معاناة في العثور على ناشر يتحمس لها، نشرت الرواية في 1927 وتحولت على الفور إلى ظاهرة أدبية. حيث وزعت ملايين النسخ وترجمت لمعظم لغات العالم. (منها ثلاثة ترجمات إلى اللغة العربية الأولى ضمن مطبوعات “روايات الهلال” صدرت 1981 بترجمة محمود مسعود. والثانية من ترجمة محمد عبدالعزيز عن دار نشر “كتوبيا”. والثالثة عن الألمانية مباشرة من ترجمة ليندا حسين عن دار نشر “أثر” بعنوان “لا جديد على الجبهة الغربية”).

تحولت الرواية أيضا إلى فيلم أمريكي شهير في 1930، وفيلم تليفزيوني أمريكي في 1979، واسما لأغنية من تأليف وغناء إلتون جون في 1982. وفوق ذلك ألهمت عشرات ومئات الأعمال الأدبية والفنية اللاحقة التي قام بصنعها محاربون سابقون وجدوا الشجاعة لتسجيل ونشر تجاربهم في الحروب.

وأخيرا، بعد مرور حوالي قرن على أحداثها وكتابتها تحولت إلى فيلم ألماني من إخراج إدوارد بيرجر، وإنتاج نتفليكس. شارك في عدة مهرجانات، ويمثل ألمانيا في الترشح لأوسكار أفضل فيلم عالمي.

ربما لا يرقى الفيلم الجديد فنيا إلى فيلم 1930 الكلاسيكي الذي أخرجه لويس مايلستون وحصل على جائزتي أوسكار أفضل فيلم ومخرج. كما رشح لأوسكار أفضل سيناريو وتصوير. ولكنه بالتأكيد أكثر إبهارا تقنيا وأكثر جرأة في تجسيد بشاعة الحرب والفظائع التي يتعرض لها الجنود والمدنيين. بدرجة شديدة “الواقعية” مزعجة بالتأكيد لأصحاب القلوب الرقيقة ممن لا يتحملون الدماء، وصادمة لأصحاب القلوب القوية من محبي القتال والمعارك. وهو عمل لابد أن يشاهده أي إنسان قبل أن يتفوه بكلمة حرب!

**

على مدار ساعتين ونصف الساعة تقريبا يسرد الفيلم أحداثه التي تتنقل بين تجربة مراهق يتطوع للحرب (يمثل ريمارك نفسه) وينجو بأعجوبة من الموت الذي يحصد كل زملاءه. وبين محاولة دبلوماسي ألماني مات ابنه في الحرب، الحصول على هدنة وإنهاء الحرب بأسرع وقت. (من المعروف أن ألمانيا التي بدأت الحرب استسلمت في نهايتها استسلاما مخزيا كان بداية صعود القوميين والحزب النازي بقيادة هتلر ودخول حرب أخرى وهزيمة مخزية أخرى).

والخط الثاني ليس موجودا في الرواية الأصلية التي تكتفي بتسجيل وقائع الجبهة حسب مشاهدات جندي يموت في الصفحة الأخيرة من الرواية.

يساهم الخط المضاف، المستقى من أحداث تاريخية، في وضع إطار سياسي عام للحرب وخلفياتها، ويظهر كيفية تعامل القيادات السياسية والعسكرية باستهانة مع حياة الملايين من شباب الجنود والمواطنين. وهو يغير من طبيعة الرواية وتأثيرها على القارئ، فهي لا تهتم بما يدور خارج جبهة القتال إلا من خلال مناقشات وتخمينات الجنود الذين لا يعلمون شيئا عن أسباب هذه الحرب أو مصيرها إلا من خلال ما يردده القادة لهم. وهو ما يزيد من شعورهم بالعزلة والحصار داخل قفص كبير (حسب وصف الرواية) لا يعلمون من الذي قام بحبسهم فيه ولماذا، مما يجعل الأمر أكثر عبثية وغرابة.

مع ذلك، من ناحية ثانية، فإن الخط المضاف يساهم في رسم حدود هذا القفص الذي يحاصر فيه الجنود من الجانبين، الذين يتبادلون الموت والعذاب عبثا. ويظهر فهم المخرج لهذا المعنى في مشهد مرور بعض الفلاحات الفرنسيات الصغيرات بالقرب من معسكر الجنود الألمان.

**

في العادة غالبا ما تحتوي الأفلام الحربية على مشهد أو أكثر للقاء الجنود بالنساء والعلاقات العاطفية والجنسية التي قد تنشأ بينهم. وغالبا ما تستخدم هذه المشاهد لتخفيف وطأة مشاهد الحرب وعمل “تفريجة” relief تفصل بين الدراما العنيفة.

ولكن هنا يحرص المخرج على ألا يرينا وجوه الفلاحات، أو أن يقترب منهن بالكاميرا. حيث نرى المشهد من بعيد من زاوية جنود المعسكر، حتى عندما يذهب إليهم واحد من الجنود ويتعرف بإحداهن ويدخل معها في علاقة لا نرى ذلك ولكن نسمعه منه عند عودته. وهو ما يساهم بشكل غير مباشر في التأكيد على عزلة هؤلاء الجنود.

“لا جديد على الجبهة الغربية” فيلم شجاع وقوي جدير بالمشاهدة. حتى لو كانت نسبة كبيرة من المشاهدين لن تستطيع احتماله. هو موجه أكثر لجيل الشباب والصغار، الذين يستهلكون مشاهد الحرب والعنف طوال اليوم على أجهزتهم الإليكترونية. دون أن يفهموا حقا ما تخلفه هذه الحرب من ألم وعذاب وانكسار وخسائر.

مشاهدة هذا الفيلم أشبه بإحساس مراهق أرعن من الذين يهوون الجري واللهو بدراجاتهم البخارية. عندما تنقلب بهم وتتكسر عظامهم. فيدركون فجأة أن ألعاب الفيديو والواقع الافتراضي شيء وأن الحياة شيء آخر.

اقرأ أيضا

رائعتان لـ«بهاء طاهر» تنتظران السينما

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر