نحات بالفطرة يعيد جداريات الفراعنة للمنازل المصرية

«الحضارة المصرية القديمة جزء من هويتنا، يجب أن نحافظ عليها بوجود ما يرمز إليها في كل بيت مصري» هذا ما آمن به شاب ريفي بسيط عاشق للحضارة المصرية بمختلف الأزمنة، مارس هوايته المفضلة (النحت والرسم) حتى أصبح محترفا بالفطرة دون دراسة متخصصة، يجلس أمام الحائط فيعيد بيديه تشكيلها، مستنسخا قطعة فريدة من جداريات مصر القديمة الخالدة حتى الآن.

من أراد الحب ينحت جدارية عن «إيزيس وأوزوريس»، ومن أراد الجمال ينحت له «نفرتيتي»، ومن أراد الخير فتكن «حتحور»!

نجار بدرجة نحات

حب الأعمال اليدوية راود محمد بخيت منذ طفولته، حتى احترف واحدة منها وهي «النجارة» وتشكيل الأخشاب، فانتقل من مدينة المنصورة إلى دمياط «بلد الأثاث» وفقا للاسم الشائع عنها، وافتتح ورشة خاصة به، ولكن في عام 2009 راوده تساؤل بشكل مستمر: “هو ده الشغل اللي بتحبه وعاوز تكمل فيه؟”.

لم يدم التفكير طويلا، فسرعان ما لاحظ إنجذابه لفن النحت، خاصة وأنه يجيده بالفطرة ويجيد الرسم أيضا، ولكن كان يفتقد الاحترافية في التنفيذ، فتعلم النحت وأصوله على يد مهندس فنون جميلة جمعتهما علاقة عمل لفترة طويلة.

جداريات فرعونية ورومانية

ما أن أنهى محمد أول جدارية حتى شعر بأنه اهتدى إلى ضالته، فقرر بعد 3 سنوات من التعلم، التخصص في نحت الجداريات ذات الطراز الفرعوني والروماني، ويقول لـ «باب مصر» أنه يشعر بأن الطرز الفرعونية جزء أساسي من هويته المصرية، التي يود التعبير عنها باستمرار، فضلا عن قدرته على التجديد “أقدر أدمج الفرعوني بالمودرن”.

يرجع بداية استخدام نحت الجداريات المصرية بطريقة النحت البارز، والنحت الغائر إلى عهد الملك إخناتون وزوجته نفرتيتي، وهي طريقة ابتكرها فنانو العمارنة تختلف عن الطرق المستحدثة في الفن القديم وكانت مختلفة عن الرسم السطحي، وبعد مرور آلاف الأعوام يعيدها الفنان الموهوب مجددا إلى المنازل المصرية.

درس بخيت الحقبات الزمنية، مما دفعه للتخصص في نحت الجداريات بالطراز الروماني والإسلامي أيضًا، ولكن لاحظ أن الإقبال على نحت الجداريات الإسلامية ضعيف وغير مطلوب بكثرة نظرا لعدم القدرة على التجديد.

«أنا شغال حسب السوق وذوق العميل» هكذا وصف النحات صاحب الـ34 عاما، طبيعة عمله، فعلى حد وصفه من النادر أن يصادف العمل مع عميل يتركه بحريته لإنتاج قطعة فنية مميزة، معظم الأعمال تعتمد على رغبتهم في نحت صورة محددة خاصة ويرفضوا أن تحمل الجداريات في المنازل، الطابع الفرعوني أو الروماني، “بيفتكروها رموز لعنة الفراعنة!”.

جداريات مصرية

على مدار 11 عاما، قدم بخيت الكثير من الأعمال، مثل الجداريات على مساحات كبيرة وصغيرة، وبورتريه شخصي بالنحت، ونحت تماثيل، حتى أن أعماله وصلت إلى عدة بلاد خارج مصر، إيطاليا، المملكة العربية السعودية، لبنان والأردن.

ويروي بخيت أن مهندس مصري في إيطالي كان قد تواصل معه لنحت بعض اللوحات وشحنها للخارج، وكذلك أشخاص من المملكة العربية السعودية تواصلوا معه لنحت صور شخصية (بورتريه)، أما من الأردن ولبنان طلبوا منه لوحات منحوتة للفارس العربي، “العرب بيحبوا الشغل العربي والخيل والأسود”، أما الإيطاليين فيفضلون النقش الفرعوني بأي حجم وأي شكل.

ولشحن أعماله خارج مصر، ينفذها على خامة تتلائم مع الشحن وهي (جي بي آر) التي تعطي أفضل نتائج وملمس وتعد الأنسب نظرا لأنها خفيفة الوزن وسهلة التركيب، على عكس الخامة المعتادة لصنع المستنسخات وهي الجبس، الأسمنت، الفوم، الطين والصلصال.

حوائط ثري دي

من الشمال للجنوب، جاب بخيت محافظات مصر لتتفيذ جدارياته المميزة، وأبرز المناطق التي ينفذ فيها أعماله، محافظات الإسكندرية، القاهرة وسيوة، ويرى أن الطلب على تنفيذ الجداريات في المنازل ازداد مؤخرا بعدما انتهاء “موضة” الحوائط البارزة “ثري دي” المعدة جاهزا، فالجداريات المنحوتة عبارة عن قطعة فنية مميزة.

يتوقف وقت تنفيذ الجدارية بحسب التفاصيل المطلوبة للجدارية، ولا تشكل المساحة عاملا للوقت، “المساحة الكبيرة والصغيرة نفس الوقت”، والذي يتراوح من أسبوع حتى شهر كامل، ويعتبر النحت الجبلي هو الأكثر طلبا نظرا لأنه لا يحتاج إلى “ديكور” خاص.

صب البلوكات

تمنى النحات الموهوب أن تتجسد موهبته أمام أعين الجميع في الميادين والأماكن العامة، نظرا لرفض بعض العملاء أن يقوم بالتوقيع على الجدارية أو تصويرها، ويقول أنه بالفعل عرض عليه تطوير أحد الميادين ولكن نظرا لارتفاع تكلفة التنفيذ توقف المشروع.

يعمل بخيت بكل الخامات، ومنها مواد صلبة مقاومة للحرارة والرطوبة والمياه وتستخدم في الواجهات أو الحمام، وينحت بطريقة «صب البلوكات» وتعتمد على تقسيم الجدار لـ6 مربعات، ثم يحدد السُمك المطلوب وينحتها، ثم يجمعها على حامل ويركبها على الحائط بمواد لاصقة، ويعتبر هذه الطريقة أكثر إبداعا من الطريقة المعتادة لنحت الجداريات (الفرد على الحائط).

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر