ميرفت البنداري تكتب: الكحك أصله مصري

مع اقتراب موعد عيد الفطر من كل عام، يتجدد الحديث عن كون (كحك العيد) الذي تصنعه الأسر العربية ومحلات بيع الحلوى يعود الفضل في ظهوره وانتشاره للعصر الفاطمي، أو على أقصى تقدير للدولة الإخشيدية أو الطولونية.

وهو خطأ شائع تداوله أغلب من تصدى للحديث عن عادات وتقاليد الطعام في مصر أو العالم العربي دون تدقيق. ومن كثرة تداوله أصبح كالحقيقة الراسخة، وباتت أكثر من دولة عربية تنسب ظهوره للمرة الأولى إلى نفسها.

**

رغم أن نظرة مدققة على جدران المعابد المصرية القديمة سوف تثبت لنا أن “الكحك” منقوش على جدران المعابد، بداية من مقابر الأسرة الثامنة عشر التي تسجل رسومات لأشكال ونقوش لكحك العيد وقوالب مخصصة لهذه النقوش كما هي متداولة في عصرنا الحالي والتي من أبرزها نقش الكحك على شكل قرص الشمس أو أوراق الشجر.

كحك العيد
كحك العيد

فصناعة الكحك في مختلف الأعياد هي واحدة من أقدم العادات التي عرفت عن المصريين القدماء، ولازمت أعيادهم وأفراحهم. إذ كان لا يخلو عيد أو احتفال من صناعته، وتضم مقابر طيبة ومنف صور مفصلة لعملية صناعته. كما كان يتم توزيعه في أعياد المعبد ومن بينها احتفالات معبد دندرة وإدفو. كذلك المصري هو أول من اكتشف الخميرة وتأثيرها على المعجنات، فخرجت من حضارته أكثر المخبوزات المتداولة حاليًا على مستوى العالم بأسماء مختلفة. إذ سجل مؤرخو القرنين التاسع والعاشر الميلادي وجود 56 نوع من “الكحك” في مصر.

والخلافة الفاطمية جاءت فوجدته يصنع ويتداول في مصر، كطعام ذو شعبية واسعة ونظرًا لاهتمام الفاطميين بالاحتفالات الدينية على وجه التحديد كان لصناعة “الكحك” اهتمام كبير لديهم. فأسس العزيز بالله دارًا سماها (دار الفُطرة) مختصة بحفظ وتخزين الدقيق والسكر والسمن فيتم توزيعها على المنازل والمحال استعدادًا لصناعته.

**

وساهمت مصر في نقل إرثها الثقافي للدول الأخرى. كونها كانت عاصمة دولة الخلافة الفاطمية وأهم مركز ثقافي وروحي للدولة التي توسعت وانتشر نفوذها في أكثر من مكان. فكان انتقال الحرف والصناعات المصرية لهذه الدول يشمل كذلك مهارات صناعة الطعام. فانتقلت صناعة “الكحك المصري” للدول الأخرى، والتي من المؤكد وضعت كل منها بصمتها على ما تقدمه، كعادة الطعام في كل مكان. إذ يتأثر بطبيعة المناخ وظروف المكان والسكان وعاداتهم وتقاليدهم. فنجده في دول الشام يصنع من دقيق (السميد) بدلًا من دقيق القمح. ويُطلق عليه (معمول) أو (كعب الغزال المحشو بالتمر) في دول شمال إفريقيا وبلاد المغرب والتي نقلها الرحالة من مصر إلى هذه البلاد في القرن التاسع الميلادي.

يحاول البعض إشاعة ارتباط (الكحك) فقط بعيد الفطر المبارك، لإثبات ظهوره لأول مرة في عهد الدولة الفاطمية أو في دول عربية وإسلامية أخرى. الأمر الذي تنفيه عادات وتقاليد الطعام في المجتمع المصري. إذ أن المسيحيين في مصر يصنعونه في أعيادهم (عيد الميلاد وعيد القيامة) وهي عادة تسبق وجود الدولة الفاطمية بل ودخول الإسلام لمصر. عادة حفظتها جدران المعابد وتوارثها الأحفاد عن الأجداد ونجحوا في الحفاظ عليها.

كحك العيد
كحك العيد

وللكحك المصري أنواع وأشكال، من بينها (كحك العَجَل) الذي تصنعه السيدات في الريف المصري على شكل إطارات دائرية ويُنقش عليه أشكال مختلفة. والشكل الأشهر هو الدائري غير المُفرغ المنقوش على شكل أشعة الشمس بما يسمح باستقرار سكر التزيين عليه. كذلك ورث المصري عن أجداده صناعة المحشو بالتمر المجفف (العجوة) والزبيب. وهو النوع الذي يُعرف باسم “الشُريك” وتحرص الأسر على صناعته وتوزيعه في زيارتها للمقابر خلال الأعياد. وهي أيضًا عادة مصرية قديمة

المصادر

1- الطبخ أصله مصري – سميرة عبدالقادر.

2- لغز الحضارة المصرية – الدكتور سيد كريم.

3- المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار – الجزء الثاني – تقي الدين المقريزي.

اقرأ أيضا

صور| “كحك العيد”.. فرحة تجمع العائلات في الأقصر

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر