مواويل الفلاحين عن العشق والهوى

“سايق عليك النبي إن كنت باقيني.. تضحك بسن الرضى ساعة تلاقيني.. ياللي أنا الورد يا حلو وأنت الماء بترويني”، تلعب العلاقة بين الرجل والمرأة دورا كبيرا في أدبنا الشعبي وخاصة في الأغنية والموال، اللذان يجمعان أغلب الأحداث التي تحدث في طياتهما مثل الحب والهجر والصد والدلال والشكوى والفرح والسهر ووصف الحبيب وخلافه، وهو ما سنفتح عليه “باب مصر” لنتعرف على كل هذه المظاهر.

الشكوى من المحبوب

تأتي أغلب أغاني ومواويل العشق على شكل شكوى من المحبوب، ونلاحظ أن الشاكي يكون في أغلب الأمر هو الرجل، وذلك لطبيعة الوسط الثقافي في الفلاحين فإن المرأة تكبلها العديد من القيود يصعب عليها البوح بما في قلبها، أما الرجل فيشكي وينوح كما يحلو له.

بحب لكن كلام الناس مانعني

شوفتك عشقتك ومين يقدر يمانعني

يا بدر كتر الجفا والصد مانعني

لا بسهر ارتاح ولا بنعس يجيني نوم

ولا أكل باكل ولا ليا جلد للصوم

والنار بترعى فؤادي ما أنت مانعني

بحب لكن كلام الناس مانعني

الموال فن ساحر

عندما يتناول الموال الحب والعشق، يُصبح رقيقا وعذبا، ممتلئ بالوله والغرام والتمني والرغبة في رؤية الحبيب، يقول الشاعر والباحث في التراث الشعبي، درويش الأسيوطي في كتابة “أغاني الفلاحين”: من المؤكد أن الفلاحين في العصور المصرية القديمة غنوا وهم يتحركون على قواربهم، وسفنهم عبر النيل ومستنقعاته، وغنوا وهم يجمعون محاصيلهم، وغنوا وهم يطحنون تلك الحبوب، ولا أشك لحظة أن المصري القديم وهو يشيد تلك المعابد والأهرامات قد أبدع من فنون الأدب الشفهي ما يتناسب مع تلك الإبداعات والفنون غير الشفهية، والموال كما يعرف الكثيرون فن ساحر، خاصة عندما تسمعه ممن يحسنون قوله، فيأتي بلغة مراوغة، معتمدًا على التورية، وعلى تخريج المعنى والمشاكلة، وهي فنون شفاهية بالدرجة الأولى يغنيها العامة والسامر والمحترفين.

عاشق يقول للحمام  سلِّفْني جناحك يوم  

أفَرِّ بيه في السما العالي كدا كام  يوم

عشان أشاهد حبيبي في السنه لو يوم

لا بأقعد أرتاح ولا بأرقُدْ يجيني نوم

والزاد مِمَرَّرْ وعيني لم تشوف النوم

إحنا سمعنا كلام من اللي قَبْلنا قالوا  

نار الخشب تِنْطِفي ونار المحبَّه دُوم

ويرى الأسيوطي، أن رحلة الموروث الشفهي في الزمان والمكان محملة بالكثير والكثير، وما وصل إلينا لا يقارن إطلاقا بما أبدع شفهيًا، فعادة ما تكون فترة اختلاء الفلاح بنفسه أثناء العمل، ومع الجهد الشاق الذي يبذله، تكون هناك فرصة للبوح بما لا يستطيع البوح به للآخرين، لهذا نراه يحمل أغانيه بعض ما يحسه حيال حياته، وعلاقاته بالآخرين، ويظل العشق والجنس والمرأة الموضوع الأثير لدي الفلاح في العمل، فيغني للمرأة ويغني عنها  فمعظم الجروح التي يعانيها قلبه من رموش عيونها.

              ألاّ الحليوه من الشُّباك بصالي                

لها جوز عيون سود زاينهم حَمَــار الخد 

لوشافها القطب لا نسي السنن والفـرض 

طلبت منها الوصال قالت لي سليمة العرض

دا أنا أهلى ع الأرض زي الرمل باصالي

يأخذ أدب الفلاحين الشكل القصصي، حيث يحكي من خلال الموال قصة حب بسيطة قد تكون طويلة أو قصيرة لكن تلعب فيها القسمة والنصيب أو الوعد والمكتوب دورًا رئيسًيا، وفي الكثير من الأحيان تكون ذا طابع حزين، ونهاية حزينة.

أمانة يا بحر خِلِّي ما جَاش مَلا مِنَّك

أبيض ظريف المعاني يختشي منك

ما تقول لي ع الحق لأنزح ميتك منك

البحر قال له  كان خلك بيستناك

استغيبك يا جميل قطــع العشم منك

وتمتاز أحيانًا بعض أغاني الفلاحين بالبساطة أو السذاجة، فكثير من الأحيان تأخذ طابع الوصف لمحاسن الحبيبة، وقد تتطرق في بعض الاحيان إلى وصف المفاتن بشكل ملفت ومفصل، وقد تحتوي بعض الأغاني على عبارات أو تلميحات جنسية في بعض الأحيان، ومن اللافت أن النساء في الأفراح كانوا يرددونها دون خجل سواء العجائز أو الفتيات.

بيضا.. يا أم الضفاير    

خدودها.. كالكعك الناير

بيضا.. والصدر فاير

عنيها.. بحر بمداور

شعورها.. نازله خبايل

نهودها .. رمان جناين

الحكمة والفن في الموال

يقول الشاعر والباحث فى مجال الدراسات الشعبية مسعود شومان، رئيس تحرير مجلة الثقافة الجديدة، حين يفتح عالم الجماعة الشعبية، ويقرأ قراءة منصفة، دقيقة سنفهم قدر الوعى الذي يتمتع به المصريون من أبناء جماعتنا الشعبية، وسندرك كيف ساهموا بحكمتهم ونصوصهم الفاعلة فى تماسك المجتمع، وكيف رفدوا الحياة بفنونهم البديعة التى لا تتيه بالجماليات فحسب، لكنها تسعى للناس على قدمين هما الحكمة والفن، وفي لجة انشغال المثقفين والمبدعين بالثقافة العالمة وبالفنون الرفيعة تناسوا دراسة أو حتى قراءة ما أنتجته العقلية الشعبية من إبداعات، أما من التفتوا لهذه الثقافة فقد توزعوا بين محب وعاشق للماضي دون وعي بما يحمله هذا الماضي من تاريخ يمكن قراءة وعي الإنسان المصرى من داخل مراحله، وتوقف أمر محبتهم عند “النوستالجيا”.

يارب صاحب أمانه نعمله مرسال

للى جحدنا وبعد الدم لم بيسال

سايق عليكو النبى لم تقطعوا السلسال

خلوا جنات الوداد بيناتنا تجرى

والله النبي ع الصحابه كل يوم بيسال

أنواع الموال

يكمل شومان، يطلقون على كل قافية فى الموال “زهرة”  لينعم كل متلق بحديقة عمادها الحكمة حين تتكثف فى الصوت المتحدى لخبرات الأذن، فالموال بشكل عام يقدم نموذجا للإحكام الجمالى، فمن نص لنص تتسع الحديقة بالزهرات، فقد منحها الموالة ألوانا ففيها: الموال الأحمر الذي يتناول العلل و يكثر فيه ذكر الطبيب بوصفه الحكيم الذي يداوى ما أفسده الدهر، وبعضهم يطلق “الأحمر” على العاطفة المشبوبة، لكن بعضهم يربطون بين اللون والدم.

شعبان ورمضان وشهر العيد ومحرم

والنوم مخاصم سواد العين ومحرم

يا للعجب في كأس عسل في إيدي لكن عليه مر ومحرم

وصعبان عليه الجميل راقد ع الفراش تعبان

ورمش عينه وقلبه م البكا تعبان

حتى حبيبي اللي أحبه حرمني دخول الدرب ومحرم

يكمل شومان: بينما الموال الأخضر فيشير إلى الحب فى رقته، كما يشير أيضا إلى المواويل التي تجمع الزهور والأشجار حين تتعالق بالحب والغرام، ويتوسع الموالة في التصنيفات لنجد مواويل تشير للموضوع الرئيسي في الموال، لذا سنجد مواويل: الدنيا والصاحب والزمن، والمديح الديني الذي يكون ممهدا لمقدمات القول، ومن المواويل التي تصيد الحكمة إلى المواويل المقرظة التي تتطارح أو تتبارى كما نرى في “الموال اللطش” أو “الرمى بالموال”.

مدحت الحبيب النبى ما خلق الإله مثال شكليه

ومن معجزات النبى راح له البعير شكليه

نبى عاش من العمر لم داق الحرام شكليه

وعاشق سهر ليل وقلبه للحبيب رامه    

عمل مثال بحر إذا هيَّج وزاد رامه

           نبى عدَّى ع البحر لا مركب ولا رامه           

   عشان جمال ابن رامه فتَّح الشكليه   

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر