من سجن المعونة لمكان للعطور.. تاريخ وكالة العنبريين التي هُدمت الأسبوع الماضي

في عام 1442 حكى عنها شيخ المؤرخين العرب تقي الدين المقريزي (1364- 1442) في إحدى مؤلفاته أنها كانت في الأصل سجن يعود لزمن الفاطميين يُعرف بـ”سجن المعونة”، وفي زمن السلطان المملوكي الظاهر ركن الدين بيبرس كان المنصور قلاوون (أحد كبار أُمراء الدولة وقتها) يَمر عليه دائمًا أثناء توجُهه مِن داره إلى قلعة صلاح الدين حَيث مَقر الحُكم، فكان يَشتم مِنه رائحة كريهة ويَسمع صراخ المَسجونين وشكواهم مِن الجوع والقُمل، فَنذر نذرًا بأن يَبني مكان هذا السجن شيئا حَسنًا.. ليبني وكالة العنبريين.

في عام 1281 صَار المنصور قلاوون مُلك مصر قام بالفِعل بهَدمه وأنشأ مَكانه سُوقًا أو قيسارية للعَنبر سنة 680 هـ/ 1281 م، أسكنه بياعي العنبر، وكان للعنبر إذ ذاك بديار مصر وجود و للناس فيه رغبة زائدة.

فى عام 2005 تعرضت وكالة العنبريين إلى حريق كبير بعد أن كانت وكالة شديدة الجمال والروعة وتفوح منها أروع الروائح العطرية.

غير مسجلة

وفي عام 2016 تم تشكيل لجنة من قبل وزارة الآثار لتسجيل العقار رقم 88 بشارع المعز، والتي أفادت بعدم صلاحية تسجيله في عِداد الآثار الإسلامية والقبطية.

في 11 نوفمبر 2018 كانت تقف شامخة بين أمثالها من الوكالات في شارع المعز لله الدين الفاطمي، تحكي جزء من التاريخ، توثق واقع حضاري هي أحد أركانه، تكمل لوحة فنية عن شارع المعز هي بدايته، تستخدم بشكل تجاري كمحلات بيع وشراء العطارة، لتأتي الآلات دون سابق إنذار وتطرحها أرضًا تقطع أوراقها وتخرجها من جذور تاريخها.

يقول أحد البائعين بإحدى محلات العطارة إن الحكومة قامت فجأة وبدون سابق إنذار بهدم الوكالة التي كانت تضم عدد من محلات العطارة كانت مستأجرة منذ سنوات طويلة، موضحًا أن الحكومة لم توضح أي سبب عن الهدم سوا أنه آيل للانهيار على الرغم من أن حالها حال جميع الوكالات الأثرية في المعز.

ويستاء م.ع، أحد المستأجرين من الوكالة، مما حدث فجأة من قطع عيش العاملين بالإضافة إلي ضياع جزء هام من التاريخ والذي بدأ بالوكالة “أكيد الدور جاي علينا”.

أسلوب ممنهج

وترى عزة رستم، خبير أثري، أن الحكومة تتبع أسلوب ممنهج ومتبع للقضاء على آثار منطقة الجمالية والأثار الإسلامية وأولهم وليس آخرهم وكالة العنبريين، فلا يوجد أدنى سبب لهدم الأثر، خاصة وأن الآثار لا تعوض، فكل عمار قابل للتجديد والاستعادة فيما عدا الأثر.

وتشير رستم إلى ضرورة عمل صيانة وترميم، وعلى الوزير إيجاد حل للمشكلة.

وتفيد المهندسة فايقة فهيم، عضو مجلس النواب، حسب بيان صحفي لها، بأنها تقدمت بطـلب إحاطة للدكتور علي عبدالعال، رئيس مجلس النواب موجه لرئيس مجلس الوزراء ووزيري الآثار والتنمية المحلية، وذلك بشأن هدم مبنى وكالة العنبريين رغم كونه مبنى أثري شاهد على فترات زمنية في تاريخ الدولة المصرية.

وتلفت أن قوات الحماية المدنية أزالت العقار رقم 88 سابقًا 84 حاليًا بشارع المعز، وهو المبنى الذي كان يُعرف بوكالة العنبريين التي ترجع للقرن التاسع عشر، حيث بنى السلطان قلاوون المبنى ليكون سجنًا، ثم حوله العثمانيين لوكالة لصانعي العطور، وقرار الهدم كارثة كبيرة، كما أن محافظة القاهرة، جهة إصدار قرار الإزالة، لم تحترم قرار النيابة الإدارية.

تاريخًا صاخبًا

وتوضح فهيم، في البيان، أن الوكالة بنيت منذ ما يقرب من 1000 عام، في عهد الحاكم المملوكي الظاهر بيبرس، وأعيد تجديدها في عهد الدولة العثمانية، وتقع بجوار جامع الأشرف برسباي، مؤكدة أن الوكالة أثرية بالطبع، حيث شهدت تاريخًا صاخبًا بدءا مع الفاطميين مرورا بالمماليك والعثمانيين، وتم تدشينها كسوق للعطور سنة 1281 وذكرها المقريزي في خططه باعتبارها أكبر سوق للعطور في الشرق.

وتؤكد أن قرار الهدم جاء على الرغم من أن النيابة الإدارية كانت قد فتحت تحقيقًا مباشرًا حول محاولة هدم وكالة العنبريين بحي الجمالية، واستمعت إلى أقوال عدد من المواطنين الذين تقدموا بشكاوى بشأن الأمر، وتم تشكيل لجنة من كلية الآثار ومن أثريين كبار، انتهت إلى أن المواصفات الخاصة بالمباني الأثرية متوافرة بالمكان، وبناء عليه انتهت النيابة في تحقيقاتها إلى عدد من الإجراءات والقرارات، ومنها توصية وزارة الآثار باتخاذ إجراءات تسجيل المكان كأثر كي يحافظ عليه كجزء من هوية مصر.

وتشير فهيم إلى أنه لا يمكن بأي حال إغفال أهمية مبنى وكالة العنبريين كونه أثر وله قيمة أثرية كبيرة، رغم أنه لم يتم تسجيله في عداد الآثار الإسلامية، ولا يستطيع أي شخص نفي هذه الصفة عنه، والذي يرجع تاريخه لمئات السنوات، حيث كان المبنى شاهدًا على عصر الدولة الفاطمية والعثمانية، وله قيمة تاريخية ووزارة الآثار لا تستطيع نفي هذه الأهمية الأثرية.

وتلفت أن إقامة مبنى خرساني في المنطقة سيسبب أزمة للآثار الموجودة هناك، حيث هناك تخوفات هندسية ستنشأ بسبب إنشاء مباني خرسانية، والملاصقة للمباني التاريخية بشارع المعز، وقد تحدث تصدعات بها.

وزارة الآثار

ونشرت وزارة الآثار بيان بخصوص الواقعة على صفحتها الرسمية بفيسبوك بتاريخ 12 فبراير وتضمن:

توضيح بشأن هدم عقار رقم ٨٨ بشارع المعز
أكد محمد عبدالعزيز، المشرف العام على مشروع القاهرة التاريخية، أن العقار رقم 88 شارع المعز والذي يتم هدمه هو عقار غير أثري ولم يسبق تسجيله من قبل وقد صدر له قرار هدم من محافظة القاهرة للخطورة الداهمة ولا علاقة لوزارة الآثار بهذا العقار.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر